السؤال
عرف المعسكر الشيوعي في نهاية الثمانينات و بداية التسعينات الماضية تغيرات جديرة ، و هزات عقيمة مست مختلف الميادين ، نتج عنها زوال الاتحاد السوفيتي و بروز نظام دولي جديد آحادي القطب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
المطلوب
انطلاقا من العبارة، و اعتمادا على ما درست:
- ابرز مظاهر انهيار المعسكر الشيوعي.
- حدد الأسباب الحقيقية للانهيار.
- حدد مفهوم النظام الدولي الجديد.
- بين الأهداف المعلنة و الخفية للنظام الدولي الجديد.
الإجابة المقترحة
المقدمة:
ظل المعسكر الشيوعي مند عام 1947 قطبا فاعلا في العلاقات الدولية ، في مواجهة المعسكر الرأسمالي
لكن سرعان ما تغيرت هذه الوضعية في مطلع التسعينات الماضية. فقد شهد هدا المعسكر بين عامي 1989 و 1991 موجة من الاحتجاجات السياسية و الاجتماعية المطالبة بالديمقراطية و الحرية ، و تحسين الأحوال المعيشية، أفضت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي ، و الأنظمة الشيوعية في أوربا الشرقية ، و إعادة توحيد ألمانيا ، و بالتالي إلى تعديل جوهري لخريطة العالم الجيوسياسسية التي تشكلت في الحرب العالمية الثانية.فما مظاهر و أسباب انهيار المعسكر الشيوعي ؟ و ماذا ترتب عن ذلك؟
مظاهر انهيار المعسكر الشيوعي
في مارس 1985 ، استلم ميخائيل غورباتشوف زمام السلطة في الاتحاد السوفيتي ، في سياق مشاكل اقتصادية و سياسة معقدة تمثلت خاصة في تدهور الإنتاج و ندرة السلع و تدهور مستوى الخدمات و تدمر القوميات غير الروسية ، و ظهور بوادر النزاع داخل الجهاز الحاكم بين المحافظين و الإصلاحيين الذي يتزعمهم غورباتشوف بنفسه .
و سعيا منه إلى التفريغ لانفاد النظام السوفيتي ، قام غورباتشوف بجملة من المبادرات التصالحية تجاه العالم الخارجي أهمها : الإسراع في مفاوضات نزع السلاح من الولايات المتحدة، و سحب الجيش الأحمر من افغانيستان منذ افريل 1987، و إيقاف بناء 6 مفاعلات نووية ، و الكف عن التشويش على الإذاعات الغربية الموجهة إلى الاتحاد السوفيتي في نوفمبر 1988، و الإيعاز إلى حلفائها لفتناميين بمغادرة كومبوديا مند ديسمبر 1988 ، و الاعتراف بأهلية محكمة لاهاي الدولية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في مارس 1989، ثم اجتمع بالرئيس الأمريكي بوش في مالطا يومي 3 و 4 ديسمبر 1989 ، و أعلنا انتهاء الحرب الباردة ، و حضر مؤتمر باريس في 19 و 20 نوفمبر 1990، وحضرته 34 دولة أوربية أكدت فيه انتهاء الحرب الباردة و ندد بالغزو العراقي للكويت في اوت 1991.
