النص التواصلي : الشعر مفهومه وغايته لميخائيل نعيمة
النص :
الشعر هو غلبة النور على الظلمة، والحق على الباطل. وهو ترنيمةُ البلبل ونوح الورق. وخرير الجدول و قصف الرعد. وهو ابتسامة الطفل ودمعة الثّكلى، وتورد وجنة العذراء وتجعد وجه الشيخ هو جمال البقاء وبقاء الجمال. الشّعر لذة التمتّع بالحياة، والرعشة أمام وجه الموت. وهو الحب والبغض. والنعيم والشقاء. وهو صرخة البائس وقهقهة السكران ولهفة الضعيف وعجب القوي. الشعر ميل جارف وحنين دائم إلى أرض لم نعرفها ولن نعرفها. هو انجذاب أبدي لمعانقة الكون بأسره والاتحاد مع كل ما في الكون من جماد و نبات و حيوان. هو الذات الروحية تتمدد حتى تلامس أطرافها أطراف الذات العالمية، وبالإجمال، فالشعر هو الحياة باكية وضاحكة، و ناطقة وصامتة، ومولولة ومهللة، وشاكية ومسبحة، و مقبلة و مدبرة. وما هي الغاية من الشعر ؟
قوم يقولون: إن غاية الشعر محصورة فيه و لا يجب أن تتعداه (الفن لأجل الفن)، و آخرون يقولون: إن الشعر يجب أن يكون خادما لحاجات الإنسانية و إنه زخرفة لا ثمن لها إذا قصر عن هذه المهمة. ولهذين المذهبين تاريخ طويل لا نقدر أن نأتي به هنا، و لا غاية لنا أن نبحث في حسنات كل منهما وسيئاته. إنما نكتفي أن نقول: إن الشاعر لا يجب أن يكون عبد زمانه و رهين إرادة قومه، ينظم ما يطلبون منه فقط ويفوه بما يروقهم سماعه. و إذا كان هذا ما يعنيه أصحاب المذهب الأول فلا شك أنهم مصيبون. لكننا نعتقد في الوقت نفسه أن الشاعر لا يجب أن يطبق عينيه ويصم أذنيه عن حاجات الحياة وينظم ما توحيه إليه نفسه فقط سواء كان بخير العالم أو لويله. ومادام الشاعر يستمد غذاء لقريحته من الحياة فهو لا يقدر ـ حتى لو حاول ذلك ـ إلا أن يعكس أشعة تلك الحياة في أشعاره فيندد هنا و يمدح هناك و يكرم هنالك. لذاك يقال إن الشاعر ابن زمانه، وذاك صحيح في أكثر الأحوال إن لم يكن في كلها. والآن بعد أن بحثنا، ولو سطحيا، في الشعر، لنقف ونسأل من هو الشاعر ؟
الشاعر فيلسوف ومصور وموسيقي و كاهن، مصور لأنه يقدر أن يكسب ما يراه ويسمعه في قوالب جميلة من صور الكلام. وموسيقي لأنه يسمع أصواتا متوازية حيث لا نسمع نحن سوى هدير وجعجعة. العالم كله عنده ليس سوى آلة موسيقية عظيمة تنقر على أوتارها أصابع الجمال، وتنقل ألحانها نسمات الحكمة الأبدية. وهو يسمع موسيقى في ترنيمة العصفور وولولة العاصفة، و زئير اللجة و خرير الساقية، و لثغ الطفل و هذيان الشيخ. فالحياة كلها عنده ليست سوى ترنيمة ـ محزنة أو مطربة ـ يسمعها كيفما انقلب؟ لذاك يعبر عنها بعبارات موزونة رنانة الوزن والتناسب في الطبيعة أخوان لا ينفصلان. والشاعر الذي تعانق روحه روح الكون يدرك هذه الحقيقة أكثر من سواه. لذاك نراه يصوغ أفكاره وعواطفه في كلام موزون منتظم. الوزن الضروري أما القافية فليست من ضروريات الشعر لاسيما إذا كانت كالقافية العربية بروي واحد يلزمها في كل قصيدة.
