هل الشعور ملازم للسلوك الإنساني؟
- المقدمــة:
الإنسان كائن عاقل وهذا يعني أنه يعي أي يشعر فهو يشعر بذاته وبأحوالها وما يدور حولها، لكن هل هذا الوعي أي الشعور يصاحب ويلازم جميع سلوكيات الإنسان؟
اختلف الفلاسفة وعلماء النفس حول هذه الإشكالية، فقد ظل علم النفس التقليدي يظن أن الشعور هو الوظيفة الوحيدة التي تمارسها النفس، لكن دراسات لاحقة وضعت احتمالا آخرا وهو اللّاشعور.
- التحليـــل:
اعتقد الكثير من الفلاسفة ومن بعدهم علماء النفس أن الشعور هو المبدأ الوحيد للحياة النفسية، ولعل أبرز رواد هذا الاعتقاد هو الاتجاه العقلاني وعلى رأسه ديكارت الذي أرسى دعائم هذا الاتجاه من خلال "الكوجتو" "أنا أفكر إذن أنا موجود" فهو يرى أن الشعور معرفة أولية مباشرة، مطلقة، صادق الحكم، لا يخطئ، يتسع لكل الحياة النفسية، وهو مستقل عن الجسم، وأن النفس البشرية لا تنقطع إلا إذا انعدم وجودها، وفقدان الشعور بها دليل على زوالها، فلا وجود لحياة نفسية لا نشعر بها، وبهذا فلا وجود لحياة نفسية خارج الروح إلا الحياة الفيزيولوجية.
وقبل ديكارت أوضح ابن سينا أن الإنسان السوي إذا تأمل في نفسه يشعر أن ما تتضمنه من أحوال في الحاضر هو امتداد للأحوال التي كان عليها في الماضي وسيظل يشعر بتلك الأحوال طيلة حياته لأن الشعور بالذات لا يتوقف.
إن فكرة الشعور "قوام النفس" أخذت عمقها مع علم النفس التقليدي "برغسون" الذي رفض مزاعم النزعة المادية السلوكية التي تنكر وجود النفس وترى في الأحوال الشعورية مجرد صدى للنشاط الجسمي ثم جاءت النزعة الظواهرية، هوسرل Husserl –، وأعطت بعدا جديدا للمبدأ الديكارتي-الكوجيتو-وحوله إلى مبدأ جديد سماء "الكوجيتاتوم"، ونصه: "أنا أفكر في شيء ما، فذاتي المفكرة إذن موجودة، ومعناه أن الشعور لا يقوم بذاته بل يتجه نحو موضوعاته أي لا وجود لشعور خالص، فكل شعور هو شعور بموضوع ما".
نقـــد:
إن علم النفس التقليدي قام على المعقولية التامة وعلى التطابق المطلق بين النفس والشعور، فلزم عن ذلك أن كل ما هو نفسي هو شعوري وكل ما هو شعوري هو نفسي، فإذا صدق الاعتقاد بأن ما هو شعوري هو نفسي فهل الاعتقاد بأن كل ما هو نفسي هو شعوري.
أي إذا كان الشعور حقيقة لا يمكن إنكارها فهل هو يصاحب جميع أفعالنا؟
لقد لاقت فكرة الشعور كأساس للحياة النفسية اعتراضات كثيرة من طرف بعض علماء النفس أبرزهم فرويد Freud، وقبله الفيلسوف لايبنتز Leibniz، الذي اعترض على الطرح الديكارتي حيث يقول: "إنني أوافق أن الروح تفكر دائما لكن لا أوافق أنها تشعر دوما بأفكارها" كما انتبه بعض أطباء الأعصاب قبل فرويد إلى الأفعال اللاشعورية وذلك عندما كانوا يعالجون مرض عصابي هو الهيستيريا عن طريق التنويم المغناطيسي وأعراضه كما ضبطها شاركو وجاني Charcot- Janet، اضطرابات حركية وذهنية والتي أرجعها شاركو إلى أسباب نفسية لأن بعضها يمكن إحداثه عن طريق الإيحاء التنويمي ثم دعم هذه الفكرة برنهايم بإجراء تجارب دلت على أن فكرة ما إذا رسخت في الذهن يمكنها أن تُثير نشاطا واعيا دون الشعور بها.
استفاد فرويد من الدراسات التي قام بها هؤلاء، لكن ما فتح أبواب التحليل النفسي هو ما قام به بروير Breuer.
ترك فرويد التنويم المغناطيسي إلى التحليل النفسي والتي تتمثل في استدعاء النشاطات المكبوتة في منطقة اللاشعور إلى ساحة الشعور وتسمى كذلك بعملية التطهير، وهي طريقة تسمح للشخص أن يتعرف على أسباب مرضه وهذه الطريقة تقوم أساسا على التداعي الحر أي التذكر العفوي، ويستعين المحلل النفساني بمظاهر اللاشعور وهي مجالات تكشف عن اللاشعور منها تفسير الأحلام، النسيان، النكت، التقمص، وغيرها وتعتبر هذه الموضوعات كلها مجالات تخرج عن طريقها النشاطات اللاشعورية إلى الواقع في صور مقنعة.
نقـــد:
لقد بالغ فرويد في إرجاع كل الأعراض العصبية إلى أسباب لاشعورية لأن هناك أعراض ناتجة عن أسباب فيزيولوجية أو عن صدمات وقد تكون ناتجة عن شدة الوعي.
إن فكرة اللاشعور يرفضها العديد من الفلاسفة منهم سارتر J.P. Sartre، الذي يعتبر أن السلوك الإنساني يجري في الشعور، كما انتقدها الطبيب العقلي استيكل Stekelk-، حيث يقول: "لا أؤمن باللاشعور، لقد آمنت به في المرحلة الأولى ولكنني بعد تجاربي التي دامت 30 سنة، وجدت أن كل الأفكار المكبوتة إنما هي تحت الشعور وأن المرضى يخافون دائما رؤية الحقيقة".
- التركــيب:
سلوكيات الإنسان قسمان: بعضها يخضع للشعور وبعضها يفلت منه، فالواقع يثبت أن للرغبات والميول والنشاطات المكبوتة تأثير في سلوك الإنسان، لكن لا يمكن القول بأن هذا التأثير مطلق ودائم بل هو محدود لأن السلوك يخضع كذلك لدور العقل والإرادة.
- الخاتمــة:
من خلال ما سبق نستنتج أن الآراء اختلفت حول طبيعة الحياة النفسية ومنه حول تأثير كل من الشعور واللاشعور في سلوك الإنسان، والنتيجة التي يمكن استخلاصها هي أنه ما دام هناك تأثير للاشعور على سلوك الإنسان ولو كان نسبي نقول إن الشعور لا يلازم دائما السلوك الإنساني.