iMadrassa

مطالعة موجهة : التسامح الديني مطلب إنساني

النّص :

إِنّ ما يجب تسليط الضوء عليه هو أن أهمية التسامح الديني تتمثّـل في كونه ذا بعد وجودي، أي أنه ضروري ضرورة الوجود نفسه. ولتوضيح ذلك يمكن الإلماع إلى أن سنّة الوجود قد اقتضت أن يكون وجود الناس على الأرض في شكل تجمّعات بشرية، وهي وإن اتّفقت في ما يجمع بينها من وحدة الأصل والحاجة إلى التجمّع والحرص على البقاء والرغبة في التّمكن من مقوّمات الحياة والسّعي في إقامة التمدّن والعمران والتَّوق إلى الارتقاء والتقدّم فإنها قد تباينت في ما تتفرد به كل مجموعة من خصوصية عرقية ودينية وبيئية وثقافية. وقد صرّح القرآن بهذه الحقيقة الوجودية فقال:﴿ يا أيها الناس إِنّا خلقناكم من ذكر وأثنى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا﴾. لقد أكدت الآية ما كان قد توصّل إِليه الحكماء والفلاسفة من قَبل وأثبته الواقع التاريخي المشَاهد من أن الإنسان مدني بطبعه، بمعنى أنه لا تتحقّق حياته ولا ينبني كيانه ولا تكتمل ذاته ولا يكتسب ما تصبوا إليه قدراته إلا داخل وسط اجتماعي متشابك فيه الخير والشر، وفيه التحابب والتباغض، وفيه التجانس و التنافر، وفيه الأنا والأنا الآخر... مما تقدّم، نتبيّن أن قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يقرّ الاختلاف ويقبل التنوّع و يعترف بالتغاير ويحترم ما يميز الأفراد من معطيات نفسية ووجدانية وعقلية وخيال، ويقدر ما يختص به كل شعب من مكونات ثقافية امتزج فيها قديم ماضيه بجديد حاضره ورؤية مستقبله، هي سبب وجوده وسرّ بقائه وعنوان هويته ومبعث اعتزازه. من الواضح أن قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يقتضي التسليم بأنه إِذا كان لهؤلاء وجود فلأولئك وجود، وإِذا كان لهؤلاء دين له حرمته فلأولئك دين له الحرمة نفسها، وإِذا كان لهؤلاء خُصوصية ثقافية لا ترضى الانتهاك فلأولئك خُصوصية ثقافية لا تقبل المسّ أبداً. من الجلي أن التسامح الديني يعدّ أرضية أساسية لبناء المجتمع المدني وإرساء قواعده، فالتعدّدية والديمقراطية وحرية المعتقد وقبول الاختلاف في الرأي و الفكر وثقافة الإِنسان وتقدير المواثيق الوطنية واحترام سيادة القانون، خيارات إستراتيجية وقيم إنسانية ناجزة لا تقبل التراجع ولا التفريط ولا المساومة، فالتسامح -إذن- عامل فاعل في بناء المجتمع المدني، ومشجع على تفعيل قواعده. وهكذا، نستخلص أن التسامح يستوجب الاحترام المتبادل، ويستلزم التقدير المشترك، و يدعوا إلى أن تتعارف الشعوب وتتقارب... من البديهي أن الأديان بحكم انتمائها إِلى السماء ،فإِنها لا تأمر إِلاّ بالخير والحق والصلاح ولا تدعو إِلاّ بالبِرّ والحب والرحمة والإحسان، ولا توصي إلاّ بالأمن والسلم والسلام، وما كانت يوماً في حد ذَاتها عائقا أمام التبادل والتلاقح والتّثاقف ولا أمام التعايش والتعارف والحوار، وإِنما