هـل الابـداع الـفني نتـاج الإلهام أم نـتاج العقل؟
الـطـريـقة: جــدلـيـة
- المقدمة: طرح المشكلة.
تعتبر مشكلة الابداع الفني من أصعب المشكلات واعقدها، فهي متعددة الجوانب، تتداخل فيهل الكثير من العوامل. لقد حيَّرت عقول الفلاسفة والعلماء على حد السواء واختلفوا في تفسيرها. منهم من أرجعها إلى الالهام ومنهم من أرجعها إلى العقل. وعليه نتساءل نحن ما هو مصدر الابداع الفني؟ هل يمكن أن يكون مرتبطا بالإلهام دون العقل أم بالعقل دون الالهام؟
- التحليل: محاولة حل المشكلة
- يذهب الكثير من الفلاسفة وعلماء النفس والفنانون إلى أن الابداع مرتبط بالإلهام.
- فالفنان يولد بمواهب واستعدادات فطرية خاصة تجعل منه انسانا فريدا ومتميزا عن الآخرين. إن الالهام تجربة شخصية يعيشها الفنان لحظة الابداع، تمده بمعطيات فريدة من نوعها، لا يمكن الحصول عليها في الحالات العادية، إنها تحدث فجأة ودون تدخل عقل وإرادة الفنان.
يعتبر أفلاطون أول من تحدث عن ظاهرة الالهام في الابداع الفني واعتبره هبة من الإله ولا علاقة له بالتجربة والاجتهاد الشخصي. فالفنان عند أفلاطون أشبه بالأنبياء الذين يقذف الله في قلوبهم إلهاما ربانيا. وفي هذا الصدد يقول:" تصير النفس جميلة بقدر ما تتشبه بالإله".
ولقد تأثر الشاعر الإنجليزي شكسبير برأي أفلاطون حيث فسر الابداع في الشعر بالإلهام أو ما يسمى كذلك بالعبقرية. ومن الأمثلة الواقعية يذكر أن كوليريدج حَلُم بقصيدة وصلت أبياتها إلى 300 بيت وأنه حين استيقظ عمد إلى كتابتها وأحس كما لو كان واقعا تحت أثر سحر معين.
النقـد: يقول هـ. بوانكاري:" إن حالات الالهام المفاجئة لا تظهر إلى الوجود ما لم تسبقها جهود ذاتية متواصلة، فالتفكير الطويل في الموضوع يعطيه فرصة النضج وفي حالات النوم والراحة ينتهي بالهامات مفاجئة".
- في حين يذهب البعض الآخر من المفكرين والفلاسفة والفنانين إلى أن الابداع الفني مرتبط بالعقل. فهو ثمرة الجهود العقلية التي قام بها الفنان وليس مجرد انفعال وإلهام.
- يذهب كانط إلى أن الابداع الفني مرده القوي الفكرية الادراكية. فالإنتاج الفني صادر عن حرية الانسان وإرادته فقط. أما أعظم فنان في عصر النهضة في أوروبا وهو ليونارد وفنسي فقد وُصف بقوة التفكير والمعرفة وقوة الإرادة والشخصية لأنه يجمع بين الفن وعلوم كثيرة كالرياضيات والهندسة المعمارية والميكانيكا...وغيرها مما يدل على إمكانياته العقلية الكبيرة.
النـقـد: صحيح أن لقوة العقل تأثير في عملية الابداع الفني لكنها ليست العامل الأساسي وإلا كان كل ذوي العقول الكبيرة فنانين.
- نظرا لتعقد ظاهرة الابداع الفني، فإنه لا يمكن ربطها بالإلهام وحده كما لا يمكن ربطها بالعقل وحده، فالإلهام نور أو شعاع يصب في القلب والقدرات العقلية هي التي تخرجه إلى الواقع وتجسده. وفوق الالهام والعقل يوجد عامل آخر لا يقل أهمية هو الخبرة والممارسة. فقد تبين أنهما يساهمان في تنمية وتقوية الحس الفني. فبقدر ما تدرب الفنان، بقدر ما تزداد مهارته الفنية نموا وتميّزا.
- الخاتمة: حل المشكلة
من خلال ما سبق ننتهي إلى أن عملية الابداع الفني ليست نتاج الالهام وحده ولا هي نتاج العقل وحده بل هي نتاج تفاعل شروط ثلاثة هي الإلهام والعقل والخبرة.