مطالعة موجهة : ثقافة أخرى
النص :
كم هي الأعوام التي انقضت منذ جلست آخر مرة، هنا، في مدينة "توركي" على الشاطئ الجنوبي من أنجلترا، وهي مدينة ترقد بين البحر والجبل، وتنبت منازلها على السفوح الخضراء بالعشب والشجر، حتى لكأنها زهرات أخرجتها الطبيعة بيضاء وحمراء فكل شيء هنا متسق مع كل شيء، فلا السماء ارتفعت وحدها، ولا البحر انعزل، ولا استقل بكيانه الخاص جبل، أو شجر، أو طير، أو حيوان، أو منازل، أو إنسان ؟!!
أطلت الجلوس ما أسعفتني ظروف الساعة أن تطيل.. والبصر زائغ هنا وهناك، يبحث في الناس عن الظواهر التي يمكن أن تتخذ علامات مميزة لما نسميه بثقافة " الغرب " الحديث... وعندئذ خطرت لي خاطرة، في أن أعيد النظر في الصحيفة اليومية التي طويتها في يدي، لأرى"الغرب" على صفحاتها، فماذا فيها من صور لا تحدث إلا هنا ؟
وأخذت أقلب الصفحات، فإذا بالصور تتزاحم في كثرة لم أتوقعها.. وهاك بعض ما وجدته من صور الحياة في الغرب الحديث، مأخوذا من صحيفة واحدة في يوم واحد :
كنا قد شاهدنا ليلة أمس برنامجا في التلفزيون، يصور للناس قصة غريبة لسيدة في الستين من عمرها، أخذت تغري أمها التي أوشكت على التسعين، والتي سكنت غرفة في أحد بيوت العجائز الكثيرة التي أعدت لمن تقدمت بهم السن، ولحقهم مرض الشيخوخة دون أن يكون إلى جوارهم من يعينونهم على الحياة. أقول إن السيدة الابنة أخذت تغري أمها تلك بالانتحار حتى زينته لها فأحضرت لها في زيارتها الأخيرة أقراصا مخدرة لتضعها في شرابها حتى ينسدل على حياتها ستار الموت، وكانت الشرطة قد علمت بالجهود التي تبذلها الابنة في إقناع أمها بأن تنزع حياة نفسها بيديها، ولقد جاء النبأ إلى الشرطة عن طريق أخت لها، فترصدت الشرطة للسيدة، ووضعت جهازا تلفيزيونيا مستورا، يسجل زياراتها لأمها وما يدور بينهما من حديث، حتى كانت تلك الزيارة
الأخيرة، التي قدمت فيها الابنة إلى أمها أقراص التخدير.
وقبض على الجانية عند خروجها من غرفة أمها – ولم تكن الأم قد فقدت حياتها بعد – وقدمتها الشرطة إلى المحاكمة، وهمت بالإنكار فصدموها بالشريط التليفزيوني الملون بكل ما دار وحدث في غرفة الأم، وحكم عليها بالسجن لمدة عامين.
رأينا القصة كاملة ليلة أمس في التليفزيون، وأصبحنا هذا الصباح، فإذا بالصحيفة اليومية التي في يدي، تسجل ردود فعل غاضبة من الجمهور، يحتج فيها الناس عن نشر مثل هذه القصة الموجعة، وكان الأساس فيما أرسله القراء إلى الصحيفة هو " أخلاقية " هذا النشر، هل يجوز خلقيا أو لا يجوز؟ يقول أحدهم: إن السيدة الجانية قد حوكمت ونالت عقابها، فلماذا تحاكم مرة أخرى على الملأ؟ ويقول آخر: كيف يحق للتليفزيون أن ينشر الشريط الذي سجلته الشرطة سرا، دون أن يؤخذ رأي الجانية وذويها؟ ويقول ثالث: هل كان من حق الشرطة بادئ ذي بدء أن تصور حياة الناس على غفلة منهم ؟ وهكذا وهكذا.
