النص:
ففي أي مجتمع تتفاوت فيه حظوظ الناس قوة وضعفا، غنًى وفقرًا، صحة ومرضا، علما وجهلا، حيث لا يكون ثمة تساوٍ بين الناس إما بحكم القانون أو بحكم الواقع، فإن المجتمع لا يُمكن إلا أن يَغَصَّ بكل أنواع الشرور والمفاسد والمظالم، في مثل هذا المجتمع لن تجد إلا قويا ينهب أو يغتصب، ونفوسا تجيش بالحقد وتغلي بالتَّذمُّر والثورة، أو تعيش محطَّمة في مهاوي اليأس لا تكاد ترقى إلى مرتبة الحيوان. وفي هذه المجتمعات التي يسودها التفاوت تنتشر الجريمة، ويزدهر العنف، ولا يكاد الناس يتعاملون إلاّ سبًّا وقذفا ولا يتحادثون إلا صباحًا.
(......) فالتساوي في القدرة – وليس في التفاوت –هو مصدر كل خير ونعيم في الدنيا." احمد حسين
السـؤال: أكتب مقالة فلسفية تعالج فيها مضمون النص؟
- الـمقـدمة:
تعتبر ظاهرة العنف من المظاهر التي تواجهها الكثير من المجتمعات المعاصرة وعلى أصعدة ومجالات كثيرة. إذ نجدها في المدرسة، في الشارع، في الممارسات السياسية.... الخ. وقد شدت انتباه العديد من المفكرين وعلماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء التربية الذين يقدمون لها تفسيرات وشروحات مختلفة.
وصاحب النص من بين هؤلاء، حيث كتب هو الآخر باحثا عن الأسباب التي تنبع عنها هذه الظاهرة الاجتماعية والحلول الكفيلة بالقضاء عليها.
فما هي حقيقة أسباب العنف وما هي الظروف التي تنشأ فيها وما هي الحلول الكفيلة بالقضاء عليها؟
- الـتحـليل:
يرى صاحب النص أن أسباب ظهور ظاهرة العنف في المجتمع هو التفاوت الفظيع الموجود بين الناس، سواء كان هذا التفاوت طبيعي أم اجتماعي.
فالعنف نتيجة منطقية وحتمية للتفاوت الموجود بين الناس، وبقدر ما زاد العنف وتنامى داخل المجتمع بقدر ما زاد المرض الذي ينخُر في جسم المجتمع ويؤدي به إلى الانهيار.
إن التفاوت سوآءا كان طبيعيا والمتمثل في القوة والضعف، في الصحة والمرض أو كان اجتماعيا والمتمثل في الغنى والفقر، العلم والجهل فهو يؤدي دائما بالمجتمع إلى انتشار الجريمة والمفاسد والمظالم، ويجعل منه مجتمع تميل فيه نفوس الناس إلى الحقد والتّذمّر وهذا ما قد يدفع إلى الثورة على الأوضاع عن طريق القوة والعنف.
وفي هذه الأوضاع يَرْتَد الانسان إلى ما دون مستواه أو أكثر إلى ما دون الحيوان لأن الحيوان لا يكون عنيفا إلا دفاعا عن نفسه او من أجل الأكل، حتى إن الإنسان لا يحتاج في الحالتين إلى استعمال القوة والعنف.
إن ظاهرة العنف لها جذور في التاريخ، فقد كان منطق القوة-والمبنى على التفاوت -هو السائد في الكثير من الحضارات القديمة، كالحضارة الرومانية والحضارة الفرعونية وغيرهما. ويذكر لنا الفيلسوف الفرنسي روجر قارودي R.Garaudy في كتابه" في سبيل الحضارات" أن الحضارة الأمريكية بنيت على ظهور الزنوج والهنود الحمر وما الصراع الذي دار في أمريكا بين البيض والسود إلا دليل على خطورة التفاوت والتميز. فالتفاوت غير المشروع هو تفاوت يحمل ظلما وينتج حربا ودمارًا".
إن حجة صاحب النص تحمل الحل لهذه الآفة، فإذا كان التفاوت سبب العنف فإذا اللاتفاوت أي المساواة هي الحل الكفيل بالقضاء على هذه الظاهرة. حيث يقول [فالتساوي في القدرة هو مصدر كل خير ونعم في الدنيا].
إن هذه المساواة تتجلى في حق الحياة، حق المعاملة الحسنة، حق العمل وباختصار في مجموعة الحقوق الطبيعية والاجتماعية. فإذا ما تساوت الفرص بين البشر يحل الخير والسعادة والاستقرار والأمن.
نــقـد وتـقييم:
إن نظرة صاحب النص، نظرة إنسانية، فهو يحاول زرع روح الإنسانية في مجتمعات تعيش صراعا غير مبرر، أصبح العنف فيه هو لغة التعبير، إلا أن هذه الفكرة لاقت معارضة من طرف بعض المفكرين أمثال نيتشه Nietzsche وميكيا فيلي Machiavel حيث يرى هذا الأخير أن منطق القوة هو الذي يصنع النعم والخير وليس المساواة التي تؤدي إلى تخلف وانحطاط المجتمعات.
الـخاتـمة:
وفي الأخير نقول إنه من باب الإنسانية وجب المساواة بين أفراد المجتمع لغلق باب العنف والجريمة. فالإنسان خلقه الله ليعيش حياة تليق بإنسانية مادام قد كرّمه بالعقل وفضّله ورفعه درجة عن الحيوان وإلاّ فلا فرْق بينه وبين الحيوان.