النص :
أما بعد – حفِظكم الله يا أهل صِناعة الكتابة ووفقكم وأرشدكم – فإنّ الله عز وجل جعل النّاس أصنافا وإنْ كانوا في الحقيقة سواء، وصرفهم في صنوف الصناعات إلى أسباب معاشِهم وأبواب أرزاقِهم . فجعلكم – معشر الكتاب – في أشرف الجِهات ، بِكُم تنتظِم للخلافة محاسِنُها وتستقيم أُمورها ، لا يستغني الملك عنكُم ، فموقِعُكُم مِن المُلوك موقِع أسماعهم التي بِها يسمعون ، وأبصارهم التي بِها يُبصِرون ، وألسِنتهم التي بِها ينطِقون .
أيُّها الكُتّاب ، فإنّ الكاتب يحتاج مِن نفسه ويحتاج مِنه صاحبُهُ الذي يثِقُ به في مُهمّاتِ أُموره أن يكون حليماً في موضِع الحِلم ، فقيها في موضِع الحُكم ، مِقداماُ في موضِع الإقدام ، مِحجاماً في موضِع الإحجام ، ليِّناً في موضِع اللِّين ، شديداً في موضِع الشدة ، مُؤثِراً للعفاف والعدل والإنصاف ، كتوماً للأسرار، وفِيا عِند الشدائد . يضعُ الأُمور مواضِعها ، قد نظر في كُل فن من فُنون العلم فأحكمه ، وإنْ لم يُحكِمه أخذ مِنهُ بِمِقدارٍ مِن الحُسن .
فتنافسوا يا معشر الكُتّاب في صُنوف الآداب ، وتفقّهوا في الذين ، وابدأوا بِعلم كِتاب الله عز وجل ، ثُم العربية فإنّها ثِقاف ألسِنتِكم ، ثُمّ أجيدوا الخط فإنّهُ حِلْية كُتُبِكم ، وارووا الأشعارَ ، واعرِفوا غريبها ومعانيها ، وأيامَ العرب والعجم . فإنّ ذلك مُعين على ما تسمو إليهِ هِممُكم . وارغبوا بِأنْفُسِكم عن المطامع ، وإياكُم والكِبرَ والسُّخفَ والعظمة ، وتحابُّوا في الله عز وجل في صِناعتكم ، وإنْ نبا الزمانُ بِرجُلٍ مِنْكم فاعطِفوا عليه وواسوه حتى يرجِعَ إليهِ حالُه ، ويثوبَ إليه أمرُه . وإنْ أقْعدَ الكِبرُ أحدكم عن مكسبِه ولِقاءِ إخوانِه ، فزوروهُ وعظموهُ وشاوِروه . واستظهِروا بِفضل رأيه وتجربته وقديم معرفته . فابذُلوا – وفقكم الله – ذلك من أنفُسكم في حال الرّخاء والشدة ، والاحسان والإساءة ، والغضب والرضا ، والسراء والضراء ، فنِعمتِ السّمة هذه لِمن وُسِم بِها مِن أهل هذه الصناعة الشريفة .
والحمد لله واجب على الجميع ، وذلك بالتواضع لِعظمته ، والتذلل لِعِزته ، والتحدث بِنِعمته ، وأنا أقول في كِتابي هذا ما سبق به المثل : مَنْ تلزمه النصيحة يلزمه العمل . و السلام عليكم ورحمة الله .
- عبد الحميد الكاتب -
إثراء الرصيد اللغوي :
- حليماً : متعقلا ، وذا صبرٍ وأناةٍ وسُكون مع القدرة والقُوة .
 - فقيهاً : شديد الفهم ، والفقيه العالم بِالفقه .
 - مِقداماً : كثير الإقدام والإقبال .
 - مِحجاماً : كثير الإحجام والكفّ والامتناع عن فعل الشيئ .
 - السمة : الصفة .
 - نبا : نبا الزمان بِرجُلٍ صير حاله إلى شقاء بعد صفاء .
 
- بِمَ استهل الكاتب رسالته ؟
 - لِمَنْ وجه الكاتب هذه الرّسالة ؟
 - ما هي المنزلة التي يحتلها الكتاب في الدولة ؟
 - للكاتب صاحب يثِقُ بهِ في مُهمات أموره ، مَن هو ؟
 - كيف يجب أن يُعاملَ الكُتاب الرجُلَ مِنْهم إذا نبا بهِ الزمانُ ، أو أقعدهُ الكِبر ؟
 - إلى أي نوع من النثر ينتمي هذا النص ؟
 - ما هي الصفات التي يجب على الكاتب أن يتحلى بِها ؟
 - ورد في النص : " فنِعمتِ السِّمةُ هذه لِمن وُسم بِها " ما هي هذه السمة ؟ وما الغرض البلاغي مِن هذا التعبير ؟
 - كيف تبدو لك شخصية الكاتب عبد الحميد ؟
 - ما هي القيمة الفنية لهذه الرسالة ؟
 
- استهل الكاتب رسالته : بالدعاء لأهل صناعة الكتابة بالحفظ والتوفيق والرشاد .
 
