مــن تبــلور الوعــي الوطنـــي إلــى الثــورة التحريــرية
قبيل الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) عرفت الحركة الوطنية الجزائرية نشاطا سياسيا متعدد الاتجاهات أهم هذه الاتجاهات أو التيارات تمثلت في :
الذي مثلته جماعة النخبة وهم المثقفين إما ثقافة فرنسية غربية مثل فرحات عباس والدكتور ابن جلول أو ثقافة إسلامية مثل الأمير خالد (حفيد الأمير عبد القادر) وكلهم طالبوا بالمساواة في الحقوق بين الفرنسيين والجزائريين مع التركيز على فكرة الإدماج الكلي في المجتمع الفرنسي وكانت هذه فكرة المتفرنسين أي المثقفين ثقافة فرنسية.
الذي ظهر بنجم شمال إفريقيا بزعامة مصالي الحاج في فرنسا سنة 1926 كنقابة عمالية ثم تطور إلى حزب سياسي يطالب بالاستقلال في 1927، حُلّ (مُنع) في 1929 وظهر بعدها بتسميات جديدة منها "نجم شمال إفريقيا المجيد" في سنوات الثلاثينات ليظهر تحت اسم "حزب الشعب الجزائري P.P.A" في 1937 والذي يحلُّ في 1939 (عند اندلاع الحرب العالمي الثانية) "وأصبح يسمى بعد الحرب 1946 بـحركة انتصار الحريات الديمقراطية M.T.L.D ".
ظهر بـ "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" التي تأسست في 05 ماي 1931 برئاسة "عبد الحميد بن باديس " والتي حاربت البدع والخرافات التي انتشرت في أوساط المجتمع الجزائري وعمل "بن باديس" على الرجوع إلى الدين الإسلامي الصحيح وركز على تعليم الشباب وكان دائما يعبر عن قناعة واحدة "محاربة فرنسا بالقلم"، لأن مجتمعا متعلما وواعيا يستطيع أن يصنع المعجزات وأغلب الشخصيات الثورية التي صنعت أول نوفمبر هي شخصيات درست وتعلمت في مدارس جمعية العلماء.
كان مرتبطا بالحزب الشيوعي الفرنسي، نقل إلى الجزائر برئاسة "عمار أوزقان" في الثلاثينات، كان يطالب بالجنسية المزدوجة ... لم تكن لهذا الحزب شعبية كبيرة ولم ينجح في الظهور والاستمرار في الساحة الوطنية لأنه كان بعيدا عن طموحات ومطالب الشعب الجزائري.
اجتمعت هذه التيارات السياسية في "المؤتمر الإسلامي" الذي عقد يوم 07 جوان 1936 وترأسه الدكتور "بن جلول" وخرج بقرارات أهمها: منح الجنسية مع محافظة الجزائريين على أحوالهم الشخصية والاعتراف باللغة العربية وحق الجزائريين في التمثيل النيابي في البرلمان الفرنسي لكن كل هذه القرارات وغيرها لم تلقى آذانا صاغية من فرنسا.
بعدها استغلت تيارات الحركة الوطنية نزول قوات الحلفاء (فرنسا- بريطانيا- الو.م.أ) في السواحل الجزائرية في 08 نوفمبر 1942، فأصدرت بيان 10 فيفري 1943 الذي اشتركت في صياغته كل التيارات السياسية وقام بقراءته "فرحات عباس" والذي تضمن مطالب أهمها: حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره ووضع دستور للجزائر، رفض الاستعمار، هي مطالب أقلقت فرنسا لكن الحلفاء ردوا عليها بأنهم لا يستطيعون التدخل في الشؤون الفرنسية وأنها قضية داخلية خاصة بفرنسا (مع العلم أن فرنسا حليفة لهم في الحرب العالمية الثانية). لم يحقق بيان فيفري آمال الجزائريين قام فرحات عباس بتأسيس حركة "أحباب البيان والحرية في 14 مارس 1944"، والتي لها نفس مطالب بيان فيفري (بيان الشعب الجزائري).
تنتهي الحرب العالمية الثانية في أوروبا باستسلام ألمانيا في 07 ماي 1945 فيخرج الشعب الجزائري في مظاهرات يوم 08 ماي 1945، دعت إليها حركة أحباب البيان والحرية في مدينة سطيف وكانت دوافعها (أسبابها) الاحتفال بنهاية الحرب والمطالبة بعودة مصالح الحاج الذي كان منفيا في الكونغو برازافيل وأيضا دعوة فرنسا إلى تنفيذ وعودها المتعلقة بسيادة الجزائر، عمدت فرنسا، إلى إخماد هذه المظاهرات وحولتها إلى مجازر وكانت في قمة الهمجية خاصة في مدن سطيف- قالمة- خراطة وبقية مدن الشرق الجزائري وبدأت باغتيال الشاب الكشاف (بوزيد شعال) وهذا لرفعه الراية الوطنية مع العلم أن كل الرايات كانت مرفوعة (رايات الحلفاء المنتصرين في الحرب) وبحجة أن هذه المظاهرات غير قانونية لأن "أحباب البيان والحرية" لم تتحصل على رخصة مكتوبة لتنظيمها ومهما يكن دافع فرنسا لارتكاب هذه المجازر إلا أنها لم تأت بجديد لأن تاريخها في الجزائر مليء بالمجازر والجرائم.
