هل تتعارض القيم الأخلاقية مع الدوافع الطبيعـية؟
الطريقة: جدلية
- المقدمــة:
الإنسان كائن يحتضن في الوقت نفسه العقل والغريزة، أهّله عقله، لأن يبني ويسيّر حياته وفق مجموعة من القيم الأخلاقية، لكن طبيعته البشرية تولد لديه دوافع، فهل يتعارض هذين الضّدين أي القيم الأخلاقية والدوافع الطبيعية أم لا؟ اختلفت آراء الفلاسفة حول هذه العلاقة واختلافهم هذا راجع إلى اختلافهم حول مصدر الإلزام الأخلاقي، فإذا كان البعض يرجعه إلى العقل فإن البعض الآخر يرجعه إلى طبيعة الإنسان، فما أدلتهم وإلى أي مدى يمكن اعتبار حججهم صحيحة؟
- التحليـل:
يرى أصحاب النزعة المادية (النفعية) أن القيم الأخلاقية لا تتعارض مع الدوافع الطبيعية، لأنها نابعة من طبيعة الإنسان.
فالإنسان كائن له طبيعته، فهو يولد بمجموعة من الدوافع الطبيعية وهي مجموعة الغرائز وهذه الأخيرة هي التي تحرك الإنسان، فالإنسان لا يتحرك إلا لجلب منفعة أو لدفع ضرر، ومن أبرز ممثلي هذا الاتجاه أرستيب الذي يعتبر اللذة هي الخير الأعظم وبها تقاس كل القيم، ثم يأتي أبيقور الذي يربط هو الآخر القيم الأخلاقية باللذة حين يرى أن الإنسان بطبعه ينجذب نحو اللذة وينفر من الألم، فما يحقق له لذة، يعتبره خير وما يحقق له ألم يعتبره شر إلا أنه ليس كل لذة هي خير وليس كل ألم هو شر بل المقياس هنا هو النتيجة المنتظرة، فاللذة التي تنتهي بألم ليست خير والألم الذي ينتهي بلذة ليس شر، فالمقياس هنا هو النتيجة المنتظرة، ويؤيده في هذا بنتام الذي يرى أن الإنسان أناني بطبعه لذا فهو يحكم على ما يحقق له منفعة بأنه خير وعلى ما لا يحقق له منفعة بأنه شر.
نقــد: لا تصلح اللذة ولا المنفعة كمقياس للفعل الأخلاقي، فالقول باللذة كأسس للفعل الأخلاقي معناه الحط من قيمة الإنسان وذلك بربط حياته بالعالم المادي على حساب العالم الروحي كما أن القول بأن المنفعة أساس الأخلاق يعني تضارب القيم الأخلاقية طالما أن المنافع متضاربة ومختلفة.
- ترى النظرية العقلية أن القيم الأخلاقية تتعارض مع دوافع الطبيعة.
فالإنسان قبل كل شيء هو كائن عاقل، تصدر أفعاله عن إرادته الواعية.
يعتبر أفلاطون من ممثلي هذا الاتجاه، يرى أن اختيار الأفعال الخلقية صادر عن القوة العليا في الإنسان وهي القوة الناطقة.
لكن كانط، هو أكثر من عبر عن هذا الاتجاه، ينظر كانط للفعل الأخلاقي على أنه الفعل الصادر عن الإرادة الخيرة التي تسبق الفعل ولا ينظر إلى النتائج التي تترتب عنه من لذات وآلام ومنافع، فالخير هو الإرادة الخيرة والشر هو الإرادة الشريرة، فمقياس الفعل الأخلاقي يستند إلى قاعدة عامة صالحة التطبيق على جميع الأفراد ومستقلة عن جميع النتائج وهذه القاعدة هي قاعدة الواجب الأخلاقي والتي تقوم على ثوابت هي:
- اعمل كما لو كنت تريد أن يكون عملك قانونا عاما.
- عامل الإنسانية في شخصك.
- اخضع للقانون.
نقــد: إن الأخلاق التي دعى إليها كانط أخلاق نظرية، صورية، متعالية عل الواقع، لا يمكن تجسيدها في أرض الواقع لأنها تتجاهل الطبيعة البشرية وعليه قيل في أخلاقه: "إن يدا كانط نظيفتان لكن ليس لكانط يدان".
الإنسان ثنائي التركيب، فهو جسم وعقل وعلى هذا لا يمكن اعتباره ملاكا معصوما كما لا يمكن اعتباره حيوانا، فإذا كانت طبيعته البشرية تميز عن الملائكة فإن عقله يميزه عن الحيوان، ومن هنا يمكن تكييف القيم الأخلاقية مع الدوافع الطبيعية، حتى أن علم النفس يقيم الشخصية السوية على هذا الأساس، فالشخص السوي المتكامل هو الذي يوفق بين دوافعه الفطرية وبين مطالب عقله أما إذا طغى أحد الجانبين على الآخر اعتبر إنسانا غير سوي.
- الخاتمـــة:
إذا القيم الأخلاقية لا تتعارض دوما مع الدوافع الطبيعية.