- وجه الكاتب هذه الرسالة إلى : الكتاب عامة ، و إلى كُتاب الدواوين خاص .
 
- المنزلة التي يحتلُّها الكُتّاب في الدولة هي : أنّ موقعهم من الملوك موقع أسماعهم التي بها يسمعون ، وأبصارهم التي بها يُبصرون ، و ألسنتهم التي بها ينطقون ، وأيديهم التي بها يبطشون .
 
- صاحب الكاتب الذي يثق به في مُهمات أموره ، هو : واحد من رجال الدولة وأهل الحُكم .
 
- يجب على الكُتّاب إذا نبا الزمان برجل منهم أو أقعده الكِبر أن :
 
- يعطفوا عليه ويواسوه حتى تعود إليه حاله .
 - يزوروه ويُعظموه ويُشاوروه ويستعينوا بفضل رأيه وتجربته وقديم معرفته .
 
- ينتمي هذا النّص إلى : فن الرسائل .
 
- الصفات التي يجب على الكاتب أن يتحلى بِها هي :
 
- أن يكون حليما ، فهيما ، مِقداما في موضع الإقدام ، الإحجام ، لينا في موضع اللّين ، شديدا في موضع الشدة، كتوما للأسرار، وفيا ، يضع الأمور مواضعها...
 - التفقه في الدين ، و العربية ، و إجادة الخط ، و رواية الأشعار، و معرفة غريبها ومعانيها و أيام العرب والعجم .
 - الابتعاد عن المطامع ، وترك الكِبر والسّخف و العظمة ، مؤثِرا للعفاف و العدل و الانصاف و كذا التكافل فيما بينهم .
 
- السمّة هي : احترام أهل صناعة الكتابة السّابقين ، و الاهتداء بتجربتهم ، و مُساعدة المحتاج مِنهم ، و الغرض البلاغي من هذا التعبير هو المدح ، و الترغيب في فضيلة التعاون و التكافُل فيما بينهم .
 
- تبدو شخصية الكاتب عبد الحميد : سِعة الاطلاع والدّراية بخصائص الكِتابة الديوانية .
 
- القيمة الفنية لهذه الرسالة :
 
- سعيِه في الرقي بِصناعة الكِتابة الديوانية .
 - ناصِحاً، ومُرشِداً، وداعِياً إلى الخير .
 - مُتشبِّعاً بِتعاليم الإسلام .
 
- ما النمط الغالب في النص؟ وما مؤشراته ؟ مثل لها من النّص .
 - لخص النص .
 - استخرج صورة بيانية واذكر نوعها .
 - ما الضمائر التي وظفها الكاتب في النص ؟
 - أكثر الكاتب من توظيف محسن بديعي ما هو ؟ وما أثره على النص ؟
 
- النمط الغالب هو : النمط الإيعازي الإرشادي التوجيهي .
 
وتتمثل مؤشراته : الجمل الإنشائية الطلبية : الأمر : في قوله : تنافسوا ، تفقهوا ، أجيدوا ، ارووا ، اعرفوا ، والنهي : لا يصرفها ،...
- جاء في رسالة عبد الحميد الكاتب : الدّعاء لأهل صناعة الكتابة بالتوفيق والرشاد ، والتنويه بمكانتهم في الدولة ، ثم عدد صفاتهم الحسنة من حلم ، وإقدام ، وإحجام و لين و شدّة ،.. ثم حملهم على التفقه في الدين ، والعربية ، وإجادة الخط ، و رواية الأشعار و معرفة غريبها ومعانيها وأيام العرب والعجم . و نهاهم عن المطامع ، و الكِبر والسخف والعظمة . و في الأخير دعاهم إلى التكافل فيما بينهم .
 
- إن في قول الكاتب : " يضع الأمور مواضعها " كِناية عن صفة حُسن التدبير .
 
- وظف الكاتب ضميرين : الغائب المفرد حين ذكر الصفات والمؤهلات الفردية لكل واحد منهم على حدة . وضمير جماعة المخاطبين لتنظيم العلاقة والتكافل فيما بينهم .
 
- 
	
المحسّن البديعي هو : الطباق، في قوله : الإقدام والإحجام ، الشدة واللّين ، الغضب والرضا ، الإحسان والإساءة ،...
 
وأثره البلاغي : تقوية المعنى بذكر الشيء وضدّه ، كما ساهم في اتساق النّص من خلال التّلازم الحاصل بين مختلف مفردات الطباق المذكورة .
          
            
 
        


        