iMadrassa
دراسة نـص: ب. بسكال – B. Pascal

يقـول بسكال:

"إنه لمن المعقول أن يكون العدل متبعا وإنه من الضروري أن يكون القوي متبعا، العدالة من دون قوة عاجزة، والقوة بدون عدالة ظالمة، العدالة بدون قوة تكون متناقضة لوجود الأشرار دائما، والقوة بدون عدالة تكون متهمة، لذا يجب الجمع بينهما حتى يكون القوي عادلا والعادل قويا.

إن العدالة موضوع قابل للنقاش، في حين أن القوة معروفة ولا تحتاج إلى نقاش، وهكذا فعند العجز عن إعطاء القوة للعدالة، وجعل العادل قوي، وبدل جعل القوة تطيع وتخضع للعدل، صار الحق يطيع ويخضع للقوة، وهكذا عند العجز عن تقوية العدالة عُمل على تبرير القوة حتى يكون القوي وصاحب الحق في مسار واحد ".

 

السـؤال: أكتــب مقالـة فلسفـــية تعالـــج فيـــها مضمـــون النــص.

 

  • المقدمة:

لا شك أن العدل هو غاية تطمح إليها كل المجتمعات لكن تحقيق ذلك ليس بالأمر السهل، وهذا ما دفع بالكثير من المفكرين والفلاسفة قديما وحديثا إلى البحث في إشكالية تطبيقه، ومن هؤلاء صاحب النص.

فهل يمكن الاعتماد على القوة في سبيل تحقيق العدل، وهل يمكن أن تكون القوة وسيلة مشروعة في سبيل تحقيق العدل أو هل يمكن الجمع بين العدل والقوة؟  

 

  • التحليل:

 - يرى بسكال أنه رغم التناقض الموجود بين العدل والقوة – فالعدل فضيلة أخلاقية والقوة وسيلة لا أخلاقية فإنه يجب الجمع بينهما والاعتماد على القوة كوسيلة مشروعة في سبيل تحقيق العدل.

    - الحجــة:

"لأن العدالة من دون قوة عاجزة والقوة من دون عدالة ظالمة".

فهما منفصلتان تبقيان من دون فعالية: فالقوي يُتّبع خوفا ورهبة وتجنبا للأذى، والعادل يُتّبع تحقيقا للقيم الأخلاقية والمثل العليا.

فالعدالة (دون قوة) ضعيفة، تفتح المجال أمام الأشرار وأصحاب النفوذ مما يحول دون تحقيقها وهذا ما نلمسه في واقع المجتمعات المتخلفة، حيث تحتكم إلى العصبية لا إلى القانون وتعم فيها الفوضى فهي أقرب إلى المجتمع الطبيعي منها إلى المجتمع المدني.

والقوة (من دون عدل) تصبح مصدر اتهامات وتتحول إلى أداة استبداد وعلى هذا يجب رد القوة للعدالة حتى يكون العادل قويا وهذا هو أساس العدالة، ولأنه يجب أن نجعل الحق يطيع ويخضع للقوة حتى لا يكون القوي وصاحب الحق في مسار واحد لأن ذلك عجز عن إعطاء القوة للعدالة ومن ثمة فهو عجز عن إحقاق الحق.

 

نقـــد وتقيـيم:  

رغم أن ما ذهب إليه بسكال أمر ضروري ومنطقي فإن فسح المجال للقوة قد يتحول إلى مبرر للتعسف، ولهذا فقد تجاوز هذا الطرح بعض الفلاسفة خاصة فلاسفة الأخلاق، إذ نجد أن كانط Kant ينظر للعدالة نظرة أخلاقية فهي في نظره قيمة أخلاقية ترتبط بثلاثة معايير أخلاقية هي (الحرية والكرامة والواجب) فالإنسان موجود حر يملك كرامة.

ويقترب موقفه هذا من موقف أرسطو الذي يرى أن العدالة تتحقق إذا حصل كل واحد على النصيب الذي تؤهله له مكانته دون حاجة إلى القوة. وعلى عكس هذا يذهب توماس هوبز T-Hobbes، الذي اعتبر القوة فوق العدل واعترف بدور القوة في نيل الحقوق، فالقوي له الحق في الاستيلاء على كل حقوق الآخرين ما دام قوي وهم ضعفاء، كما يعتبر نيتشه Nietzsche من مناصري القوة حيث يعتبر أن الأخلاق من صنع الضعفاء، وضعوها ليقيدوا بها الأقوياء وما هي إلا مبررات لحماية أنفسهم منهم.

 

  • الخاتمـــة:

من هذا التحليل نستنتج أن الآراء متضاربة بين من يؤمن إيمانا قطعيا بالعدالة كقيمة أخلاقية تعبر عن البعد الثقافي للإنسان وبين من ينادي بالقوة، ناظرا للإنسان على أنه مجرد كائن طبيعي (أقرب للحيوان) يستجيب لمنطق القوة فقط.

وبين هذا وذاك موقف بسكال الذي يرى أن العدل له قيمة عند الناس والقوة لها خطورتها عليهم، لذا يجب الجمع بينهما مع شرط إخضاع القوة للعدل.

ومنه نقول إن المجتمع الذي يتأسَّس على عدالة فيها قوة القانون لا قانون القوة، هو المجتمع الذي يضمن إنسانية الإنسان ويحفظ كرامته.


قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى

لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.



قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى

لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.



قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى

لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.