النص التواصلي : المقالة والصحافة ودورها في النهضة
النّص :
أصبحت الصحافة في هذا العصر من أهم وسائل المعرفة لسببين مهمين، أما السبب الأول فهو أن مادتها تنوعت تنوعا واسعا حتى غدت أشبه بمائدة حافلة بما لذّ وطاب من صنوف الغذاء، ففيها غذاء عقلي وروحي، وفيها حياة النّاس الجارية بأطعمتها المختلفة وفيها كل ما يهمهم من شئون الحياة. فأنت تقرأ فيها أخبار السياسة الداخلية والخارجية وأحدث النّظريات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، كما تقرأ الحوادث والأنباء لا في بلدك فحسب، بل في أطراف العالم، حتى أنباء الرياضة والصور المتحركة. وأما السبب الثاني فإقبال القراء عليها إقبالا شديدا، لرخص أسعارها، فكلّ هذه المائدة تقدم إليك بأزهد الأثمان. وليس ذلك فقط كلّ ما يجعلهم يتعلقون بها، فإنّها تعرض كلّ مادتها الغنية بطرق فنية مختلفة، تُحدثُ فيها تلوينا طريفا، يحرك خيالنّا و يوقظُ مشاعرنا، بل قد يلهِب حواسنا. إن الصحافة الجيدةَ هي التي ترفع الجمهور ولا تنزل إليه بحجة إشباع رغباته بأغذية حرفية. إنها أداة إرشاد وتثقيف وتعليم، وهي أيضا أداة تسلية، ولكن ينبغي أن لا تكون أداة تسلية خالصة، وأن تتوخى مصلحة الجماهير، لا الكسب المادي السريع. ولن يتم لها ذلك إلا إذا عنيت بالقيم الحقيقية وباللباب دون القشور وبالجواهر دون الأصداف، فَتُربي الشعب تربيةً صالحةً، وفَرقٌ بعيد بين صحيفة تغمرنا بالمشهيات والمسليات والمغريات وصحيفة تُثَقِّف أذهاننا وتُرقِّي أذواقنا وتُكَون شخصياتنا تكوينا صحيحا سليما. ولسنا نشك في أن الصحافة إذا عنيت بالغذاء الفكري والثقافي في دأب وصبر وحرص على التعمق أذكت في الأمة أدبها ودفعته إلى التطور في شكله ومضمونه. ومعروف أنّه مرتْ بصحافتنا أدوار ثلاثة في تاريخنا الحديث، دور كانت تهتم فيه بالمقالة الأدبية أكثر من اهتمامها بالخبر الصحفي، ودور تكافأ فيه الضربان من الاهتمام، ثم هذا الدور الذي تعيشه والذي تهتم فيه بالخبر المثير أكثر مما تهتم بالمقالة على أنّها عادت فخصصت للأدب ومقالاته ملاحقَ أسبوعيةً.
وكانت المقالة في الدور الأول تعنى أشدلعناية بالإنشاء، فالكاتب يعنى بتنميق ألفاظه، وقلَّما عني بالمعاني، فالألفاظ هي كلُّ غايته وعنايته، وقد بدأ في كتابته بالسجع على طريقة القدماء ثم لم يلبث أن تركه، لأنّه يكتب للجمهور لا لطائفة خاصة، ونقصد تلك الطائفة التي قرأت الأدب القديم حينئذ واتخذت أساليبه مثلاً أعلى لها. فقد تبين أن الجمهور لا يقبل على هذه الأساليب، بل قد يجد فيها ضروبا من الصعوبة، وأيضا فقد وجدت الحاجة إلى كلام كثير تملأ به الصحف يوميا. ولم يكن في طاقة الأدباء المتأنقين أن يلبوا هذه الحاجة إلا إذا تنازلوا ولو قليلا عن كثير تأنقهم. إنهم في حاجة إلى الإسراع ولو أنهم تأنقوا وتكفلوا لأفلت منهم حبل الزمن، أو لأفلتت منهم الصحيفة والمقالة التي يريدون كتابتها. إذن لم يكن بد من أن يهجروا السجع والتأنق الشديد وأن يكتفوا بأسلوب مرسل، ولكنهم ظلوا تعنيهم اللفظة ويعنيهم