فلسفة العلوم الإنسانية
تدرس العلوم الإنسانية الانسان من النواحي النفسية و الإجتماعية و التاريخية . ورغم أن الانسان وحدة متكاملة إلا أن هذه العلوم قد جزأت هذه الوحدة فإستقل كل علم منها بدراسة جانب من جوانبها عملا بمبدأ التخصص و تفرعت الى :
- علم النفس
- علم الإجتماع
- التاريخ
نشأت العلوم الإنسانية في أحضان الدين والفلسفة وبقيت وثيقة الصلة بهما ولم تستقل إلا حديثا وذلك بعد ظهور المنهج التجريبي وتحقيقه تقدما كبيرا في مجال العلوم الطبيعية.
تطمح العلوم الإنسانية إلى دراسة الواقع الإنساني بحوادثه المختلفة، لكن تواجهها عوائق إبستمولوجية (عقبات لتطبيق المنهج التجريبي)، بعضها يرجع إلى طبيعة الموضوع وبعضها يرجع إلى صعوبة ملاءمة المنهج العلمي وهي:
إن الطريقة العلمية لا يمكن تطبيقها إلا على الأشياء، لأن الشيء هو ما هو خارج عن ميولنا واراداتنا لذا يمكن دراسته دراسة حيادية اما بالنسبة للظاهرة الإنسانية فإن الانسان يكون هو الدارس وهو موضوع الدراسة في نفس الوقت لذا فهو لا يستطيع ان يكون حياديا تماما لأن الظاهرة غير مستقلة عنه بل تصدر عنه وتنبع من شعوره وارداته.
تفلت الحوادث الإنسانية من الملاحظة المباشرة لأنها حوادث زمانية لا مكانية، فهي لا تحتل حيّزا من المكان يمكن مراقبتها منه.
إذا كانت الملاحظة غير ممكنة فالتجريب كذلك، لأنه ملاحظة مصطنعة والظاهرة الإنسانية لا يمكن إعادة بناءها في نفس ظروف وملابساتها.
إن الحوادث الإنسانية حوادث كيفية ولا يمكن إخضاعها للتقدير الكمي كما هو الحال في علوم المادة.
استحالة تفسير الظواهر الإنسانية تفسيرا حتميا لأنها تصدر عن انسان له إرادة وحرية تبطلان مفعول الأسباب.
إذا كانت هذه حجج الذين يقولون باستحالة دراسة الظواهر الإنسانية دراسة علمية فإن هناك فريق آخر يقول بإمكانية تجاوز هذه العوائق وحججهم:
إن الدراسات الإنسانية بدأت تتخلص من العوامل الذاتية بالتدريج والتقدم الذي أحرز علم النفس دليل على ذلك.
ليس من الضروري التوقف إذ لم تتمكن من ملاحظة الحوادث ملاحظة مباشرة، فالملاحظة غير المباشرة ممكنة وهي الاعتماد على آثار الحادث كما هو الحال في التاريخ.
إذا كانت الحادثة الإنسانية لا تتكرر في الواقع فإن الفكر يستطيع إعادة بناءها.
يقول جول لاشوليييJ. Lachelier :"إن الظواهر كلها تخضع لمبدأين هما: السببية و الغائية. فالفعل الإنساني فعل هادف". أما أن الحرية تحد من صرامة الحتمية فإنها لا تلغيها، فإذا كانت العلوم الطبيعية أخذت تتعقد في مجال الميكروفيزياء حتى لجات إلى الاحتمالات لضبط قوانينها فما يمنع من تطبيقها في مجال العلوم الإنسانية.
رغم كل العراقيل والصعوبات فإن العلماء استطاعوا وتمكنوا من تكييف المنهج العلمي مع الحوادث الإنسانية. وسنلاحظ ذلك من خلال التاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع.
يختص بدراسة الانسان في ماضيه وبأثر هذا الماضي فيه. فهو يدرس الأحداث التاريخية من خلال الانسان ويدرس الانسان من خلال الاحداث التاريخية.
لأن التاريخ هو ما يحدث للإنسان دون غيره من الكائنات.