خلفت جرائم 08 ماي 1945، 80 ألف شهيد حسب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مع العلم أن عدد الضحايا (الشهداء) اختلفت فيه المراجع والمصادر، بالإضافة إلى اعتقال زعماء الحركة الوطنية على رأسهم البشير الإبراهيمي وفرحات عباس وتجميد العمل السياسي، وعملت هذه المجزرة الرهيبة على زيادة مشاعر الكراهية للمستعمر والمستوطنين الذين شاركوا بأسلحتهم في ارتكاب هذه المذابح وتبقى لهذه المجازر نتائج إيجابية أهمها: تراجع فكرة الإدماج والتأكد من عقم العمل السياسي وضرورة (حتمية) العمل المسلح، كذلك اهتزاز مكانة فرنسا أمام العالم وظهورها بمظهر الدولة المجرمة.
من إجراءات التهدئة التي حاولت فرنسا فرضها في الجزائر بعد ارتكابها لمجازر 08 ماي 1945 إصدارها "قانون العفو الشامل (العام)" على كافة المعتقلين في 16 مارس 1946 وعودة مصالي الحاج من الكونغو بالإضافة إلى السماح بعودة النشاط السياسي وإعادة تشكيل الأحزاب على النحو التالي:
- حركة انتصار الحريات الديمقراطية M.T.L.D في 02 نوفمبر 1946 بزعامة مصالي الحاج خلفا لحزب الشعب الجزائري P.P.A، وطالبت الحركة بانسحاب القوات الفرنسية من الجزائر والاستقلال التام.
- الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري U.D.M.A في 17 أفريل 1946 برئاسة عباس والذي كان يطالب بحكومة جزائرية ضمن الاتحاد الفرنسي.
- جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والتي حافظت على اسمها لكنها عادت بقيادة جديدة وهو "البشير الإبراهيمي" بعد وفاة عبد الحميد بن باديس وبقيت أفكارها إصلاحية لإيمانها بضرورة المحافظة على المقومات الشخصية للشعب الجزائري والتي تحاول فرنسا طمسها (محوها).
- أحباب الحرية والديمقراطية A.L.D بقيادة "عمار أوزقان "وهي نفسها الحزب الشيوعي الجزائري والذي هو بدوره مرتبط بالحزب الشيوعي الفرنسي ولم يكن له أي صدى في أوساط الجزائريين نظرا لأفكاره التي هي أصلا غريبة عن المجتمع الجزائري.
- إجراء آخر أرادت فرنسا فرضه على الجزائريين بهدف تهدئتهم وامتصاص غضبهم بعد مجازر 08 ماي 1945 هو إصدارها للقانون الخاص أو القانون الأساسي للجزائر وهو مجموعة من القوانين المسيرة لشؤون الجزائر جاء في 08 أبواب و60 مادة وافق عليه البرلمان الفرنسي ووقع عليه رئيس الجمهورية الفرنسي "فانسان أوريول – Vincent Auriol" في 20 سبتمبر 1947، والهدف منه تحسين صورة فرنسا ومحاولة تهدئة الجزائريين وإثارة الخلافات بين تيارات الحركة الوطنية وضرب الوعي الوطني،وأهم ما جاء في هذا القانون:
الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا وتتكون من ثلاث مقاطعات الجزائر، وهران، قسنطينة.
النساء المسلمات يحق لهن التصويت.
يمثل الوالي العام حكومة الجمهورية الفرنسية في كامل التراب الجزائريين ويقيم بالجزائر.
إقامة مجلس جزائري يتكون من 120 عضو (60 يمثلون المسلمين و 60 يمثلون الفرنسيين)علما أن عدد الجزائريين أكبر من عدد المستوطنين !
وغيرها من المواد، رحب بهذا القانون المستوطنين لأنه منحهم حرية التصرف بالجزائر وحتى المواد التي ظاهريا تخدم الجزائريين فإنهم أخذوا وعودا من حكومتهم أنه سيتم التحايل عليها وتزويرها.
أما الحركة الوطنية فقد رفضته لأنه لا يستجيب لمطالب الجزائريين أصلا المادة الأولى تنص أن الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا إذن فالمبدأ خاطئ فلا داعي لقراءة أو تطبيق بقية المواد، كما وصفت القانون بأنه غير ديمقراطي لأنه يساوي بين الأغلبية الجزائرية والأقلية الأوروبية، ولم يستشر الشعب الجزائري في وضعه ولم يشارك في صياغة مواده. عموما فقد جاء القانون الخاص من أجل تهدئة الأوضاع بعد المجازر وبحلول سطحية ترقيعية "سياسة ذر الرماد في العيون" وتناست فرنسا أن الشعب الجزائري أصبح أكثر وعيا من أن يصدق هذه الأكاذيب.