وأخيرا ـ الشاعر كاهن لأنه يخدم إلها هو الحقيقة والجمال. هذا الإله يظهر له في أزياء مختلفة و أحوال متنوعة. لكنّه يعرفه أينما رآه و يقدم له تسابيح حيثما أحست روحه بوجوده. يراه في الزهرة الذاوية والزهرة الناضرة. يراه في حمرة وجنة الفتاة وفي اصفرار وجه الميت. يراه في السماء الزرقاء المتلبدة بالغيوم، في ضجة النهار و سكينة الليل. وبالاختصار إن روح الشاعر تسمع دقات أنباض الحياة، و قلبه يردد صداها ولسانه يتكلم "بفضلة قلبه". تتأثر نفسه من مشهد يراه أو نغمة يسمعها فتتولد في رأسه أفكار ترافقه في الحلم واليقظة، فتمتلك كل جارحة من جوارحه حتى يصبح حملا يطلب التخلص منه. و هنا يرى نفسه مدفوعا إلى القلم ليفسح مجالا لكل ما يجيش من صدره من الانفعالات و في رأسه من التصورات ولا يستريح تماما حتى يأتي على آخر قافية فيقف هناك، وينظر إلى ما سال من بين شفرتي قلمه كما تنظر الأم إلى الطفل الذي سقط من بين أحشائها. أمامه فلذة من ذاته وقسم من كيانه .
- حدّد تعريفا من التعاريف التي قدّمه الكاتب للشّاعر ؟
- ما مواصفات الشّاعر الحقّ حسب الكاتب ؟
- وضّح النّزعة الإنسانية في آراء الكاتب على ضوء مثالين من النّص .
- غلّب الكاتب الجانب العاطفي في النّص , فيم تجلى ذلك ؟
- الشّاعر هو الذي يستمد غذاء لقريحته من الحياة , لا يقدر إلاّ أن يعكس أشعة الحياة في أشعاره , فيندّد هنا و يمدح و يكرّم...
- الشّاعر الحقّ حسب الكاتب فيلسوف و مصوّر و موسيقي و كاهن .
- يدعو الشّاعر إلى الحقّ و الخير و الجمال , و يتجلى ذلك في : الشّعر هو غلبة النّور على الظلمة , و الحقّ على الباطل..هو جمال البقاء و بقاء الجمال .
- تجلى ذلك في تعبيره عن مواقفه و انفعالاته و آرائه الخاصة ..
- إلام هدف الكاتب من خلال قوله " لأنّه يقدر أن يسكب ما يراه ويسمعه في قوالب جميلة من صور الكلام " ؟
- يلتقي الكاتب ميخائيل نعيمة بالشّاعر القروي في النظرة التأملية وفي البعد الإنساني, اشرح بالاستشهاد .
- علام يدل توظيف عنصر الطبيعة في هذا النّص ؟
- ماذا نستنتج من قول الكاتب : " الوزن ضروري, أمّا القافية العربية فليست من ضروريات الشّعر, لاسيما إن كانت القافية العربية بروي واحد يلزمها في كلّ القصيدة " ؟
- يهدف الكاتب من خلال قوله إلى بيان أهمية الخيال في التعبير عن المعنى .
- يلتقي الكاتب ميخائيل نعيمة بالشّاعر القروي في النظرة التأملية وفي البعد الإنساني :
كلاهما اعتمد على التأمل في مظاهر الحياة , كما دعا كلاهما إلى القيم النبيلة . فهاهو الشاعر القروي يرصد الظواهر الحياتية , و ينشد عالما يسوده الحب و الخير و الصفاء , أمّا ميخائيل نعيمة فقد رأى أن الشّعر تعبير مفعم عن مظاهر الحياة الإنسانية , و دعوة إلى الحب و الخير و الجمال .
- يدلّ هذا التوظيف على على اتجاه الشاعر الرومنسي الذي يتّخذ الطبيعة مادة خاما لصياغة التجربة الشّعورية .
- نستنتج ثورة الكاتب على شكل القصيدة العربية القديمة , و دعوته إلى التّحرر من قيود القافية .
- ماذا قدم ميخائيل نعيمة في هذا النّص ؟
- فيم تتجلى رسالة الأدب لدى الرابطة القلمية ؟
- قدّم ميخائيل نعيمة في هذا النّص مفاهيم متعددة للشّعر, قوامها أنّ الشّعر هو تعبير عن الجمال والحب والصفاء والنزعة الإنسانية , و هو التعبير عن الحياة في صورها المتعددة .
- رسالة الأديب لدى الرابطة القلمية رسالة اجتماعية إنسانية تدعو إلى الحقّ و الخير و الجمال .