لأنها تحدث نتيجة تفاعل الانسان مع الانسان، فيعم صداها مجتمع بأكمله.
لأن الانسان هو الكائن الوحيد الذي لا يعيش في دائرة بيولوجية كما هو الشأن بالنسبة للحيوان الذي تعتبر حياته تكرار لحياة سابقيه فالإنسان يتجاوز دائما الوضع المعطى وسلوكه يتحدد بالأهداف التي يتصورها.
لأنها لا تحدث إلا مرة واحدة، فهي مرتبطة بزمان ومكان محددين ولا يمكن فصلها عنهما. فالحادثة التاريخية لا تتكرر.
أي تعرف اعتمادا على ما تخلفه من آثار.
إن مهمة المؤرخ شاقة لأنه يدرس حوادث مرت وانقضت، لذا فهو ينتقل من الحاضر إلى الماضي عن طريق الخطوات التالية:
إن دليل المؤرخ هو الوثيقة، فهو يحاول أن يقف على حوادث الماضي من خلال آثارها المتبقية وبهذا فإن أول خطوة يقوم بها هي جمع الوثائق والآثار التي نسميها بالمصادر وهي نوعين:
وهي التي خلفها الانسان عمدا لتكون شاهدا عليه أو لإرشاد الأجيال اللاحقة، كالقصص الواردة في الكتب السماوية، الأحاديث، المذكرات، المعاهدات، الخطب، النصب التذكارية.... الخ.
وهي التي أنتجها الانسان وخلفها دون قصد وإنما لتحقيق جانب المنفعة مثل المسرحيات، الشعر، الرسوم، بقايا المباني والأدوات المستعملة.
بعد جمع المصادر يبدأ المؤرخ في فحصها وتمحيصها ونقدها فيوجه إليها أولا.
يتناول المؤرخ الوثيقة لكي يفحص مادتها ومظهرها الخارجي قبل أن ينسبها للعصر الذي يراد أن ينسب إليه. فإذا كانت الوثيقة خطية يفحص مادة الورق المستعمل في كل عصر، نوع الحبر، أسلوب الكتابة بالإضافة إلى أنه لا يكتفي بنسخة واحدة وبعد أن ينتهي من النقد المادي يوجه لها:
يتناولها من الداخل إذ يجب أن يتحول المؤرخ هنا إلى خبير نفسيا يبحث عن المقاصد ويقرأ ما تحت السطور ولا يثق بظاهر القول ولا ينزه الراوي بل يبحث عن هويته وانتماءه.
بعد أن ينتهي من عملية التحليل، يرتب الأحداث ترتيبا قائما على أساس ترابط الظواهر ترابطا زمانيا واجتماعيا معقولا، وهو هنا ينشئ التاريخ اعتمادا على تلك الوثائق من جهة وعلى شخصيته ومدى قدرته على الحدس والاستدلال من جهة أخرى.
وفي هذا الصدد تثار مشكلة الموضوعية في التاريخ إذ كل واحد يصيغ الحادثة بصيغة ذاتية ولذلك قيل إن المعرفة التاريخية هي مزيج من الفن والعلم والفلسفة أي مزيج من الذاتية والموضوعية.
إن المؤرخ لا يكتفي بعرض الحوادث بل يسعى إلى تفسيرها وتوضيح الأسباب التي أوجدتها بصفة حتمية، غير أن الحتمية العلمية لا يمكن تطبيقها على الحوادث التاريخية لأنها حوادث فريدة من نوعها أي لا تتكرر. فإذا كانت الروح العلمية تتطلب التعميم والتجريد فإن الروح التاريخية تتطلب التخصيص والتعيين. وعلى هذا يكون لكل حادثة تاريخية تفسيرا خاصا. وبالتالي فإن التجريب غير ممكن عليها لكن رغم هذا وجد بعض المؤرخين مثل "مارك بلوخMarc Bloch " في التاريخ المقارن ما يعوض التجريب.
