النص :
لقد أخذت كلمة الإنسانية في الأدب تتردد على أفواه شعرائنا و أدبائنا بكثرة في مطلع هذا القرن ، نتيجة لما تضمنته من معان ( تسمو بالإنسان ) و حياته ، لارتباط معناها يتطلع الإنسان نحو السعادة و المثل التي يحلم بها و يعمل جاهدا لتحقيقها .
و لكن فكرة الإنسانية قد وجدت في التيار الرومانسي الأثر البعيد إن شعراءه قد ثاروا ثروة عارمة على القديم و اتجاهاته و مفاهيمه في الشعر و الأدب و تركزت ثورتهم بنوع خاص على العادات و التقاليد و المفاسد الاجتماعية التي كان برزخ الإنسان العربي تحت وطائها . و اتخذت لها الأبعاد الشاملة التي تجعل من الأدب صورة للإنسان الفرد ، فهذا الاتجاه بالأدب إلى الفردية و الذاتية الحالمة التي تعانق الإنسان عناقا شعوريا ( قد فتح إمام الشعراء و الأدباء آفاقا ) خيالية واسعة ، فشملت الإنسان و الكون و نبيل التطلعات ، و قد أخذت أقلامهم نقيض بنغمات جديدة كان لها في النفوس الرقع العذب . ألا و هي نغمات الإنسانية المطلقة التي تغنت بالإنسان و تحدثت عنه حديثا عاشقا متصرفا يلامس شغاف القلب و يدخل بصفائه إلى أعماق النفس المتعطشة لحديث مثله بعد أن كادت تكسر بالقيم و بالروح نتيجة لتفشي المادية التي حولت الإنسان مع تطور النهضة العلمية الحديثة إلى مجرد آلة خالية من كل العواطف و المشاعر ....
و شملت الإنسانية في معناها عند أصحاب الاتجاه الرومانسي جميع الفضائل المتمثلة بالخير و المحبة و العدل بعيدا عن كل أشكال التعصب و التفرقة ، بعيدا عن الأنانية و المصلحة و الجشع ، إنها تطلع إلى عالم يسوده الإخاء الإنساني ....
كما إن الإنسانية عند أصحاب المذهب الرومانسي تدعو إلى نبذ كل ما يفرق بين الإنسان و الإنسان ، لأنها تنظر إلى الناس من طبيعة واحدة ، و إن الشكل و اللون و المظهر الخارجي الذي يميز بين البشر ما هو إلا أثر عن آثار البيئة و الطبيعة على الإنسان ، و الإنسانية عندهم تدعو إلى نبذ التخاصم و التحارب بين البشر ، و الابتعاد عن فرض الآراء و السيطرة و النفوذ إرضاء لرغبات النفس و جموحها نحو الشر ، و تعمل لتحقيق السلام و العدل و الرجاء لكل الناس ، ثم إنها تدعو - و هو الأهم - إلى حرية الإنسان لأنه متى توفرت الحرية تنعدم تلك الفوارق التي تباعد بين الناس و عندئذ يستطيع الإنسان أن يحقق ما يصبو إليه عن الضغط و الإكراه فالحرية هي التي تتمنى فيه الضمير الحي و تعمق إحساسه الواعي بالحياة ، و تغذي تلك البذرة الإلهية المتمثلة بالرحم و الشفقة التي ترفعه إلى مراتب عالية من الحسية الوجدانية الصافية ، فيحمل عندنا سلاح الهدم طوعا لكل ما يسمى إلى كرامة الإنسان و كرامة الحياة المتمثلتين فيه ، فيقف مدافعا عن كل القضايا التي تفتح للإنسان مناخا أفضل و جوا أكمل لتحقيق وجوده أسوة بغيره ، و تخلق فيه روح الثورة على المفاسد و الشرور و كل أنواع القهر و الاستبداد بالإنسان و الشعوب .
من كتاب الاتجاه الإنساني في الشعر العربي المعاصر ص : 42 ، 45 - بتصرف -
الدكتور مفيد محمد قميحة . دار الآفاق الجديدة بيروت ، الطبعة 1 / 1981 م .
- ما الموضوع الذي عالجه الكاتب في النّص ؟ و ما الأهمية التي يكتسبها في الشعر العربي الحديث ؟
- لِمَ لقيت فكرة الإنسانية إقبالا واسعا من أدباء الاتجاه الرومانسي ؟ دعم إجابتك بأمثلة من النّص .
- تدعو الإنسانية في نظر الرومانسيين إلى جملة من المبادئ . أذكرها في عبارات وجيزة
- ربط الكاتب بين فكرة الإنسانية و مبدأ الحرية . ما العلاقة بينهما ؟ و ما ثمار الحرية في حياة الإنسان ؟
- ما الفن النثري الذي ينتمي إيه النّص ؟ استخلص أربع خصائص لها اثنتين منها في الشكل و اثنتين في المضمون .
- ما النمط المهيمن في النّص ؟ أذكر مؤشرين له مع التمثيل من النّص
- ما الحقل الدلالي الذي ينتمي إليه الألفاظ التالية : « الإنسان ـ النفس ـ الفرد ـ الحياة ـ الحرية » ؟
- أعرب الألفاظ التالية :
« جاهدا » في قول الكاتب : « و يعمل جاهدا .... »
« تدعو » في قوله : « إن الإنسانية تدعو إلى نبذ ...»
- بين المحل الإعرابي للجملتين الآتيتين :
« تسمو بالإنسان » الواردة في الفقرة الأولى .
« قد فتح أمام الشعراء و الأدباء آفاقا ... » الوارد في الفقرة الثانية .