أما على المستوى الداخلي فقد طرح غورباتشوف فكري: البريسترويكا (perestroika)،أي إعادة البناء، بإدخال الديمقراطية في النظام السياسي، وتخفيف التوجيه الاقتصادي ، و الغلاسنوست (glasnost) أي الشفافية ، و تعني إلغاء الرقابة الإعلامية ن و ضمان الحريات. ثم أطلق جملة من المبادرات الإصلاحية ، أهمها : إتاحة قسط هام من الحرية لوسائل الإعلام و الجمعيات ، و إعادة الاعتبار لضحايا النظام السابقين ، و العفو عن المنشقين قسط هام من الحرية لوسائل الإعلام و الجمعيات ، و إعادة الاعتبار لضحايا النظام السابقين ، و العفو عن المنشقين و المنفيين ، و سن إصلاحات و اقتصاد و القضاء و في القانون الدستوري ( مما سمح لغير الشيوعيين بالترشح للانتخابات البرلمانية ، و وسع صلاحيات البرلمان في ديسمبر 1988 ) ، و إعلان التعددية الحزبية في مارس 1990
لكن هده الإجراءات التي أريد بها إصلاح النظام السوفيتي أدت إلى نتائج عسكرية ، اذ حررت الأوضاع السياسية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية ، فانطلقت المطالبات الاستقلالية و الليبرالية التي انتهت بانهيار المعسكر الشيوعي. فما مظاهر الانهيار؟
1- تراجع دور و مكانة الأحزاب الشيوعية
وهي رمز السلطة و الشرعية في الدول الشيوعية، و دلك بسبب عجزها عن تلبية مطالب المجتمع، و اتخاذها القمع وسيلة للبقاء. و قد تراجع مكانة الحرب الشيوعي السوفيتي إلى أن تم إلغاء دوره القيادي و تحويل السلطة التنفيذية منه إلى الدولة في 22 فيفري 1990. ونتج عن دلك دخول المعارضة المعترك السياسي بقوة ، و تمكنها من القضاء على احتكار الشيوعيين للسلطة ، تمهيدا لنزعها منهم، و حدث مثل دلك في شرق أوربا.
2- استقلال الجمهوريات السوفيتية هذه التطورات ، و تفكك الاتحاد السوفيتي
فقد استغلت شعوب الاتحاد السوفيتي هده التطورات ، و انطلقت في المطالبة بالاستقلالها و حاول غورباتشوف تدارك الأمر بإرساء قواعد جديدة للعلاقات بين الجمهوريات السوفيتية أل (15) ، فظهرت في 23 افريل 1990 معاهدة الاتحاد التي اعترفت باستقلال و سيادة سائر الجمهوريات في ايطار الاتحاد السوفيتي.
لكن النزاعات الاستقلالية كانت قد بلغت مستوى لا يمكن التغلب عليه، فاستقلت كل من لتوانيا ، و ليتونيا ، و استونيا و جورجيا في سنة 1990، وتبعتها في السنة التالية : اكرانيا ، و ملديفيا و روسيا البيضاء ، وادرابيجان ، و قرغيزيا ، و أوزباكستان ، طاجيسكستان ، و أرمينيا ، تركمانستان ، و لم يبقى سوى روسيا و كازاخستان على الرغم من الانتخاب غورباتشوف رئيسا للاتحاد السوفيتي في ماي 1990. و ازداد وضع الاتحاد السوفيتي حرجا بعد انتخاب بوريس يلتسين ( المعادي الشيوعية) رئيسا لروسيا الاتحادية في 12 جوان 1991 ، فقام بعض القادة الشيوعيين المتشددين في 19 و 20 أوت 1991 بمحالة انقلاب ، رامت وقف انهيار التحاد السوفيتي ، لكنها باءت بالفشل لوقوف الجيش مع يلستين.
ثم عقد رؤساء روسيا و أوكرانيا ز روسيا البيضاء مؤتمرا في منسك ( عاصمة روسيا البيضاء ) يوم 8 ديسمبر 1991 ، اعلنو فيه زوال الاتحاد السوفيتي و إنشاء " كومنولث الدول المستقلة " ليكون بديلا عنه . و في ال 21من نفس الشهر عقد مؤتمر أخر في آلماآتا ( عاصمة كازاخستان ، انضمت خلاله 8 جمهوريات سوفيتية سابقة إلى ذلك الكومنولث ( الاتحاد) ، و امتنعت كل من ليتونيا ، و لتوانيا ، وجورجيا عن الانضمام.
