النص الأدبي : آلام الاغتراب للبارودي
النّص :
هل من طبيب لداء الحب أو راقي | شفي عليلا أخا حزن و إيراق |
قد كان أبقى الهوى من مهجتي رمقا | حتى جرى البين فاستولى على الباقي |
حزن براني و أشواق رعت كبدي | يا ويح نفسي من حزن و أشواق |
أكلف الّنفس صبرا و هي جازعة | والصبر في الحب أعيى كل مشتاق |
لا في سرنديب لي خل ألوذ به | ولا أنيس سوى همي و إطراقي |
أبيت أرعى نجوم الليل مرتفقا | في قنة عز مرقاها على الرقي |
يا روضة النيل لامستك بائقة | ولا عدنك سماء ذات إغداق |
مرعى جيادي ومأوى جيرتي | وحمى قومي و منبت آدابي و أعراقي |
أني أعيش بها في ثوب إملاق | أصبو إليها على بعد و يعجبني |
يو كيف أنسى ديارا قد تركت بها | أهلا كراما لهم ودي و إشفاق |
إذا تذكرت أياما بهم سلفت | تحدرت بغروب الدمع آماقي |
فيا بريد الصبا بلغ ذوي رحمي | أني مقيم على عهدي و ميثاقي |
وإن مررت على المقياس فاهد | له مني تحية نفس ذات أعلاق |
وأنت يا طائرا يبكي على فنن | نفسي فداؤك من ساق على ساق |
أذكرتني ما مضى و الشمل مجتمع | بمصر والحرب لم تنهض على ساق |
أيام أسحب أذبال الصبا مرحا | في فتية لطريق الخير سباق |
فيالها ذكرة شب الغرام بها نارا | سرت بين أرداني و أطواق ! |
عصر تولى وأبقى في الفؤادي | هوى يكاد يشمل أحشائي بإحراق |
أتعرف على صاحـــب الـنــــص :
بعد الثورة العرابية نفي إلى سرنديب فلبث فيها سبع عشرة سنة قال فيها أجود شعره الوجداني والوطني, ولما عفا عنه الخديوي رجع إلى مصر , وقد اشتدت عليه وطأة المرض وضعف بصره. توفي سنة 1904 م . يعتبر البارودي رائد الشعر العربي الحديث الذي جدّد في القصيدة العربية شكلاً ومضموناً ، ولقب باسم " فارس السيف والقلم " . |
تقديم النص :
- ما هو شعور من نفي من أرض يحبّها ويعشقها حدّ التّضحية ؟
- ستنتابه مشاعر الحزن والألم والشّوق الشّديد إلى الوطن و الأهل .
أثـــــــري رصيـــــدي اللغـــــوي :
إيراق : السّهر والسّهاد .
المهجة : الرّوح .
براني : أضعفني .
عدا : بخل وشح .
سرنديب : جزيرة سيلان .
روضة النّيل : هي روضة المقياس غربي النّيل بمصر القديمة .
الصَّبا : الريح المستقبلة للقبلة .
- عمّن يبحث الشّاعر ؟ ما طبيعة علّته ؟ ما سببها ؟
- ما الفرق بين طبيعة حبّه و حبّ غيره من شعراء الغزل ؟ بيّن ذلك من النصّ .
- ما هو الخيط العاطفي الّذي ظل يشدّ الشّاعر طول القصيدة ؟ ما الذي يهزّ هذا الخيط ؟
- بين مفردات القصيدة و عاطفة الشّاعر علاقة وطيدة . استخرج منها ما يوحي بتلك العاطفة .
- ماذ تمثّل " سرنديب " " روضة النّيل " , " المقياس " للشّاعر .
- بماذا يذكّرك الشّاعر و هو يتوجّه بالنّداء إلى " بريد الصّبا " , " طائرا يبكي " ؟
- هل طغت على النصّ عناصر الجدّة أم إنّه حافل بمظاهر التقليد لمظاهر القصيدة القديمة ؟ مثّل من النصّ .
- يبحث الشّاعر عن طبيب أو راق يخفف عنه تباريح الهوى وآلام الحب , و هي علّة كان سببها فراق الأهل و البعد عن الأوطان .
- يبدي الشاعر في النّص حبّه لوطنه و شوقه إلى أهله و خلانه , بينما يعبر شعراء الغزل عن مشاعرهم نحو المرأة , و يتجلى ذلك في قوله : " أصبو إليها على بعد " ، " إذا تذكّرت أيّاما بهم سلفت " ، " بلّغ دوي رحمي " .
- الخيط العاطفي الّذي ظل يشدّ الشّاعر طول القصيدة هو الشوق والحنين إلى الأهل والوطن, هذا الخيط العاطفي تحرك عندما عاد شريط الذّكريات إلى مخيلة الشّاعر .
- من المفردات التي توحي بعاطفة الشاعر : داء , حزن , أشواق , ويح نفسي , همّي , إطراقي , جازعة و توحي بألم الشاعر و حزنه .
- تمثّل " سرنديب " منفى الشّاعر , الذي يشعر فيه بالغربة و الوحدة والبعد , أمّا " النيل " و " المقياس " فهما موطنا ذكريات الشاعر التي ما فتئ يحن إليها .