- ما الغرض البلاغي من توظيف الكاتب الأسلوب الخبري في نصه ؟
- قال الكاتب : « و قد أخذت أقلامهم تفيض بنغمات ... »
ما نوع الصورة البيانية في هذه العبارة ؟ اشرحها مبينا وجه بلاغتها .
قال الكاتب : « ... و شملت الإنسانية في معناها عند أصحاب الاتجاه الرومانسي جميع الفضائل المتثلة بالخير و المحبة و العدل بعيدا عن كل أشكال التعصب و التفرقة .... » .
المطلوب : في ضوء ما درست :
كيف تجسدت هذه المعاني لدى أدباء الرابطة القلمية المهجرية ؟ وضح إجابتك
ما وظيفة الأدب كما دعا إليها أصحاب هذا الاتجاه ؟
- الموضوع الذي عالجه الكاتب هو : النزعة الإنسانية في الأدب عند أصحاب عند أصحاب المذهب الرومانسي
اكتسى موضوع فكرة الإنسانية أهمية كبيرة في الشعر العربي الحديث ، لا سيما عند شعراء الرومانسيين الذين حفل شعرهم بنزعة إنسانية سامية تدعو إلى الإنحاء و المحبة بين الإنسان و أخيه الإنسان .
- لقيت فكرة الإنسانية إقبالا كبيرا من أدباء الاتجاه الرومانسي للأسباب التالية :
- الرغبة في ولوج آفاق خيالية واسعة تشمل الإنسان و الكون
- طغيان المادية التي حولت الإنسان إلى آلة خيالية من المشاعر
- فساد العلاقات الإنسانية و طغيان التعصب و الجشع
- الرغبة في الحرية
أمثلة من النص :
" قد فتح أمام الشعراء و الأدباء آفاقا خيالية واسعة .... "
" نتيجة لتفشي المادية ... "
" و شملت الإنسانية ... جميع الفضائل ... "
" لأنه متى توفرت الحرية ... "
- المبادئ التي تدعو إليها الإنسانية في نظر الرومانسيين :
نبذ التفرقة و العنصرية ـ نشر السلم و الأخوة و نبذ التعصب و الاستبداد ـ تمجيد حرية الإنسان .
- العلاقة بين فكرة الإنسانية و الحرية هي :علاقة تلازم . فالكاتب يعتبر الحرية شرطا ضروريا في تحقيق النزعة الإنسانية
و ثمار الحرية في حياة الإنسان تتمثل فيما يلي :
تنمي الضمير الإنساني الحي ، و تعمق إحساسه بالحياة
تغذي في الإنسان قيم الرحمة و الشفقة و تسمو به إلى مراتب عالية من الإنسانية
تنمي روح الثورة على كل المفاسد و القهر و الظل و على ما يسيء إلى كرامة الإنسان
- ينتمي النص إلى فن المقال النقدي :
خصائصه :
من حيث الشكل :
الإيجاز و التركيز . الترسل و سهولة اللغة . الخضوع لمنهجية العرض ( مقدمة ، عرض ، خاتمة )
اعتماد الأسلوب المباشر ، توظيف المصطلحات
- من حيث المضمون : وحدة الموضوع . بروز شخصية الكاتب . اعتماد أسلوب الإقناع توخي الموضوعية في الطرح و المعالجة و البعد عن الذاتية .
- النمط المهيمن في النّص هو : التفسيري
مؤشراته :
ذكر الموضوع المراد شرحه و تفسيره ( فكرة الإنسانية لدى أصحاب المذهب الرومانسي )
شرح الأفكار بتدرج انطلاقا من الإجمال إلى التفصيل ( الفقرة الأولى إجمال ثم يأتي التفصيل في الفقرات اللاحقة )
اعتماد أساليب التوكيد ( إن الإنسانية تدعو ... لقد أخذت كلمة الإنسانية ... )
استخدام الجمل الاعتراضية ( ثم إنها تدعو - و هو الأهم - إلى حرية الإنسان )
- الحقل الدلالي الذي تنتمي إليه الألفاظ التالية :
" الإنسان ، النفس ، الفرد ، الحياة ، الحرية " هو الإنسانية .
- أعرب المفردات :
جاهدا : حال منصوبة و علامة نصبه الفتحة
تدعو : فعل مضارع مرفوع و علامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل . و الفاعل ضمير مستتر تقديره " هي " .
- إعراب الجمل :
( تسمو بالإنسان ) جملة فعلية في محل جر نعت
( قد فتح ... آفاقا ) جملة فعلية في محل خبر لاسم الإشارة " إذا "
- الغرض البلاغي من توظيف الأسلوب الخبري في النّص : التقرير
- الصورة البيانية " أخذت أقلامهم تفيض بنغمات ... "استعارة مكنية حيث شبه الأقلام بالماء ، فحذف المشبه به و أبقى على أحد لوازمه و هو " الفيضان "
بلاغتها : إيضاح المعنى و تجسيد الصورة .
تجسدت هذه المعاني لدى أدباء الرابطة القلمية المهجرية على النحو التالي :
- إيليا أبو ماضي في قصيدته " أنا " دعا الإنسان إلى بناء علاقاته مع أخيه الإنسان على أساس من القيم الإنسانية من رحمة و أخوة و عطف و تعاون بعيدا عن أشكال التعصب و الظلم و الكبر .
- الشاعر القروي في قصيدته " هنا و هناك " كان ناقما على طغيان النزعة المادية على حساب الإنسان و قيمة في عصره .
- ميخائيل نعيمة في قصيدته " اللهم اجعل قلبي واحة " عبر عن نزعة إنسانية و روحية حين دعا الله أن يملأ قلبه إيانا و إخلاصا ، و محبة لكل الناس قريبهم و غريبهم .
اعتبر أصحاب الاتجاه الرومانسي الأدب رسالة إنسانية دعامتها الدعوة إلى الخير و الحق و الجمال