ومن جهة أخرى فإن المؤرخ أمام تشابك الأسباب والمسببات في مجرى التاريخ، لا يستطيع أن يعزل الأسباب الحاسمة بنفس دقة عزل الأسباب في الفيزياء والكيمياء مثلا، وحتى عندما يستطيع تعليل الحوادث فإنه لا يستطيع أن يتنبأ بكيفية تطورها مثلما هو الحال في علوم المادة. لكن رغم هذا لا يجب الاعتقاد بأن الحوادث التاريخية تخضع للصدفة بل كل ما في الأمر أن الحوادث التاريخية إما أن تفسر بأسبابها الجزئية وإما أن تفسر بالظروف التي تحيط بالأفراد وتؤثر فيهم.
يدرس علم النفس الحوادث النفسية في مظاهرها المختلفة: الشعورية والسلوكية واللاشعورية. ونظرا لتعدد أشكال الظواهر النفسية فقد سلك علماء النفس مناهج متعددة ومختلفة.
إن الحادثة النفسية حادثة فردية، شخصية، إذ أن ما يجري في نفس شخص لا يمكن أن يكون هو نفسه ما يجري في نفس آخر، ومن جهة أخرى فإن الانسان يدرك ما يجري في نفسه إدراكا مباشرا ولا يمكن لغيره إذ يطلع على ذلك.
فهي حالات مرتبطة بكيان الفرد كله ولا يمكن إخضاعها للقياس الكمي.
ولا تعرف الثبات، فهي لا تبقى على حالها في زمنين متواليين.
ولا تقبل التكرار.
فالانفعال مثلا ظاهرة نفسية يكون مصحوب بتغيرات فيزيولوجية.
يعتمد عليه في دراسة الظواهر الشعورية، غرضه فهم الحياة الداخلية للإنسان. الاستبطان هو تأمل موجه من الذات إلى أعماقها قصد الاطلاع على أحوالها الداخلية. يعمد الشخص إلى وصف حالاته النفسية ويدرسها ويحللها إلى عناصرها الأولية، إذا الاستبطان ليس مجرد الشعور بالأحوال النفسية وإنما هو تأمل عميق يتطلب اليقظة والوعي لأن الهدف هو اكتشاف وتحديد أسباب الحالة النفسية المدروسة قصد الوصول إلى قوانين. وقد تمكن العلماء بفضل الاستبطان من معرفة الشعور ومميزاته وتداعي المعاني وقوانينها والعواطف وأنواعها.
إذا كانت الموضوعية هي أساس المنهج العلمي فإن الاستبطان لا يخضع لها، فهو منهج ذاتي طالما أن الشخص وحده هو الذي يدرك بداخله، بالإضافة إلى أن فكرة الشعور يرفضها العديد من العلماء.
يهتم بالظواهر النفسية التي تتحدد فيزيولوجيا. يرى واطسن Watson بأن علم النفس يجب أن يكون موضوعه الظواهر التي تخضع للملاحظة الحسية وبالتالي التجريب. وعلى هذا حصر الظواهر النفسية في السلوكيات من حيث هي ردود أفعال تقوم بها العضوية اتجاه المثيرات. ويقوم المنهج على ما يلي:
- السلوك أساسه العلاقة الموجودة بين الكائن الحي وبيئته.
- وهذه العلاقة قائمة ومبنية على قانون الفعل المنعكس (منبه-استجابة).
- نوعية البيئة وخصوصياتها هي التي تحدد نوعية السلوك وخصوصياته.
هذه النظرية جردت سلوك الانسان من مقوماته الأساسية وهي الوعي والميول والاتجاهات الخاصة.
يهتم هذا المنهج بالجانب اللاشعوري للإنسان الذي يعتبره فرويد -Freud مصدرا لسلوك الانسان ومبادئ هذا المنهج:
- التداعي الحر للأفكار.
- محور التحليل هو مرحلة الطفولة.
- كل ما يقوله المريض له معنى.
- ويستعين المحلل النفساني بتفسير الأحلام وتفسير ما يصدر من المريض من سلوكيات كزلّة اللسان والنسيان ونوع النكت.... الخ.
إن التحليل النفسي طريقة علاجية يقوم فيها المحلل النفساني بمساعدة المريض على استدراج النشاطات المكبوتة في منطقة اللاشعور إلى ساحة الشعور وبمجرد أن تصبح هذه النشاطات شعورية تزول أعراض المرض.
