iMadrassa
مقالــة حول علاقة اللغة بالفكر بالطريقة الجدلية

هل تستطيع اللغة أن تعبر عن كل ما يدور في الفكر؟

  • المقدمة:

نقول عن الإنسان أنه كائن مدني بطبعه وهذا يعني أنه يعيش مع غيره، الأمر الذي يقتضي وجود وسيلة يتصل بها مع الغير، وهذه الوسيلة من دون شك هي اللغة، تعني اللغة عند الجرجاني: "ما يعتبر به كل قوم عن أغراضهم " وهي عند لالاند: "كل نسق من الإشارات يمكن أن يكون أداة للتواصل" ويعرفها ديكارت: "هي ملكة تأليف وترتيب الألفاظ المختلفة من أجل التعبير بها عن المعاني العقلية التي يعج بها الفكر" فهل حقيقة اللغة قادرة على التعبير على كل الأفكار؟ بمعنى آخر هل هناك تناسب بين ما نملكه من أفكار وما نملكه من ألفاظ؟

 

  • التحليــل:

الاتجاه الأحادي وهو موقف المعاصرين:

يرى معظم فلاسفة اللغة وعلمائها أن هناك وحدة عضوية بين الفكر واللغة ولا وجود لأحدهما دون الآخر، فالفكر مرتبط باللغة التي تعبر عنه واللغة تابعة للفكر وبدونه لا يمكن أن تكون.

ودليلهم على ذلك أنه:

- لا وجود للفكر إلا بوجود الألفاظ التي تميِّز بين ما نفكر فيه من معاني، بمعنى أن اختلاف المعاني لا يكون إلا باختلاف الألفاظ، فإذا قلنا مثلا صيف وشتاء لا شك أن معنى كل منهما متضمن في اللفظ الذي يُعبِّر عنه، وإذا قلنا العبارة التالية (قوة القانون) و(قانون القوة) فلا شك أن العبارتين تختلفان باختلاف التركيب اللغوية.

- ويؤكد علم نفس الطفل أن تكوين المعاني عند الطفل يتم في نفس الوقت الذي يكتسب فيه اللغة ذلك أن ظهور اللغة عند الطفل مقارن بتكوين التصورات والأحكام، ومن جهة أخرى فإن نمو الفكر عنده مرتبط بنموه اللغوي، حيث يقول آلان: "إن الطفل يكتشف أفكاره في العبارات التي ينطبق بها، ويبدو جليا الارتباط بين الكلمة ومعناها بحيث يتعذر الفصل بينهما وأي محاولة لفعل ذلك هو نوع من العبث، وفي هذا يقول دولاكروا: "إن الفكر يصنع اللغة في الوقت الذي يصنع فيه الفكر من طرف اللغة ".

- كما يرى دوسوسير F. desaussure، أنه يمكن تشيبه العلاقة بين اللغة والفكر بورقة، يكون الفكر أحد الوجهين وتكون اللغة الوجه الآخر، ولا يمكن فصل أحد الوجهين عن الآخر.

- ويضيف واسطن أنه لا يمكن تصور فكر دون لغة حيث يقول: "إن الفكر ليس شيئا أكثر من الكلام الذي يختفي وراء الصوت".

- ونجد نفس الفكرة عند هيغل حيث يقول: "إن الرغبة في التفكير بدون كلمات لهي محاولة عديمة المعنى".

- وقد اعتبر ميرلوبونتي "الكلمة هي لباس المعنى" ويقول هاملتون: "الألفاظ حصون المعاني" أي أن الكلمة هي التي تعطي للفكر وجوده ومن دونها تكون الألفاظ عارية لا أساس لها، ومن هنا يبين أن القول بوجود معاني وأفكار لا يمكن التعبير عنها مجرد أوهام.

نقــد: لو كان الفكر واللغة شيئا واحدا لكانت أفكارنا واحدة وقدراتنا على الفهم متساوية ما دامت اللغة واحدة، غير أن الواقع يثبت العكس، أي أن للفكر معناه الخاص الذي يجعله يختلف عن اللغة، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإننا نلاحظ في بعض الأحيان عجز اللغة عن التعبير عن بعض المشاعر الذاتية فكيف تفسر ذلك؟

الاتجاه الثنائي وهو رأي الحدسيين وعلى رأسهم برغسون:

يقول أنصار هذا الاتجاه بعدم تطابق الفكر واللغة، فالفكر عندهم متقدم على اللغة، ويستندون إلى عدة حجج منها:

- عدم التطابق بين القدرة على الفهم والقدرة على التبليغ، وكذلك أن اللغة لا تستوعب كل الفكر، فنحن نفكر أولا ثم نتكلم أو نكتب، بمعنى أننا نُكوِّن الفكرة أولا ثم نبحث عن العبارات التي تؤديها وقد نجدها وقد لا نجدها.

كما يرى برغسون أن اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر مما يدل أن الفكر أوسع من اللغة حيث يقول:  "إن اللغة عاجزة عن وصف المعطيات المباشرة وصفا حيًّا" أي أن اللغة عاجزة عن وصف الأحوال الشعورية خاصة إذا تعلق الأمر بالعواطف، كما يرى أن اللغة تشوه الفكر وتعيقه، فهي لا تعكس بصدق معاني الفكر الصحيحة ويضيف أن الفكر متطور بينما الألفاظ جامدة ولهذا فإن اللغة تُقيِّد الفكر بما تفرضه من قوالب مادية، ومما يثبت كذلك عدم التناسب بين الفكر واللغة وعجز اللغة عن التعبير عن جميع الأفكار والمشاعر أن الإنسان بحث عن سبل أخرى للتعبير فاستبدل الألفاظ بالرسم والموسيقى والتمثيل وكذلك بالنسبة للصم والبكم الذين يستعملون لغة خاصة غير الألفاظ مما يدل على أن اللغة ليست الأداة الوحيدة للتعبير عن التفكير، ويخلص برغسون إلى "الألفاظ قبور المعاني"

نقـــد:

إن برغسون يبالغ عندما فصل بين اللغة والفكر فصلا كليا، ثم أن عدم التناسب بين اللغة والفكر قد يرجع فقط إلى نسبة ما نملكه من اللغة.

 

  • التركيــب:  

إذا تأملنا أنفسنا أثناء عملية التفكير وجدنا أننا نستعمل لغة باطنية غير مسموعة وكأننا نجري حوارا مع أنفسنا مما يدل أن الفكر مرتبط باللغة، فإذا كانت هناك أسبقية فهي أسبقية منطقية وليست أسبقية واقعية لأنهما يحدثان متزامنين. ومن هنا ننتهي إلى أن الفكر واللغة دورهما متكامل والعلاقة بينهما علاقة تأثير وتأثر.

فلا يمكن التعبير عن المدركات الغامضة لكن متى أصبحت واضحة أمكن التعبير عنها، وهذه العلاقة نجدها في قول أرسطو، "ليس ثمة تفكير بدون رموز ذهنية" كما نجدها عند ميرلوبوتي "الفكر يحوي اللغة واللغة تحوي الفكر".

 

  • الخاتمـة:

مما سبق نستنتج أنه لا يمكن الفصل بين اللغة والفكر وأنهما وجهان لعملية واحدة وحتى إن حصل أن عجزت اللغة عن التعبير عن بعض أفكارنا ومشاعرنا فإن التفكير في حد ذاته لا يتم إلّا باللغة. 


قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى

لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.



قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى

لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.



قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى

لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.