النص الأدبي : أحزان الغربة لعبد الرحمان جيلي
أهذا أنتَ ؟ شارعنا زجاج فاقع الضوء
وأكداس من الأوجه تبحث عن صدى شيء
تهوم في محاجرها وِهاد الحزن
كأن عروقَها عطشى لقطرة مزن
وعمياء من اللهفه
فَقُلْ شيئا عن الأحباب والخلاَّن
أما زِلْنا نُثير الشَّوقَ حتَّى الآن
و قد طالت بنا الوقفه !
تعال نَشُم نَسمات رطيبات على النّيل
و نُهرقْ في وداعته وجيب الغُربة القاسي
و نَحكي أنَّنَا قزمانِ تَطْحنُنا خُطى النَّاسِ ِ
لكَم صلَّيت أن ألقاك في عطْفه
وترسو من ذُرى شُرفه
على قلبي فأغرق فيك إحساسي
* * *
صديقي إِن سوقَ الود لا يشْرى بها الودٌّ،
وهل نبتاعها العفَّه ؟
و من يا إِخْوتي يسقي رحيقَ الشِّعر في عصرٍ
ملُولٍ يمقُتُ الشِّعرا !
و يبصر في نَسائِمه قُرانَا ذلك النَّهر
وفي العينين ( لاَلَوب ) يرفُّ على الثَّرى رفَّه ؟
* * *
فإِن تاهت بك الأْقْدام غاصتْ في ثَرى الوِديان
و غطَّى الموج روحينَا بِقاع الشَّارِعِ الولْهان
سأَضرع ، من يعانقُني بلا زيف
ومن يسخو بأَعينه سماء الصيفْ ؟
أبيع الروح إِن ألقى
فيا لا لوبتي الخضراء ما أشقى
يجِفُّ النَّبع والذِّكرى لدى الإنسان .
أتعرف على صاحب النص :
|
أثــــــري رصيـــدي اللغـــــوي :
مزن : الغيمة الممطرة .
تهــرق : نسيل .
نبتاعها : نشتريهـــا .
ملول : كثير الملل .
الولهان : المشوق .
لالوب : نوع من الشجر .
أضرع : ألجـــأ .
الخلان : الأحباب .
في الحقل المعجمي :
ابحث في القاموس عن معاني كل من : الحرج ، ذرت ، وهاد ، يسقي .
الحرج : هو الإثم و الذنب يقال لا حرج عليك أي لا بأس عليك .
ذرى : ذريا أطار و فرّق، ذرت الرياح التراب .
الوهاد : الوهد هو الأرض المنخفضة الحفرة ( ج ) أوهد و وهدان .
سقى : سقيا ، شرّب ، سقى الله الأرض مطرا ، أنزله عليها ، سقى الله أيامه : جعل أيامه جميلة .
في الحقل الدلالي :
في النص توظيف للمعجم الطبيعي لدلالات اجتماعية ، ضع جدولا تسرد فيه هذا المعجم و تبين دلالته الاجتماعية من السياق .
اللفظ |
دلالته الاجتماعية في سياق النص |
وهاد |
الحزن والألم الكبيران |
قطرة مزن |
الحاجة إلى بصيص أمل يعيد إليه بهجة الحياة |
سماء الصيف |
دعوة إلى الإقبال على شعره المتعطّش إلى متذوقيه |
النهر |
الشعـــر |
رحيق الشعر |
يدعو إلى تذوق الشعر |
سماء الصيف |
دعوة إلى الإقبال |
الأكداس |
الأنانية ، البخل ، الشّحّ |
الضوء |
الأمل ، الصّدق ، الصفاء |
خضراء |
السّلام ، الخير، النّعمة ، الحياة |
- بمـــن التقــى الشاعـر ؟ و أين تم اللقاء ؟
- ما هي ردة فعـل الشاعر عند هذا اللقاء؟ كيف تفسّر هذه الردة ؟
- وجد الشّاعر عند صديقه متنفسا يفرغ عنده همومه . لخّص هذه الهموم . هل لهذا الانفعال علاقة مع قوله: " أهذا أنت " ؟ فسّر .
- استخرج من النص القاموس اللغوي الدال على الحزن و الألم عند الشاعر .
- لقد التقى الشّاعر بصديق في شارع من شوارع المدينة التي طغت فيها الحضارة المادية على الروح.
- كانت ردة فعله دهشة و حيرة ودهشة إثر اللّقاء المفاجئ لأنه رآه بنفس الملامح التي تركه عليها.
- هذا التساؤل الوجودي يفلت من الذّات المقهورة التي تبحث عما يعوضها عن المفقود، فهو إيحاء بقمة التّعب والضياع في رحلة البحث عمن يشاطرها بعض كآباتها ، و هو استجابة آلية لما يجيش في عمق النّفس من هموم ، و كان الشّاعر وجد فجأة من يقاسمه همومه التي طال عليه الزمن بها ، وهذه الهموم يمكن تلخيصها في :
- غربته عن الوطن وشوقه للأهل والأصحاب والخلاّن.
- شعوره بضآلة حجمه وسط مدينة اهتزت فيها القيم والمعايير.
- و همٌّ آخر هو زيف العواطف الإنسانية التي جهدت الشّاعر فلم يستطع خلق معادلة بين ذاته والوجود. لقد اندهش الشاعــر و لهذا سأله " أهذا أنت ؟ " .