تلك – إذن – هي شريحة من حياة " الغرب " الحديث، مما أعتقد أنه مستحيل الحدوث في حياتنا: فأولا يكاد يستحيل علينا أن نترك الأم في عجز شيخوختها لتسكن غرفة وحدها في بيت العجائز، فما دام لها البنات، فلا بد لإحداهن أن ترعاها، مهما ثقلت رعايتها على أفراد أسرتها، لاسيما والأم برغم شيخوختها الضعيفة لم يكن بها مرض ظاهر، ولم تكن فقيرة بحيث يعجز رعاتها عن نفقاتها، بل كانت ذات ثراء ليس بالقليل.
لقد أنعم علينا الله بثقافة ترفض رفضا مثل هذا التحجر في القلوب، فالعلاقات الرابطة بين أفراد الأسرة عندنا توشك أن تكون أمرا مقدسا لا تدنسه أبالسة الشر والطمع إلا في حدود ضيقة يقتضيها ضعف الطبيعة البشرية آنا بعد آن، وأما من حيث " المبدأ " فنحن بحمد الله ننعم بالدفء في علاقاتنا الأسرية، وكان كلا منا قد أمن الكوارث بفضل أفراد أسرته، الذين قد يظَن بينهم التباعد، ولكن ما أن تكرث أحدهم الكارثة حتى تراهم قد التفوا حوله من حيث يدري ولا يدري.
وأعود إلى الصحيفة اليومية في يدي، لأستعيد قصة امرأة خرجت من السجن لتوها بعد أن أمضت بين جدرانه أربعة أسابيع، لماذا؟ لأنها نذرت حياتها للحيلولة بين الثعالب وصائديها، فها هنا ما زال صيد الثعالب في الغابات هواية محببة للقادرين عليها، فقالت هذه المرأة لنفسها: كيف يجوز للإنسان مطاردة حيوان ليلهو؟ أليست تلك الثعالب كائنات حية أراد لها خالقها أن تحيا ؟ ومن هذه العقيدة عند المرأة ، انطلقت لتنفق جهودها وأموالها في معاكسة اللاهين بمطاردة الحيوان وصيده فرفع بعضهم دعوى إلى المحاكم لما ناله من ضرر، وحكمت عليها المحكمة بالسجن أربعة أسابيع، خرجت بعدها بالأمس، لتعلن في الصحف أن لن تكف عن الدفاع عن الحياة في أية صورة كانت، ولينلها من عنت القضاء ما ينالها، ولم يفتها أن تندد بالعدالة في بلادها، إذا كان معناها قد انحدر في أذهان القائمين عليها إلى هذا المنحدر المشين .
وإذن فهذه شريحة أخرى من حياة "الغرب"، فيها المثل الأعلى، وفيها الإصرار على الجهاد في سبيل ما يقيمه الإنسان لنفسه من نماذج المثل العليا، ولعل هذا الجانب من حياة " الغرب" تؤيده قصة أخرى في هذه الصحيفة اليومية نفسها، عن امرأة شابة تطلعت إلى أن تجوب منطقة صحراوية في قلب أستراليا، فذهبت وحدها واستأجرت أربعة جمال، وكان معها كلبها، وظلت تتحسس طريقها هناك أربعة أشهر، تكشف لنفسها الجديد، فما وهنت لها عزيمة، ولا أغراها شبابها أن تحيا حياة المتعة في المدن، وبمثل هذه العزائم تبنى الحضارات ..
جمعت هذه الأشتات بعضها إلى بعض، وهي أشتات مأخوذة من صحيفة واحدة في يوم واحد، فألفيتها تصور مناخا ثقافيا ليس بينه وبين مناخنا الثقافي شبه، لا من قريب ولا من بعيد، فخرجت بنتيجة مؤكدة، وهي ضرورة أن يكون لكل ثقافة قومية معاييرها الخاصة، بالإضافة إلى المجال المشترك الذي يجب أن يتفق فيه الناس جميعا، وأعني به مجال العلوم وأشباهها، ومن هذه وتلك تكون صورة العصر.
