النص:
" ليس من عزمنا أن نحقر من شأن التراث العلمي القديم، لكننا نرى أن المناهج القديمة أصبحت لا تتلاءم مع طبيعة الدراسات العلمية، لقد بدا المنطق في نظر السابقين أكمل العلوم وأدقها، وأنه أساس ضروري في تحصيل العلوم الأخرى، غير أننا رأينا أن كثيرا من العلوم تتقدم تقدما كبيرا دون أن يكون كبار الباحثين فيها ممن تخرجوا على منطق أرسطو، مما يدل دلالة واضحة على أنه ليس كافيا في توجيه العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية، إن لكل علم منهجه الخاص وليس من صالح المنطق، بمعناه العام، أن يظل معتزا بالفكرة القديمة القائلة بأنه معيار العلوم ومرشدها، بل الأولى به أن يستمد مادته من العلوم التي تتقدم دون انقطاع".
الســؤال : أكتب مقالة فلسفية تعالج فيها مضمون النص.
- المقدمة : طرح المشكلة
إذا كان المنطق الصوري قد ساد لقرون عديدة كمنهج للمعرفة، فإنه ومع مطلع العصر الحديث تعرض لعدة انتقادات، أفضت إلى استبداله بالمنطق الاستقرائي التجريبي الذي ساهم في تقدم العلوم الحديثة ومنذ ذلك الوقت، اختلف الفلاسفة حول قيمته وأهميته ومنهم صاحب النص الذي كتب نصه هذا، يبين لنا موقفه من هذا الموضوع، وعليه نطرح السؤال التالي: هل المنطق الأرسطي ضروري لتقدم العلوم الحديثة؟ أو هل يمكن اعتباره معيارا للعلوم الحديثة؟
- التحليل : محاولة حل المشكلة
- يعتبر صاحب النص من الفلاسفة المنتقدين والمعارضين للمنطق الصوري، وموقفه واضح وصريح يتجلى في الجملة التالية: " لكننا نرى أن المناهج القديمة أصبحت لا تتلاءم مع طبيعة الدراسات العلمية" ومنه نفهم أنه لا يمكن اعتبار المنطق الصوري معيار للعلوم الحديثة.
- الحجج – يستند صاحب النص في تبريره لموقفه على تاريخ تطور العلوم الحديثة من خلال جملته : "الكثير من العلوم تتقدم ..... والاجتماعية".
فقد انفصلت العلوم الرياضية عن الفلسفة على يد اقليدس وبذلك انفصلت من الاستنتاج المنطقي إلى الاستنتاج الرياضي، الذي وضع له مبادئ جديدة خاصة به هي البديهيات، المصادرات والتعريفات، الشيء الذي ساهم في تقدم الرياضيات التي ازدادت تقدما مع ظهور النسق الاكسيوماتيكي – Axiomatique، ثم استقلت العلوم الطبيعية ابتداءا من القرن السابع عشر الملازم لظهور المنهج الاستقرائي التجريبي الذي يقوم على قواعد خاصة به تتمثل في الملاحظة، الفرض والتجريب و كانت الفيزياء، أو علم طبيعي يقوم بذلك، يرجع الفضل في ذلك إلى علماء ليسوا ممن تخرجوا على منطق أرسطو منهم غليلي ونيوتن وفي القرن الثامن عشر حذت الكمياء حذوها على يد لافوازييه وفي القرن التاسع عشر عمل كلود برنارد على تأسيس البيولوجيا من خلال كتابه "المدخل إلى الطب التجريبي " وفي الأخير سارت العلوم، العلوم الإنسانية على منوال العلوم الطبيعية بعدما لاحظ الفلاسفة والعلماء نجاح المنهج الاستقرائي، فعملوا على تكييفه مع الحوادث الإنسانية، وأبدعوا مناهج خاصة بدراسة الحوادث التاريخية ومناهج خاصة بدراسة الحوادث النفسية وأخرى خاصة بدراسة الحوادث الاجتماعية.
لأن المنطق الصوري طغت عليه النزعة الصورية، فأصبح يبحث عن النتائج على ضوء المقدمات وحدها، الأمر الذي جعله لا يتماشى مع العلوم الحديثة التي تربط صدق نتائجها بالواقع، ما دفع بفلاسفة العصر الحديث إلى استبداله بمنطق جديد يتماشى مع طبيعة الموضوع وهو المنهج الاستقرائي، كما حاول البعض الآخر من الفلاسفة استرجاعه عن طريق إدخال بعض التعديلات عليه والتي تتمثل في العلاقات الرياضية فنشأ ما يسمى بالمنطق الرياضي الذي أسسه كل من برتراند راسل وهوايتهد.
إن حجج صاحب النص واضحة، مقنعة يؤكدها الواقع العلمي، ورغم هذا فإنه لا يجب أن نرفض المنطق الصوري برمته وننكر له كل فضل، ولا يجب أن ننسى أن المنطق المادي نفسه يراعي في الصدق قوانين حددها المنطق الصوري كمبدأ عدم التناقض ومبدأ السبب الكافي الذي يحوي ضمنيا مبدأ السببية والحتمية.
- الخاتمة : حل المشكلة
وفي الأخير نخلص إلى أنه حقيقة المنطق الصوري لم يعد يصلح كمنهج مباشر للعلوم الحديثة، سواء الرياضية منها أو الطبيعية أو الإنسانية.