رغم ما يعاب على هذه النظرية في ارجاعها كل تصرفات الانسان إلى اللاشعور فإن هذه الطريقة تبقى الوسيلة الوحيدة لمعرفة الظواهر النفسية اللاشعورية ولعلاج بعض الأمراض النفسية.
إن علم الاجتماع على عكس التاريخ، يتجاوز الحدود المكانية والزمانية، ويطلب العلاقات العامة الثابتة بين الحوادث قصد الكشف عن قوانينها العامة. نشأ علم الاجتماع هو الآخر في أحضان الدين والفلسفة، بحيث اهتمت جميع الديانات بالعلاقات الإنسانية وما ينجرّ عنها من مشاكل. كما تعرّض الفلاسفة منذ القديم لهذه الحوادث. فقد تعرّض لها أفلاطون في جمهوريته وأرسطو في سياسته والفارابي في مدينته الفاضلة إلى أن وصلت إلى ابن خلدون ثم أوجيست كونت ثم دور كايم، وهؤلاء جعلوا من الدراسات الاجتماعية علما موضوعيا، يتناول الحوادث الاجتماعية ومنهجه تفسير الظواهر الاجتماعية وهدفه الكشف عن القوانين التي تخضع لها حياة المجتمعات والأفراد.
ذلك أن جملة العادات والقوانين والأعراف موجودة وسابقة لوجود الأفراد وعلى هذا نقول انها مستقلة عن شعورهم فهي تأتي من خارج شعورنا ونتصف بها.
إنها من صنع المجتمع، يشترك فيها جميع الأفراد ولا تنسب إلى أي واحد منهم ولا إلى بعضهم.
إذ لا يمكن فصل الظاهرة عن الأخرى، فالأسرة مثلا هي مرآة المجتمع وبينهما تأثير متبادل.
لأنها تعبر عن لحظة أو مرحلة من مراحل تاريخ الاجتماع البشري.
استخدم دور كايم المنهج الاستقرائي مع تكييفه وفقا لطبيعة الحادثة التاريخية ووضع له قواعد هي:
إما بإجراء تحقيق وإما بالاعتماد على التاريخ والأثنوجرافيا (علم يبحث في خصائص الشعوب).
بين الحوادث الاجتماعية التي أقامها، أي ضبط القوانين، وتحاشي التفسير بالعلل الغائية بل بالاعتماد على العلل الفعالة، فيبحث عن علة الحادثة الاجتماعية في الحوادث الاجتماعية السابقة فيفسر الحادثة الاجتماعية بحادثة اجتماعية أخرى.
وحتى يتحقق من الفرض يجب ان يعتمد على طريقة التلازم في التغيير ولأن التجريب هنا غير ممكن فيعتمد على التاريخ المقارن.
من هنا يتبين أن منهج علم الاجتماع هو بالدرجة الأولى منهج مقارنة يعتمد على الإحصاء وعلى الخطوط البيانية وعندئذ تأخذ القوانين الاجتماعية شكلا رياضيا. فظاهرة الانتحار التي درسها دوركايم للكشف عن العلاقات الثابتة بين نسبة المنتحرين المئوية ربطها بالحالة المدنية والدين ونمط العيش، فوجد انها أرفع عند العزاب منها عند المتزوجين، وهي أرفع عند المتزوجين دون أطفال منها عند المتزوجين بأطفال، وهي أرفع عند البروتستان منها عند الكاثوليك......الخ. فاستخلص أن الانتحار يتناسب تناسبا عكسيا مع درجة الاندماج في المجتمع الديني والمجتمع العائلي والسياسي.
- إختبارات
- 21
- الأجوبة الصحيحة
- False
- الأجوبة الخاطئة
- False
- مجموع النقاط
- False
المراتب الخمس الأولى في Quiz
- Bouchra Merzougui
- 140 نقطة
- Mailis Belhocine
- 102 نقطة
- Farouk Lalou
- 62 نقطة
- ryma admin2
- 0 نقطة
- guit imene
- 0 نقطة