اضطر غورباتشوف بعدما وجد نفسه على رأس دولة لا وجود لها ، أن يعلن في 25 ديسمبر 1991 استقلاله من رئاسة الاتحاد السوفيتي ، فا منحت تلك الدولة نهائيا.
3- تفكك الديمقراطيات الشعبية
ذلك انه بانهيار المركز ( الاتحاد السوفيتي ) سقطت الأطراف ، و تفرق المجموع . فقد كانت شعوب أوربا الشرقية تتطلع دوما إلى الحرية ، و مع اضمحلال قوة التحاد السوفيتي ، تهيئات لتلك الشعوب الظروف الملائمة للتحرر ، فتخلص من الشيوعية ، و أرست الديمقراطية خلال سنتي 1989 و 1990 .
و نتيجة لهذه التطورات ، انحل حلف الوارسو في نوفمبر 1990 ، ومنظمة الكوميكون في 28 جوان 1991، بذلك انفرط عقد المعسكر الشيوعي
4- انتهاء الحرب الباردة و ظهور النظام الدولي الجديد
بانهيار المعسكر الشيوعي، انتهت الحرب الباردة، و ظهرت بوادر نظام دولي جديد، سنعرض له في القسم الثالث من الإجابة.
ولم تكن هذه التطورات الخطيرة وليدة الصدفة ، بل نتاج أسباب بعيدة و قريبة.
أسباب انهيار المعسكر الشيوعي
هناك أسباب خاصة بالتحاد السوفيتي ، و أسباب مشتركة بين سائر الدول الشيوعية . أما الأسباب الخاصة بالاتحاد السوفيتي ن فهي :
1- تعدد القوميات و تنوع الثقافات
فقد ضم الاتحاد السوفيتي 15 جمهورية و أكثر من قومية ، تتحدث 160 لغة ، وتعتنق ديانات و مذاهب متباينة ، لم يتمكن النظام من صهرها في بوتقة الشيوعية . كما تعرضت شعوب للاضطهاد القومي و الثقافي ، ففرضت عليها اللغة الروسية و آدابها ، و العقيدة الشيوعية الملحدة خاصة منها الشعوب المسلمة في آسيا الوسطى ، و القوقاز ، و تتارستان .
2- اتساع الرقعة الجغرافية
تجاوزت مساحة الاتحاد السوفيتي 22 مليون كم² ، يقع معظمها بعيدا عن مراكز العمران و خطوط المواصلات ، و يعاني من قسوة المناخ ، الأمر الذي تطلب نفقات هائلة مد و صيانة طرق المواصلات ، و إقامة المشاريع المختلفة ، و حماية ، الحدود الطويلة ، كانت على حساب التنمية الاجتماعية.
3- المساعدات و التدخلات الخارجية
قدم الاتحاد السوفيتي مساعدات عسكرية و اقتصادية جمة لحلفائه أيام الحرب الباردة ، فمون الأنظمة الماركسية في كوبا فيتنام و كوريا الشمالية و إثيوبيا و غيرها ، و تدخل في بعض البلدان عسكريا ، كما في أفغانستان ، مما كلفه خسائر جسيمة مادية و معنوية اثلرت في الاوضاع الداخلية.
و أما الأسباب المشتركة فهي:
1- ارتفاع قيمة النفقات العسكرية
فقد بلغت نفقات الدفاع السوفيتية مثلا نسبة 16%من الميزانية العامة، فسببت تقلص استثمارات التنمية ، و تدهور الأوضاع الاقتصادية و الجماعية.
2- إفلاس النظام الاقتصادي
الذي تميز بالمركزية الشديدة ، و إلغاء الحوافز الفردية ، فسقطت مبررات العمل ، و تدهور الإنتاج ، و ندرة السلع ، و ارتفاع أسعارها ، وانتشار الحرمان.
3- فساد الإدارة
فقد احتكر الشيوعيين المناصب ، يتوارثونها ، و اتخذوها أداة التعسف و وسيلة إثراء و محاباة... فضيعوا الحقوق ، و عطلوا الطاقات.