شكلت مجازر 08 ماي 1945 صدمة قوية وفي نفس الوقت صفعة أيقظت الجزائريين وبالأخص الوطنيين المناضلين في حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية M.T.L.D، التي عقدت مؤتمرها في العاصمة ما بين 15-17 فيفري 1947، وكانت الفكرة بتأسيس منظمة سرية شبه عسكرية تكون بمثابة الجناح العسكري السري لـ M.T.L.D، وعين " محمد بلوزداد " رئيسا لها مع نائبين هما "حسين آيت أحمد" و "أحمد بن بلة " والتحق بها حوالي ألف مناضل، مهمتها الأساسية التحضير المادي للثورة وقد قامت المنظمة بعدة عمليات شجاعة من أجل تأمين المال لشراء الأسلحة وخاصة عملية البريد المركزي في وهران سنة 1948.
وعند وفاة "بلوزداد" في 1952 بمرض السل خلفه في قيادة المنظمة "حسين آيت أحمد". اكتشف أمر المنظمة الخاصة في 18 مارس 1950 نتيجة خيانة أحد أعضائها، مما أدى إلى عرقلة اندلاع الثورة واشتداد أزمة حركة الانتصار في انتظار عودة التيار الثوري الذي سوف يضرب بقوة.
بدا الخلاف داخل الحركة منذ اكتشاف المنظمة الخاصة سنة 1950 وانفجرت الأزمة في مؤتمر الحركة ما بين 04-06 أفريل 1953، ومن أسباب الخلاف أو الأزمة عدم الاتفاق حول طريقة اتخاذ القرارات وأسلوب العمل وكيفية تسيير الحزب (إقرار مبدأ الجماعة أو الفرد).وكانت النتيجة انقسام الحزب على نفسه إلى ثلاث تيارات (اتجاهات ) وهي:
المصاليــين: أتباع مصالي الحاج والذين انتخبوه زعيما للحزب مدى الحياة وإعطائه كافة الصلاحيات.
المركزيين : وهم أعضاء اللجنة المركزية للحزب والذين يؤمنون بالقيادة الجماعية للحزب.
الثوريون: وهي فئة شبانية محايدة، تؤمن بالكفاح المسلح وضرورة الإسراع فيه، كما أن هؤلاء الشباب كانوا أعضاء سابقون في L’O.S (المنظمة الخاصة)، حاولت هذه الفئة الإصلاح بين المتخاصمين لكن محاولاتها فشلت لذلك قررت الإسراع في عملية الإعداد للثورة أي أن الأزمة أثمرت نخبة ثورية شابة من أعضاء L’O.S أخذت المبادرة وعجلت باندلاع الثورة.
اجتمعت ظروف كثيرة ساعدت على اندلاع العمل المسلح في الجزائر منها الدولية والإقليمية فدوليا انتشرت الحركات التحررية في العالم بعد الحرب العالمية الثانية وحصول الكثير من الدول على استقلالها مثل الهند في 1947.
كما أن فرنسا فقدت هيبتهم الدولية خاصة وأنها حُررت من طرف الحلفاء من الخطر النازي الذي أسقط عاصمتها في 1940 وانهزامها في الفيتنام (معركة ديان بيان فو) في 07 ماي 1954 وانسحابها من الهند- الصينية بالإضافة إلى ظهور منظمات دولية تنادي بحق الشعوب في تقرير مصيرها مثل الأمم المتحدة (L’O.N.U) والجامعة العربية.
أما إقليميا فقد اندلعت الثورة في كل من تونس والمغرب وانتصار الثورة المصرية وهذا كله في بداية الخمسينات بالإضافة إلى استقلال سوريا ولبنان في 1946.
ويبقى أكبر وأهم ظرف للثورة الجزائرية هو تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للجزائريين وإيمانهم بضرورة تغيير واقعهم المُر وهذا التغيير لا يكون إلا بالكفاح المسلح لأنهم يواجهون دولة استعمارية لا تفقه إلا لغة السلاح.
- إختبارات
- 10
- الأجوبة الصحيحة
- False
- الأجوبة الخاطئة
- False
- مجموع النقاط
- False
المراتب الخمس الأولى في Quiz
- عادل بوزيد
- 300 نقطة
- عيني ابنائي
- 200 نقطة
- soumia hachi
- 200 نقطة
- Farouk Lalou
- 177 نقطة
- imad lounis
- 177 نقطة
- warda dj
- 129 نقطة
- sofiane harb
- 126 نقطة
- Hadid Ramzi
- 120 نقطة
- cherif ould fella
- 114 نقطة
- Mysa Nirmin
- 95 نقطة