هل ترى أن مشكلة العمل تحل عن طريق تحرير الملكية أم عن طريق تقييدها؟
المقدمة:
إن من أهم المشاكل وأكبرها التي تعانيها المجتمعات في عصرنا هذا هي المشاكل الاقتصادية التي تنجم عن ظاهرة العمل. لذا فقد حاول العديد من الفلاسفة حل هذه المشكلة، لكنهم اختلفوا منهم من يرى أن حل هذه المشكلة يقتضي تحرير الملكية ومنهم من يرى أنها تقتضي تقييدها. فأي الرأيين أصح وأصلح. هل هو النظام الرأسمالي الذي يقوم على أساس تحرير الملكية أم هو النظام الاشتراكي الذي يقوم على تقييدها؟
الـتحليـل:
ظهر النظام الرأسمالي إثر ظهور الثورة الصناعية في أوروبا الغربية. وذهب أنصاره وعلى راسهم آدم سميث إلى اعتبار ان الاقتصاد الحر الذي يقوم على تحرير الملكية هو الكفيل بتطوير الاقتصاد ومن ثمة حل مشكلة العمل. يقوم هذا النظام على الملكية الفردية لوسائل الإنتاج وقانون العرض والطلب كقانون طبيعي يضمن ويجدد سير السوق. يرى آدم سميث أن تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية يضر بالاقتصاد ولا ينفعه حيث عبر عن ذلك في مقولته الشهيرة "دعه يعمل، اتركه يَمُر". وقد برر موقفه بأن هذا النظام يتماشى مع طبيعة الانسان وفطرته التي تميل إلى حب التملك، حيث يجد فيه الانسان السيادة والحرية في التصرف في أمواله كيفما شاء (طبعا في الحدود التي رسمها القانون).
يتميز هذا النظام بالتفتح وحرية الاستثمار مما يزيد في ازدهار ورقي اقتصاد الدولة، إذ يتسع مجال التصنيع ولا يبقى في إطار ضيق وتتسع معه دائرة النشاط الاقتصادي الذي ينتج عنه تنوع وسائل التصنيع وتنوع الإنتاج وازدهار التجارة. وبما أن كل هذا يحتاج إلى يد عاملة تُسيِّره سيؤدي ذلك إلى اختفاء مشكلة البطالة وبالتالي مشكلة العمل.
وبما أن هذا النظام يقوم على المنافسة الحرة فهو يشجع المبادرات الفردية وبالتالي يخلق المواهب ويعمل على صقلها وتطويرها فتُكثر من الإبداع الذي ينتهي إلى الاختراعات في جميع الميادين والمجالات-علم –فن-مسرح-أدب-تكنولوجيا-والتي تفيد الإنسانية جمعاء.
إن الدراسة النقدية لهذا النظام تجعلنا نقف على عيوبه. إنه وإن حقق ووفرة الحاجيات المادية للإنسان فإنه جنى عليه من الناحية الروحية والأخلاقية. فقد كان سببا في ظهور الطبقية، وذلك أنه بقدر ما اغتنت الأقلية بقدر ما افتقرت الأغلبية وازدادت الهوة بينهما ومن جهة |أخرى فإن هذا النظام هو الذي ولَّد الحركات الاستعمارية التي تحولت إلى امبريالية.
إن النتائج السلبية التي عادت على المجتمعات نتيجة تطبيق النظام الرأسمالي هي التي أدت وساهمت في ظهور النظام الاشتراكي كفكر اقتصادي وكأيديولوجية سياسية تهدف إلى الإطاحة بالنظام الرأسمالي. من رواد هذا النظام ماركس وانجلز/ Marx-Engels.
يقوم النظام الاشتراكي على مبادئ تختلف تماما عن مبادئ النظام الرأسمالي فهو يقول بتقييد الملكية وتركها في يد الدولة لأنها ستوفر الأمن والاستقرار للإنسان وتجنبه الفقر والتخلف والاستغلال وبالتالي تؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
يعتمد هذا النظام على التخطيط المركزي، ولا يهدف إلى الربح بل يهدف إلى الاكتفاء الذاتي فغايته القصوى إنسانية تتمثل في تكريس العدالة الاجتماعية من خلال اقتصاد ينعدم فيه الاستغلال، نظام لا يُنظر فيه للعمال كوسائل إنتاج، بل نظام يتقاسم فيه العمال، العمل والربح.
إن هذا النظام وإن حقق جزئيا العدالة الاجتماعية، لكننا نلاحظ اليوم كيف أن تطبيقه أنتج الكثير من السلبيات. فقد خلق روح الاتكال، والرشوة والمحسوبية والبيروقراطية وساهم كل هذا في انهيار اقتصاديات دوله وبالتالي أدى إلى افلاس الشعوب وافقارها.
- تنظر الرأسمالية إلى العمل نظرة مادية مما أفقدها البعد الإنساني وتركز الاشتراكية على المساواة الاجتماعية من زاوية الحقوق فأهملت بذلك الواجبات. وكل منهما يجعل من الملكية الفردية والملكية الجماعية أمران متناقضان، في حين أنه لو رجعنا إلى مبادئ الاقتصاد الإسلامي نجده يجمع بين الملكية الفردية والملكية الجماعية ويجعل منهما أمران متكاملان. فهو يحلل الملكية الفردية باعتبارها هي الموافقة لطبيعة وغريزة الانسان لكنه جعل من المصلحة العامة أولوية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهو يجمع بين الناحية المادية والناحية الأخلاقية. فهو يحلل الملكية الفردية ويضع لها قيودا أخلاقية فقد أحل البيع وحرم الربا والغش في الميزان والاحتكار، فرض الزكاة وفتح أبواب البر والاحسان. وعليه نقول بأنه النظام الذي ما أن طبقت تعاليمه فإنه سوف يؤدي إلى حل مشكلة العمل وأكثر من هذا بل يؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وانقاذ البشرية من الفساد.
- الخـاتمة:
من خلال ما سبق نستنتج أنه لا النظام الرأسمالي يمكنه حل مشكلة العمل ولا النظام الاشتراكي لأن كل منهما ينظر من زاوية ضيقة لهذه المشكلة.
قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى
لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.