العائق يكمن في الذين يتوهّمون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة ويستغلّون الأديان في أقدار الناس ومصائرهم، تلك المهمة التي أبى االله تعالى أن يمنحها لأنبيائه الأخيار. إِنّ الإِسلام من جهته يعترف بوجود ( الغير ) المخالف فردا كان أو جماعة ويعترف بشرعية ما لهذا ( الغير ) من وجهة نظر ذاتية في الاعتقاد والتصوّر والممارسة تخالف ما يرتئيه شكلاًومضموناً .ويكفي أن نعلم أن القرآن الكريم قد سمى الشِّرك دينًا على الرغم من وضوح بطلانه، لا لشيء إِلاّ لأنه في وجدان معتنقيه دين. ومن هنا، فإن جريمة المشركين لم تكن في إِعراضهم عن الإِسلام، وإِنما في كونهم رفضوا أن يعيش دين جديد بجوار دينهم، فقرّروا محقَه واستئصاله من الوجود. ولم يكتف القرآن بتشريع حرية التّدين، بل نجده قد وضع جملة من الآداب، يمكن عدّها بيداغوجية للتسامح الديني، فقد دعا المسلمين إلى أن يكونوا لغيرهم موضع حفاوة ومودة وبر وإحسان. قال تعالى ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلُوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إِليهم إِن الله يحب المقسطين﴾ ... والصحيح أن الإٍسلام لم يكن وحده في اشتماله على مبادئ التسامح، فالمسيحية التي تقول أناجيلها: *«...لا تقاوموا الشرّ بالشرّ بل من ضرب خدّك الأيمن فحوّل إِليه الخد الأيسر ومن أخذ رداءك فأعط *«...لا تقاوموا الشرّ بالشرّ بل من ضرب خدّك الأيمن فحوّل إِليه الخد الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه إِزارك، ومن سخّرك لتسير معه ميلاً فسر معه ميلين». *«من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان » .* «عاشروا الناس معاشرة إِن عشتم حنّوا إليكم وإِن متّم بكوا عليكم» هي بدورها تتضمّن مبادئ التسامح في أجلى صوره، بل إِنه تسامح يبدو أحياناً فوق الطاقة... وهكذا بات واضحاً أن التسامح الدّيني مطلب إِنساني نبيل دعت إليه الأديان كافة دون استثناء، وكيف لا تدعو إليه وقد أرادته الحكمة الإِلهية، واقتضته الفطرة الإنسانية، واستوجبته النشأة الاجتماعية، وفرضته المجتمعات المدنية، وتُحتّمه ثقافة العولمة، وما تحتاج إليه من قيم حضارية ومدنية نبيلة ... لقد أفادنا التاريخ بأن المسلمين قد انفتحوا-أيام عطائهم الحضاري وازدهارهم الثقافي-على معارف وعلوم وثقافات ،وحرصوا على أن يفهموها ويستوعبوها ويستفيدوا منها، حتى أن التاريخ يؤكد أنهم ما استطاعوا أن يقيموا حضارتهم التي أقاموها إِلاّ بعد اطلاعهم واستفادتهم مما وجدوا لدى غيرهم. وقد شَرع ذلك الانفتاح الكوني الذي سلكوه الأبواب على مصاريعها أمام التعارف والتقارب والتبادل، وعززّ الأدوار الإيجابية الفاعلة التي كانت تؤيّدها تلك المناظرات التي كانت تستقطب – عبر بيوت الحكمة التي تنافس أولو الأمر في تأسيسها - العلماء من مختلف الأديان، وقد أقبل المسلمون عليها بتلقائية وقصد..