- يذكرنا الشاعر و هو يتوجّه بالنّداء إلى " بريد الصّبا " , " طائرا يبكي " بالبكاء على الأطلال وكيف كان العربيّ قديما يعبر عن لوعة البعد وألم الفراق جراء ترك الديار و هجر الأحبّة .
- النص حافل بمظاهر التقليد, فالمعاني تطرق إليها العديد من الشعراء كابن معتز وأبي فراس وجميل بن معمر, ومن أمثلة ذلك ما ورد في البيت الأول , إذ نجد أبا فراس يقول :
هل لصبّ متيم من معين **** ولداء مخامر من طبيب
- مزج الشّاعر بين التجربة الشّعورية الصّادقة و خاصّية المحاكاة و التقليد.فيم تمثّل كلّ جانب ؟ و علام يدلّ ذلك فيما يتعلق بمكانة الشّاعر الأدبية ؟
- أهناك ما يوحي في النصّ بالأبعاد السّياسية لحالة الشّاعر و هو في المنفى أم تراه و كأنّه يتمثّل شعراء قدامى كأبي نوّاس و جميل بن معمر ؟
- هل ترى على مفردات القصيدة تجديدا يساير مقتضيات اللّغة الحديثة أم ترى أنّ مفرداتها امتداد للقاموس اللّغوي القديم ؟ علّل إجابتك بالاعتماد على الأبيات : 3 ، 6 ، 12 ، 14 ، 18 .
- لا يخرج النصّ عن الصّور البيانية التقليدية " تشبيه ، استعارة ، كناية " استخرج من النصّ أمثلة عنها و ميّز الإبداع فيها من وجه التقليد . ماذا تستنتج ؟
- هل ترى تجديدا في البناء الموسيقي " الوزن و القافية " ؟ علّل .
- تمثلت التّجربة الشّعورية في تعبيره عن حزنه وأساه في المنفى و هو بعيد عن وطنه وأحبّته, بينما تتجلى خاصية التقليد والمحاكاة في الحفاظ على بناء القصيدة القديمة ومحاكاة الشعراء القدامى واستلهام معانيهم, و يدل ذلك على قدرة الشّاعر على بعث الحركة الأدبية و إحياء التراث الشعري العربيّ القديم , و تخليصه من قيود الصنعة و ركاكة الأسلوب .
- الشاعر يعبر في هذا النص عن بعض الأبعاد السياسية مادام هناك استعمار و نفي و إجلاء عن الوطن فهو يصور وضعية محتومة يعيشها مرغما و كأنه يريد أن يقول للقراء : هذا هو ظلم الاستعمار أو الاستدمار كما يحسن أن يسميه وهذا هو حال الضعفاء أمثالي في يده و إلاّ كيف بصبر الإنسان على فراق أهله وأبنائه ووطنه من تلقاء نفسه .
- مفردات القصيدة امتداد للقاموس اللغوي القديم , إذ استخدم الشاعر جملة من الألفاظ المتداولة في أشعار القدامى مثل : براني , رعت كبدي , أرعى النّجوم , جيادي , جيرتي , الصّبا , طائرا , عصر تولّى....
- من أمثلة التشبيه والاستعارة والكناية : " داء الحبّ " و هو تشبيه بليغ بإضافة المشبه إلى المشبه به, " أبقى الهوى من مهجتي رمقا " و هي استعارة مكنية , " أبيت أرعى نجوم اللّيل " و هي كناية عن السهر . و يمكن أن نستنتج من خلال هذه الأمثلة أنّ الشاعر لم يكن مبدعا في مجال التّصوير الفني بل مقلدا .
- ليس هناك تجديد في البناء الموسيقي , إذ نظم الشّاعر قصيدته على بحر البسيط , و هو وزن مناسب للمواقف الحزن والأسى , أمّا القافية فهي موحدة في كلّ الأبيات , إذ اعتمد الشّاعر على وحدة الوزن والقافية و الرّويّ .
- ما هي وظيفة " الفاء " في بداية البيت 12، و الواو في كلّ من البيتين 13، 14 ؟
- هل تلاحظ علاقة تربط بين الأبيات الستّة الأولى و بين ما يليها ؟ ماذا تستنتج ؟
- وظيفة الفاء هي الاستئناف, أمّا الواو فوظيفتها الجمع و الرّبط .
- في الأبيات السّتة الأولى كشف الشّاعر عن ألمه و معاناته النّفسية , إذ قادته تلك المعاناة إلى تذّكر أيامه وهو في وطنه بين أهله و أحبابه , فعبّر عن شوقه و حنينه وتعلقه بأرضه و أهله , و نستنتج من خلال ذلك أن الوحدات في القصيدة تخضع لترتيب و تنسيق محكمين .
- ما الدوافع النّفسية من وراء كتابة هذه القصيدة ؟
- أين يقف الشّاعر بين التّقليد و التّجديد ؟
- الشّعور بالغربة والوحدة و الظلم و الجور و هو بالمنفى..
- مال الشّاعر إلى تقليد القدامى, لكنه استطاع أن يستخرج من مجموع تلك الأساليب أسلوبه الرائق .