- في النص قاموس لغوي يدل على حزن و ألم الشاعر من خلال قوله : وهاد ،الحزن، عطشى ،عمياء من اللهفة، كثير الشوق، يجف النبع .
- هل ترى أنّ معاناة الشاعر ذات طابع اجتماعي محض أم أنّ لها أبعادًا فلسفية حضارية تتعلق بموقف إنسانيّ ؟ علـّـــل .
- يربط الشاعر عن طريق الصورة الشعرية المخيال بيْن هذه المعاناة الإنسانية و الإحساس بالجفاف رغم وجود " النيل " . ما سرّ ذلك ؟
- ما الدلالة الإنسانية التي يحملها كل من " قزمان " و " تطحن " و " الناس" ؟
- بم توحي الجملة الخبرية: " لكم صلـّيت " و الإنشائية: " هل نبتاعها العفّ" و الشرطية: " أبيع الروح إن ألقى " من دلالات على مأساة الشاعر ؟
- إنّ معاناة الشاعر لها أبعاد فلسفية حضارية، تتعلق بموقف إنساني لأنه لا يتحدث عن الشعر باعتباره بابا من أبواب الرّزق و إنّما يعبّر عن قضية هامة و هي غياب المكانة التي يستحقها الشاعر .
- يربط الشاعر بين الصورة الشعرية و المخيال . وهذه المعاناة الإنسانية و الإحساس بالجفاف رغم وجود النيل لأن الشعر متعطش إلى من يقرؤه فهمّش بتهميش الشاعر .
- « قزمان » التي توحي بضياع الإنسان في زحمة المدينة ، وضآلة حجم الفرد في مجتمع لا يعترف بالقيم الروحية الإنسانية ، و لفظة « تطحن » التي توحي بالقهر الطبقي الممارس من الطبقات العليا ، و لفظة « النّاس » التي تعنى الآدميين من فصيلة البشر دون بلوغ معنى الإنسانية .
- توحي الجملة الخبرية: " لكم صليت " بكثرة الدعاء و تواتر معاناة الحزن و استمرارها فقد أكثر الشّاعر من الصلاة أملا في لقاء من يخفّف عنه الهموم ، و في الاستفهام: " هل نبتاعها العفّة" ما يقر بإنكار الشّاعر للمادة التي لا يمكنها شراء العفّة و الود ، أما الجملة الشّرطية: " أبيع الروح إن ألقى " فتؤكّد صدق الشّاعر في عواطفه و قناعته بقسوة المجتمع ومرارة الحياة في المدينة.
- استطاع الشاعر تصوير واقع الغربة الحزين الموحش ، فما النمط النّصي الذي وظّفه للتعبير عن مواقفه ؟
- حلل المقطع الثاني و الثالث و بيّن تداخل الأنماط فيه .
- لقد اعتمد الشاعر على النّمط الوصفي لتصوير واقع الغربة الحزين الموحش .
- هناك تداخل بين أنماط أخرى كالأمر و الإخبار و الحوار التي نجدهما في المقطع الأول وكل نمط يخدم الآخر ما دام الشاعر بصدد تصوير وقائع و أحوال المجتمع وواقعه الحزين .
- لاحظ الأسطر الشعرية من 01 إلى 08 ثم من 09 إلى 14. هل تلاحظ انفصالا بين الأسطر أم ترابطا عضويا قويّا ؟ ماذا نسمي هذه الوحدة ؟
- ما هما الضميران المصاحبان لكل أسطر القصيدة ؟ هل لذلك علاقة مع انسجامها ؟
- تسمى هذه الوحدة التي تربط بين الأبيات و الأسطر في القصيدة بالوحدة العضوية أي خضوع الأبيات إلى تسلسل منطقي محكم لا يجوز فيه التقديم أو التأخير .
- الضميران المصاحبان لكل أسطر القصيدة ضمير جماعة المتكلمين و المخاطب و قد تناوب الضمائران ( المخاطب و المتكلم ) في إنتاج الدلالة وتناميها عبر القصيدة ، لتسير وفق خطّ هو : وصف الشّارع ، حوار الصديق ، استرجاع الذكرى و تساهم في انسجام معاني القصيدة .
- هل تفاعل الشّاعر بما يعانيه عصره ؟ و ماذا وظّف في وصف ذلك ؟
- من خلال تحليلنا للنص نلاحظ ما يأتي :
إنّ المعاناة التي يعيشها الشاعر إنما هي معاناة الإنسان الواعي بمأساة عصره و موقعه من العالم الذي يتفاعل معه ، و إنّ الغربة التي يعيشها ليست بسبب البحث عن لقمة العيش، بقدر ما هي بسبب البحث عن التوازن و الانسجام بين ما يحمل من مبادئ وقيم و بين محيط لا يعير أهمية لذلك . ومن هنا تبدو معاناته و أحزانه .
لقد استطاع الشاعر " عبد الرحمن جيلي " بفضل ما أوتي من حسّ مرهف وذوق فتّي راق ، أن يوظّف كلّ الأدوات الفنّيّة من لغة شعرية عميقة الدلالة ، و صور يمتزج فيها المتخيِّل بالواقع ، و وتيرة موسيقية مولّدة من صميم تفاعل الشاعر بموضوعه ، أن يقدّم لنا حقيقة معاناة المثقف في هذا العصر، و شعوره المؤلم بالتهميش .