يبقى أن القيم الكونية تحتاج إلى تضامن ونضال دؤوب، وبرغم ما يعيقه من صراع كريه تطفح تداعياته البشعة على سطح الساحة العالمية ،فإنه ليس بعزيز ولا مستحيل على المؤسسات التربوية والثقافية والعلمية والجمعيات الحكومية وعير الحكومية في العالم إِذا تَاَنْسنَت أهدافها واتفقت منطلقاتها و تكاتفت جهودها .

I اكتشاف معطيات النص
  1. هل يمكن للإنسان أن يعيش بمفرده ؟ دلّ على ذلك من النّصّ .
  2. غريزة حبّ البقاء راسخة في الإنسان . أين تجد ذلك في النّصّ ؟
  3. ما الدّليل القرآنيّ على أنّ النّاس مجبولون على التّعايش ؟
  4. ما معنى التّسامح الدّينيّ حسب ما جاء في النّصّ ؟
  5. ما اثر التّسامح الدّينيّ على حياة الإنسان المدنيّة ؟
  6. هل برهن المسلمون عبر تاريخهم أنّهم متسامحون دينيًّا ؟ دعّم إجابتك بما جاء في النّصّ .
  1. الإنسان بطبعه اجتماعيّ، فلا تتحقّق حياته ولا ينبني كيانه ولا تكتمل ذاته ولا يكسب ما تصبو إليه قدراته إلاّ داخل وسط اجتماعيّ .
  2. غريزة حبّ البقاء راسخة في الإنسان و يظهر ذلك في قول الكاتب:..".والحرص على البقاء والرّغبة." .
  3. الدّليل القرآنيّ على أنّ النّاس مجبولون على التّعايش قول الله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"  ( الحجرات : 13 )
  4. معنى التّسامح الدّينيّ  هو الاحترام المتبادل و التّقدير المشترك و تعارف الشّعوب وتقاربها دون المساس بالحريّات الشّخصيّة والخاصّة، ودون انتهاك حرماتها على أساسٍ من تبادلِ المعارف والمنافع ومصالح الشَّراكة الفاعلة التي يعود مردودها بالخير على الجميع .
  5. يعملُ التّسامحِ بفاعليّة في بناء المجتمع المدني ، و يشجّع على تفعيل قواعده، فالتّسامح الدّينيّ يعدّ الأرضية الأساسيّة لبناء المجتمع المدني ويرسي ضوابطه من تعدّدية وديمقراطية وحرية معتقد وقبول برأي الآخر و  فكره وثقافته .
  6. برهن المسلمون عبر تاريخهم أنّهم متسامحون دينيًّا و الدليل على ذلك غزوات الرّسول صلّى الله عليه وسلّم و معاملته لأسرى بدر،، صلح الحديبيّة، فتح مكّة ، وعمر بن الخطاب الذي طبّق ما رسمه الله تعالى للدعاة حين دخل بيت المقدس فأعطى الأمان لسكانها من النّصارى أن لا تُسكن مساكنهم ولا تهدم ولا ينقص من أموالهم شيء ولا يكرهون على دينهم.وقد دعا الإسلام المسلمين إلى أن يكونوا لغيرهم موضع حفاوة ومودّة و بِر و إحسان ، قال الله تعالى : " لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" ( الممتحنة : 088 ) 
II مناقشة المعطيات
  1. حبّ البقاء هو الّذي يدفع الإنسان إلى تحسين مظاهر حياته . هل تؤيّد هذا الرّأي ؟
  2. التحابّ مظهر من مظاهر التّعايش ، لكن كيف للتباغض أن يكون كذلك ؟ وضّح .
  3. هل يمكن الفصل بين الدّين و الأخلاق في حياة النّاس ؟ اشرح موقفك بدعم من الواقع المعيش .
  4. اعتمد الكاتب على إعطاء الدّليل النّصيّ و التّاريخيّ في شرح أفكاره، فما نمط هذا النّصّ ؟
  1. حبّ البقاء من الغرائز التي دفعت الإنسان إلى تحسين مظاهر حياته، وهو رأي صائب يؤيّده الكثير من الفلاسفة ورجال الفكر في تناولهم لنظرية العقد الاجتماعيّ.
  2. . التّحاب والائتلاف مظْهرٌ من مظاهر التَعايش، و الاختلاف المظهر الآخر لهذا التّعايشِ ، فنحن نفكر في ظلّ الاختلاف ونختلفُ كي نفكّر، وبذا يكون اختلافنا في الرّأي مع الآخرين ميزة تكشفُ تفوّقنا أو قصورنا الفكريّ، فنعيد النظر ونسارع إلى التّصويبِ بقصد أو بغيره، للوصول إلى النتائج المحمودة بتقبّل الآخرِ وثقافته في ألفة فكريّة تناشد العقل والمنطق دون إكراه و تعسّف .
  3. لا يمكن الفصلُ بين الدينِ والأخلاق في حياة النّاسِ، فالأخلاقُ هي معايير سلوكية يتمتّع بها الإنسان، كالنُبل والصّدق والأمانة والشّجاعة... لهذا تُعتبر الأخلاق هي الدّين الطبيعي الذي يعتنقه كلُّ النّاس و القيّم الأخلاقيّة هي ما يجسّده الفرد سلوكاً ومنهاجاًوقد ربط الرّسول صلى الله عليه وسلّم بين الدّين والأخلاق فقال : " الدّين النّصيحةُ " حيث تمثّل الأخلاق الصّورة والدّين الجوهر، وقال أيضاً : " المؤمن يأْلَفُ و يؤْلَفُ ، و لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، و خير النّاس أنفعهم للنّاس " .
  4. نمط النّص حجاجيّ، برهانيّ إقناعيّ .

قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى

لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.



قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى

لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.