- ما هي القضية التي يطرحها الكاتب ؟ لخص مضمونها في بضعة جمل .
- كيف نحكم على ثقافة أمّة بالإيجاب أو بالسلب في نظر الكاتب ؟
- إلام توصل الكاتب في عرضه لموضوعه ؟
- علام اعتمد في حكمه ؟
- يتناول الكاتب قضية فكرية تتمثّل في ثقافة الغرب ومعاييرها وهي ثقافة مخالفة لثقافتنا .
مضمون النص :
- إغراء بنت لأمها ذات التسعين بالانتحار وهي في دار العجزة وقد أحضرت لها الأقراص المخدرة أثناء زيارتها لتضعها في شرابها .
- إصرار امرأة على حماية الحيوانات من خطر الإنسان ببذل جهودها والإنفاق من أموالها وإصرارها على ذلك بالرغم من أنّه كلفها السجن لمدة أربعة أسابيع .
- امرأة استأجرت أربعة جمال وجالت في أعماق صحراء أستراليا ولم يكن معها إلاّ كلبها لمدة أربعة أشهر دون أن تملّ أو تنقص عزيمتها .
- نحكم عليها بمدى موافقتها لمعاييرها الأخلاقيّة .
- توصل الكاتب في عرضه لموضوعه إلى نتيجة مؤكدة, وهي ضرورة أن يكون لكل ثقافة قومية معاييرها الخاصة, وأن تشترك الشعوب في مجالات تخدم العصر كالعلوم .
- اعتمد في حكمه على أشتات الأخبار المتفرقة التي جمعها من الصحف اليوميّة .
- ما رأيك في أحكام الكاتب ؟ وعلام استند في هذه الأحكام ؟
- اعتمد الكاتب السّرد و التّفسير و الإخبار و الحجاج. مثّل لذلك .
- أترى أنّ النّصّ مائل إلى أدب المذكّرات أم إلى أدب المقال ؟ علل..
- تبدو أحكام الكاتب موضوعية, إذ استند فيها على الأخبار و على ثقافته العربية و الغربية .
- الأنماط :
- السرد : و أخذت أقلب الصفحات, فإذا بالصور تتزاحم في كثرة...
- التفسير : أعتقد أنّه مستحيل الحدوث في حياتنا: فأولا يكاد يستحيل أن نترك الأم....
- الإخبار : كنا قد شاهدنا ليلة أمس برنامجا في التلفزيون, يصوّر للنّاس قصة غريبة لسيدة في الستين من عمرها....
- الحجاج : ولعلّ هذا الجانب من حياة الغرب تؤيده قصة أخرى...
- يميل النّص إلى أدب المذكرات ، لأنّه اعتمد على سرد أحداث جرت لصاحبها ، كما كشف الكاتب عن موافقه و أفكاره و عواطفه في تلقائية و دون التّقيّد بأسلوب محدّد .
- ابحث في النّصوص الدينية عن مدى حرص الإسلام على الأمومة والرفق بالحيوان .
- ضع هيكلة للنّصّ .
- عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – قالت : " قدمت عليّ أمّي وهي مشركة في عهد رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – فاستفتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – قلت : إنّ أمّي قدمت وهي راغبة, أفأصل أمّي ؟ قال : نعم, صلي أمّك " .
قال الرسول – صلّى الله عليه وسلّم – : " دخلت امرأة النّار في هرة ربطتها, فلم تطعمها و لم تدعها تأكل من خشاش الأرض " .
- هيكلة النص :
- المقدمة : وصف الكاتب للمدينة الغربية .
- العرض : قراءته للصحيفة وعرضه للأخبار و تحليلها و التعليق عليها .
- الخاتمة : النتيجة التي تقضي بخصوصيات كل ثقافة .