جمال الإنشاء على نحو ما نعرف عند المنفلوطي والمويلحي وأضرابهما. ثم حلَّ دور جديد كان الكتاب فيه مثقفين ثقافة عميقة بالآداب الغريبة، فخرجت المقالة الأدبية من طور العناية بالإنشاء إلى طور العناية بالمعاني والموضوعات، وأخذ كتابها يخرجونها-على هدي ما عرفوه عند الغربيين- في نمطين: نمط تصويري يصدر فيه الكاتب عن شعوره إزاء صورة من صور الحياة أو وضع من أوضاع المجتمع، فيتحدث عن أحاسيسه حديثا خفيفا كهذا الحديث الذي يدور بينك وبين صديق في وقت من أوقات الفراغ ونمط آخر تثقيفي يقف فيه الكاتب موقف المعلم وكأنه يلقي درسا أو كأنه بصدد مشروع بحث في موضوع من الموضوعات. وكم من كتب لخصت في هذه المقالة الثانية، وكم من نظريات أدبية أو سياسية أو اجتماعية جمعت وركزت في عدد من السطور. وبذلك حملت إلينا هذه المقالة الثانية الثقافية زادا كثيرا من المعرفة .
أتعرف على صاحب النص :
|
- ما الأسباب التي أهّلت الصحافة لأن تكون أهم وسيلة للمعرفة؟
- ما الذي جعل القراء يقبلون على الصّحف بشدة ؟
- ماهي المراحل التي مرت بها صحافتنا العربية ؟ و ماهي خصائصها ؟
- الأسباب التي أهلت الصّحافة هي :
- مادتها المتنوّعة تنوعا واسعا من إخبار سياسية و اقتصادية و اجتماعية و علمية و رياضية .
- إقبال القرء عليها .
- إن الذي جعل القراء يقبلون على الصحف بشدة هو رخص أسعارها و تنوّع مادتها و الطريقة التي تعرض بها .
- مرت الصحافة العربية بثلاث مراحل :
- المرحلة الأولى : اهتمت فيه الصحافة بالمقالة الأدبية أكثر من اهتمامها بالخبر الصحفي .
- المرحلة الثّانية : تكافأ فيه الضربان من الاهتمام .
- المرحلة الثالثة : « الحالية » اهتمت فيه بالخبر المثير أكثر مما تهتم بالمقالة .
- هل توافق الكاتب في أنّ الدين أخرجوا المقالة العربية من طور الإنشاء إلى طور العناية بالمعنى و الموضوع هم المتعمقون في الثقافة الغربية ؟ علل .
- مال الكاتب إلى التعبير المجازي ، هل ترى ذلك مناسبا لمثل هذا الموضوع ؟ وضح .
- ما دور الصحافة ؟
- نعم توافق الكاتب في أن الّذين أخرجوا المقالة العربية من طور الإنشاء إلى طور العناية بالمعنى و الموضوع هم المتعمقون في الثّقافة الغربية ، و ذلك لأنّ أدباء المرحلة الثالثة كطه حسين ، العقاد ، نعيمة ، و غيرهم كانوا من الأدباء الذين احتكوا بالثقافة الغربية ، و تأثروا بكثير من مبادئها .
- مال الكاتب في عرض أفكاره إلى التّعبير المجازي ، و ذلك مناسب لمثل هذا الموضوع إذ المقال أدبي وصفي موجّه إلى فئة المثقّفين فالمقام يليق بذلك.
- إن مطالعة الصحف هي وسيلة من وسائل التثقيف الضرورية لتنمية العقل و تجويد الذّهن و تصفية الخاطر و لا بأس إن يجد القارئ فيها من حين لآخر وسيلة من وسائل التسلية .
- هل تراجع دور الصحافة في عصرنا ؟ لماذا ؟
- تراجع الدور الّذي ذكره الكاتب للصحافة المكتوبة لهيمنة مصادر أخرى للثقافة جديدة مثل : الأنترنت و الجوال و وسائل الإعلام الرقمية الأخرى التي تجاوزت وسائل الإعلام التقليدية ( تلفزيون ، راديو ، صحاف ) .