دافع عن الأطروحة القائلة بأن "الإبداع ظاهرة اجتماعية"
الطريقة: استقصاء بالوضع
- المقدمة:
الإنسان كائن ذو أبعاد ثلاثة: فهو يعيش الماضي من خلال عملية التذكر ويعيش الحاضر من خلال عملية الإدراك أما المستقبل فيعيشه من خلال عملية التخيل. يميز علماء النفس بين نوعين من التخيل هما التخيل التصوري والتخيل الإبداعي الذي يعرفه غ. بشلار- G.Barchelard:
"هو ملكة تغيير الصور التي يقدمها الإدراك بل هي على وجه الخصوص الملكة التي يتحرر بها من الصور الأولى والتي يستبدل بها الصور".
لقد شاع أن الإبداع مرتبط بشروط نفسية لكن الأطروحة التي لدينا تؤكد أنه ظاهرة اجتماعية. فما هي الحجج التي تثبت صحتها وكيف يمكن الدفاع عنها؟
- التحليـل:
- ترى النظرية الاجتماعية أن الإبداع يرجع إلى شروط اجتماعية، فالإبداع لا يكون من العدم بل يكون حسب متطلبات المجتمع، من التنافس في الاختراعات العلمية، فالحاجة أم الاختراع كما يقال. ذلك أن الحاجة إلى التنقل دفعت إلى اختراع وسائل النقل وتطويرها والحاجة إلى الاتصال هي التي دفعت إلى اختراع وإبداع وسائل الاتصال من بريد وهاتف وفاكس وُصولا إلى الهاتف النقال والانترنيت، والمرض هو الذي دفع إلى إبداع واختراع الأدوية والوسائل الطبية، والحاجة العسكرية هي التي دفعت إلى اختراع وسائل الحرب من الأسلحة البسيطة إلى أعقدها وأكثرها تدميرا، وفي هذا يمكن القول إن الطبيعة تتحدى والإنسان يتصدى بما يخترع من وسائل.
- وفي هذا الصدد يقول دور كايم: Durkheïm: "إن الإبداع مهما تعددت مجالاته ... تتحكم فيه شروط اجتماعية. فالمبدع لا يبدع لنفسه..."
- ويقول ريبو Ribot: "مهما كان الإبداع فرديا فإنه يحتوي على نصيب اجتماعي".
هذا من جهة ومن جهة أخرى ترى النظرية الاجتماعية أن الإبداع مرتبط بدرجة نمو المجتمع وتطوره. فالقنبلة الذرية مثلا اخترعت في عصر وصل فيه العلم إلى درجة من التطور لأن صناعتها مرتبطة بعلم الفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا، لذا لم يكن من الممكن اختراعها في قرون سبقت، كما ترتبط ظاهرة الإبداع بالوسائل المتوفرة في المجتمع. فالإبداع موجود في المجتمعات المتحضرة التي توفر لأبنائها الظروف والوسائل الممكنة، لذلك تكاد تنعدم في المجتمعات المتخلفة ذات الظروف الاجتماعية والاقتصادية المزرية.
- يذهب خصوم هذه الأطروحة إلى أن الإبداع يرجع إلى شروط نفسية بحتة. فهو مرتبط بالاستعدادات العقلية والنفسية والقدرات الشخصية التي يملكها المبدعون. فالمبدع بالضرورة يتمتع بصفات وقدرات يعلو بها ويتفوق بها على العامة من قوة الذكاء وقوة الذاكرة وقوة الانتباه والقدرة على التجريد والتحليل.
حلل فرويد Freud هذه الظاهرة وفسرها على أنها تجسيد رمزي للرغبات المكبوتة في اللاشعور.
ومن جهة أخرى فإن للحالة النفسية التي يكون عليها الإنسان تأثيرا في الإبداع، فهو لا يحدث في حالة جمود بل أثناء الحماس والتوتر تُبدع الفروض والقيم الجديد حسب برغسون Bergson.
ويرد بعض العلماء، الإبداع إلى عامل الإلهام والحدس حيث يقول نيوتن Newton، في هذا الصدد: "وإنني لأضع بحثي نصب عيني دائما وأنتظر حتى يلمح الإشراق الأول علىّ شيئا فشيئا لينقلب إلى نور جلي".
وبهذه الصفة يفسر العلماء اكتشاف نيوتن لقانون الجاذبية، كما يرجع البعض الآخر من العلماء، الإبداع إلى عامل الوارثة بدليل أن المواهب تنتقل داخل العائلة من جيل إلى آخر كما هو الحال في عائلة باخ الموسيقار الشهير حيث تتكون من 57 موسيقى.
حقيقة أن الإبداع يرتبط بما تملكه الذات المبدعة من ذكاء وعبقرية لكن الواقع يؤكد أن كل هذه القدرات تبقى كامنة وراكدة في غياب ظروف اجتماعية ملائمة، تساعد على نمو وتجسيد هذه القدرات.
- الخاتمـة:
مما سبق، نستنتج أنه مهما قيل في طبيعة الإبداع وشروطه فإنه لا مناص أن نعتبره ظاهرة اجتماعية ونربطه بالشروط الاجتماعية.
وعليه نقول أن الأطروحة التي تربط الإبداع بهذه الشروط هي أطروحة صحيحة ويمكن الأخذ بها