هل يـمكن اخضاع الظاهرة الـحية للبحث التجريـبي؟
الطـريقة: جـدلــية
- المقدمة: طـرح الـمشكـلة
بعد ما حققته الفيزياء والكيمياء من نتائج باهرة بفضل اعتمادها على المنهج التجريبي، بدأ الطموح يراود العلماء في ادخال المنهج في دراسة المادة الحية، غير أن هذا الطموح اصطدم باعتراضات شديدة على اعتبار أن طبيعة الموضوع تحول دون إمكانية تطبيق المنهج العلمي. فهل حقيقة طبيعة الموضوع تعتبر عائقا وإذا كان كذلك فكيف تجاوزه العلماء؟
- الـتحلـيل: مـحاولة حل المشكلة:
- يرى المعترضون أنه لا يمكن اخضاع الظاهرة الحية للبحث التجريبي لأن:
- الجسم الحي هو وحدة كلية، لا يمكن تقسيمها إلى أجزاء دون أن يحصل خلل في طبيعتها، بحيث أن كل أجزاءه أي أعضاءه تتشابك وتتداخل وتتكامل سواء في تركيبها أم في وظيفتها، لذا لا يمكن فهم عضو ما وهو منفصل عن بقية الأعضاء.
- صعوبة دراسة الوظائف الحيوي أثناء جريانها، خاصة الأجزاء الدقيقة كالخلايا والأنسجة التي تُكوِّن وحدة الكائن الحي. فلكي ندرس الخلايا والأنسجة والبكتيريا لا بد من قتلها ثم تثبيتها ثم تلوينها قبل أن توضع تحت المجهر وقتل الخلية وتخثيرها وتلوينها معناه حتما إفسادها.
- صعوبة تصنيف الظواهر الحية، لأن كل كائن حي ينفرد بخصوصياته دون غيره وكل محاولة تصنيف تقضي على الفردية.
- وأخيرا يواجه الدارسون مشكلة التعميم والتنبؤ. حيث أن الدراسة التي يقوم بها العالم على نوع لا يمكن تعميمها على نوع آخر، نظرا للاختلاف الموجود من نوع إلى آخر. فمثلا عندما يستخدم العلماء الفئران لاختبار فعالية دواء مكتشف فإنهم لا يستطيعون تعميمه على كل الأنواع الأخرى وخاصة الانسان لأن جسم الانسان يختلف عن جسم الحيوان وقد تختلف القابلية حتى من إنسان إلى آخر، كما أنه من جهة أخرى لا يمكن التنبؤ لأن الكائن الحي ليس ثابتا عبر الزمان بل دائم التغير لأن ثباته مرتبط ببقائه في محيطه الأصلي وكلما تغير المحيط تغير معه الكائن الحي.
- نـقد: إن المعترضون ينطلقون من أن هناك قوة حيوية مستقلة، تحرك ظواهر الحياة إلا أن اعتراضاتهم هذه تقف في وجه طموح العلماء، لذا عمل الكثير على تجاوزها.
وقد كانت البداية في مدرسة باريس على يد الطبيبين بيشا وبروشا Broussais-Bichat ثم جاء كلود برنارد C. Bernard وطور طريقة الدراسة فيها حيث وضع أصولها في كتابه "المدخل إلى الطب التجريبي".
حيث أكد على ضرورة دراسة المادة الحية على نمط الدراسة في المادة الجامدة وقال في هذا الصدد: "لا بد لعلم البيولوجيا أن يأخذ من العلوم الفيزيائية والكيميائية المنهج التجريبي ولكن مع الاحتفاظ بحوادثه وقوانينه الخاصة" ومن بين الذين ساهموا في تطوير هذا العلم باستور Pasteur واشتهر بتجاربه الكثيرة أهمها تلك التي قام بها حول ظاهرة تعفن المادة الحية، ومرض الجمرة الخبيثة Maladie du charbon وكذلك داء الكلب وغيرها.
ومما ساعد على تجاوز تلك الصعوبات والعوائق، اختراع الكثير من الأساليب والوسائل والأجهزة التقنية كالمجاهر والتصوير بمختلف الاشعة والكواشف وغيرها والدليل على ذلك ما وصل اليه في علم الوراثة حيث تمكن من اكتشاف A.D.N وتطور علم الجينات وقد بلغ ذروته مع تسخير المورثات في مجال الاستنساخ كما نلاحظ تطور زراعة الأعضاء وغيرها من النجاحات الباهرة.
- نقـــد: رغم ان البيولوجيا تمكنت من تجاوز تلك العوائق والصعوبات ورغم ما حققته من انتصارات فإن نتائجها لا ترتقي إلى نتائج العلوم الفيزيائية.
إن الأبحاث العلمية أكدت أن الظاهرة الحية تشترك مع الظاهرة الجامدة في العناصر الأولية مما سهل الدراسة التجريبية التي بفضلها وصلت البيولوجيا إلى ما وصلت اليه من نتائج لكن مع هذا وجب مراعاة طبيعة الموضوع وخصوصياته. كما وجب أن يتحلى العالم بالروح العلمية التي لا تُخرِج أبحاثه عن إطار العلم الذي يسعى من خلاله الإنسان إلى فهم الحياة من أجل أن يساعده هذا الفهم على تسهيل وتحسين حياة البشرية.
- الخـاتمة:
وفي الأخير نستنتج أن خصوصيات الظاهرة الحية لم تقف في وجه العلم ولم تكن حاجزا أمام إمكانية التجريب بدليل ما وصل إليه هذا العلم من تقدم في مجالات كثيرة أهمها مجال الطب.