4- إفلاس العقيدة الشيوعية
إذ أخفقت في تحقيق تطلعات الجماهير المادية و المعنوية ن و تحولت إلى دولة قمعية بوليسية ، ن تحكم مجتمعا محروما ، يزخر بالموبقات ن كالزنا و إدمان الكحول و المخدرات..
مفهوم النظام الدولي الجديد
النظام الدولي هو مجموعة من المبادئ و القواعد المتفق عليها بين الدول ، تسير العلاقات الدولية ، كميثاق الملزم ، و مرجعية موحدة للجميع . أما النظام الدولي الجديد ، فليس وليد العالم ، بل تطورا فرضه انهيار المعسكر الشيوعي في مطلع التسعينات الفارطة ، و استفراد الولايات المتحدة بالهيمنة ، بفضل قوتها العسكرية و الاقتصادية و السياسية و الإعلامية الكاسحة ، التي لا تجد من يتصدى لها .
ويقصد بالنظام الدولي الجديد إذن السيطرة شبه المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية على السياسة العالمية ، في إطار القطبية الأحادية ( واشنطن) ، التي حلت محل القطبية الثنائية ( موسكو واشنطن) عقب انتهاء الحرب الباردة . و يقوم هذا النظام على عدة أسس أهمها : الليبرالية الاقتصادية ( و أساسها حرية الاستثمار و الملكية و النتاج و التبادل ) ، و صيانة حقوق الإنسان حسب المفهوم الغربي ، ومن ضمنها حق الإنسان في تغيير المعتقد ، و ممارسة الرذيلة ، و التطاول على تعالى ، و على الأنبياء عليهم السلام و المقدسات.
وبما أن هذا النظام يفرض نفسه بالقوة، كما رأينا، و لا يقيم وزنا للقانون، فلا شك أن له أهدافا مبينة خطيرة.
الأهداف المعلنة و الخفية للنظام الدولي الجديد
1- الأهداف المعلنة
- تثبيت أسس الديمقراطية ، و حماية حقوق الإنسان و الأقليات ( حسب المفهوم الأمريكي ) في العالم .
- حل النزاعات الدولية و الإقليمية على أساس القانون الدولي .
- فرض قانون السوق، و تحرير التجارة العالمية.
2- الأهداف الخفية
- تشكيل جبهة من الدول الغربية لمواجهة التحديات القادمة من الجنوب ، و خاصة من العالم الإسلامي ، و منع الدول الإسلامية خاصة من تحقيق سيادتها كاملا.
- فرض القيم الغربية الممثلة في التعددية بشتى صورها ، و العلمانية ، و قانون السوق ، و التصور الغربي لحقوق الإنسان .
- تسوية مشاكل العالم الثالث بحلول مزيفة، تخدم مصالح الولايات المتحدة و تتعارض مع الحق و القانون، كما تريد بالقضية الفلسطينية.
- أضعاف منظمة العالم الثالث كحركة عدم الانحياز ، و منظمة المؤتمر الإسلامي ، بما يؤدي إلى إضعافه إمام السموات الأمريكية .
- السيطرة على المواد الطبيعية لدول الجنوب ، و في مقدمتها بترول الشرق الأوسط
- تثبيت تفوق " إسرائيل في الشرق الأوسط"
الخاتمة
ظلت القطبية الثنائية طيلة الحرب الباردة تمثل توازنا في العلاقات الدولية منع تسلط قوة عظمى بمفردها على الأرض. لكن انهيار المعسكر الشيوعي قلب الأوضاع رأسا على عقب، و افرز نظاما دوليا جديدا قائما على قطبية أحادية أمريكية ، تسعى إلى فرض القيم و النظم و الحلول الأمريكية ، و نهب ثروات العالم الثالث ، و منع شعوبه من تحقيق السيادة الكاملة.
قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى
لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.
