قيـل "إن إدراك الذّات لـذاتها متـوقف على وعيها بـنفسها".
أبـطـل هـذه الأطروحة؟
الطـريقة: استـقصاء بالرفع.
- الـمـقدمة:
الانسان كائن اجتماعي وهذا يعني أن وجوده يتحدد بالمجتمع ومنه فإن إدراكه لذاته متوقف على ادراكه لغيره. لكن الأطروحة التي لدينا تذهب إلى أن إدراك الانسان لذاته إنما هو متوقف على وعيه بنفسه.
فما هي الحجج التي تُفَنِّد هذه الاطروحة وكيف يمكن ابطالها؟
- الـتحليل:
- يرى بعض الفلاسفة ان الوعي هو الذي يحدد معرفة الذات لذاتها، لأن ما يميز الانسان أنه ليس كتلة من الغرائز بل هو كائن يعي أفعاله ويعي ما يدور في ذاته من أحوال باطنية، ويعي كذلك ما يدور حوله، ويدرك أنه موجود في حاضر سبقه ماضي ويليه مستقبل.
- وهذا ما تذهب إليه المدرسة الاستبطانية التي تؤكد أن الشعور هو أساس معرفة الأحوال النفسية الباطنية. فالتجربة النفسية تؤكد أن مجرد شعور الفرد بذاته يكفي لمعرفة تميزه. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن شعور الفرد بأن ذاته هِيَ هِيَ ولم تتغير مع مرور الزمن رغم ما يصيبها من تغيرات لأن التغيرات تطرأ على الأعراض ولا تصيب الجوهر المتصف بالثبات.
- وهذا الوعي عبّر عنه برغسون بالحدس وعبّر عنه ديكارت بالفكر في مقولته الشهيرة" أنا أفكر إذًا أنا موجود". وقد توصل ديكارت إلى هذا عندما كان في رحلته من الشك إلى اليقين، حيث أثبت وجوده وبالتالي ذاته بعملية التفكير وكان سقراط أول من عبَّر عن هذا الوعي في مقولته: "اعرف نفسك بنفسك".
- كما يثبت هذا الطرح النزعة الظواهرية حين يقول أصحابها وعلى رأسهم هوسرل Husserl بأنه لا وجود لشعور خالص بل الشعور هو دائما شعور بشيء. فإذا كان الانسان يشعر فهو يشعر بذاته وبأحوالها.
- لكن هذه الأطروحة لاقت معارضين، يذهبون إلى عكس ما تذهب إليه ويبنون إدراك الذات لذاتها على وعيها بغيرها وذلك انطلاقا من أن الانسان هو أولا وقبل كل شيء كائن اجتماعي. فالإنسان يدرك ذاته عندما يشعر بأنه مغاير ومختلف مع الغير. إن الانسان يعيش مع غيره، يشاهد سلوكهم ويتفاعل معهم في إطار بيئة تشجعه على تشكيل مواهبه وصقلها وكلما كان الوسط الاجتماعي أغنى وأوسع كلما كانت الذات أرقى واغنى، ذلك أن نوع الثقافة ومقدار قوتها وتنوعها هو الذي يساهم في ترقية الأفراد وتباينهم من خلال شعورهم باستقلال شخصيتهم لأنه يفجر الطاقات الفردية الكامنة فيهم والتي تؤدي إلى تمايزهم عن بعضهم البعض وبهذا يكون العامل الحاسم في وصول الفرد إلى معرفة أناه و شعوره بتميزه. ومن بين الفلاسفة الذين يؤيدون هذه الأطروحة هيغل Hegel الذي يرى أن وجود الغير ضروري لوجود الوعي بالذات وأنه عن طريق الغير نتعرّف على الأنا وأنه يربط بين الأنا والغير علاقة تناقض يفسرها وجو صراع على شكل جدل وهذا الصراع يؤدي إلى أن يدرك كل منهما أناه و في نفس الوقت يدرك الآخر. ويُعبِّر هيغل عن هذه الأطروحة بجدليته الشهيرة "جدلية السيد والعبد". فالشعور بالأنا يقوم على أساس مقابلته بالشعور بالغير كنقيض يدخل معه في صراع، يحاول كل طرف التغلب على الآخر. كما يعتبر سارتر Sartre من مؤيدي هذه الفكرة في قوله:" إن الآخر ليس شرطا لوجودي فقط، بل هو أيضا شرط للمعرفة التي أكونها عن نفسي".
- من هذا الكلام كله نفهم أن إدراك الذات لذاتها لا يمكن أن يكون قائما على وعيها بنفسها لأن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل الوعي أي الشعور يُمَكِّن الذات من معرفة حقيقتها.
- إن هذه النظرة ستظل ذاتية وقاصرة علميا لأنه في بعض الأحيان المحلل النفساني هو الذي يستدل على شخصية ما، اعتمادا على ما ذهب إليه علم النفس التحليلي مع فرويد Freud الذي يؤكد على وجود مساحات شاسعة من النفس تفلت من الوعي لأن (اللاوعي (اللاشعور) هو الذي يتحكم فيها والطريقة الوحيدة للوصول إليها هي التحليل النفسي. ومن جهة أخرى فإن وعي الذات بذاتها أمر مستحيل، فإذا كانت الذات واحدة فكيف يمكن أن نعرف ذاتها إذا كانت المعرفة تفترض وجود العارف وموضوع المعرفة ثم إن معرفة الذات لذاتها معرفة متحيزة تخلو من النزاهة العلمية لأن مقياس الصدق هنا هو: شخصي فردي.
- الخاتمة:
وفي الأخير نستنتج بما أن الوعي غير قادر على تمكين الذات من معرفة ذاتها عن حقيقتها نظرا لما يتصف به من ذاتية إضافة إلى كونه لا يشغل النفس كلها فإن الاطروحة القائلة بأن إدراك الذات لذاتها متوقف على وعيها بنفسها أطروحة غير صحيحة وليس لها ما يبررها.