النص الأدبي : الطريق الى قرية الطوب لمحمد شنوفي
النّص :
في غارة خاطفة على قرية "الطوب" جمع "الوقاف" بطلب من سيده "القايد" الأهالي في البطحة الفسيحة، هذا – على كل حال – ما كان يحدث أحيانا، لكن ما لم يكن يحدث على الإطلاق أن يحضر ضابط فرنساوي مثل هذا الأمر، كان الضابط يضع مرفقه على حافة الباب العليا لـ "الجيب" رِجل على الباب وأخرى على الأرض، يتأمل حشدا من حفاة يزحمهم أطفالهم، تكلم الضابط، وترجم عنه الوقاف. يقول لكم سيدي... زاد الله في مقامه (سيدك وحدك ! ) كان يمكن أن يكون يومكم هذا أسود !... عارفين علاه ؟ عاملين حالكم موش عارفين ! "الدانبير" الذي خربتموه !... كان طول النهار كالنحلة، رايح جاي، يعاون المحبوسين على نقل الأغراض، ورفع التراب... زدتهم شقاء على شقائهم، سريتم إليه ولم تتركوه إلا جثة !... من يستطيع أن يقول لي ماذا فعل لكم ؟!... إلى هنا كانت القلوب قد بلغت الحناجر، فدس بعضهم أرجلهم في التراب، وبعضهم ثنوا ركبهم حتى يتستروا بما عليهم من ثياب، الحاصل أن الآلة العجيبة التي لم يروا مثلها في البلاد كانت تتوقف في كل مساء عند حوشالوقاف، أي في حمايته، لكن هناك من استغلوا ستر الليل، وتسربوا إليها، واقتطعوا لأنفسهم أحذية من عجلاتها، وتفطن بعض من هذا البعض إلى المازوت الذي في خزانها فتنافسوا عليه... السم الذي قد تكفي جرعة منه لقتل الديدان التي سكنت بطونهم، تأكل أمعاءهم، تعذبهم، يشربونها من نبع وحيد... حفرة آسنة... حمأ وماء يتراقص فيه العلق، وتتزاحم عليه الضفادع. قال الضابط، وترجم الوقاف : هذا الطريق تشقه الدولة ليصل إلى آخر واحد منكم حتى لو كان في رأس الجبل !... سيكون معبدا كي تسهل عليكم الحركة، وتتمكنوا من قضاء مصالحكم... (الحرية طريقنا!) انظروا يا رؤوس البقر إلى حنان فرنسا، أم تظنون أنها في حاجة إلى هذا الطريق ؟!.. (نعم هي في حاجة إليه ! حاجة ماسة، حتى تلاحق الثوار وتجمع الضرائب !..) إنني أراكم مثل ذلك المخبول الذي هب الناس يساعدونه على حفر قبر أمه فخطف الفأس وهرب ! ( أحسن ما فعل !.. لماذا يحفرون قبرا لأمه ولا يحفرون قبورا لأمهاتهم ؟! ) و قال الوقاف بغضب : من ذا الذي يهمهم ؟.. بين نفسك ؟!..
و تكلم الضابط وقال الوقاف : إنه يقول لكم : لست عبيطا، نائما على أذني ! في مقدوري أن أذكر أسماء كل الذين تآمروا، وخربوا الآلة العزيزة، الغالية... هل سمعتم ؟! وهو قادر أن يختار منكم الآن عشرين أو ثلاثين حمارا لينضموا إلى أولئك اللصوص، والتفت إلى الطريق، إلى المساجين الكالحين الذين كان بعضهم لا يقوى على رفع الفؤوس أو دفع الرفش، ثم أكمل : لكنه يقول لكم : لم آت إلى هنا كي أعاقبكم رغم خطلكنه يقول لكم : لم آت إلى هنا كي أعاقبكم رغم خطورة ما حصل، فليس في سياستنا كلمة عقاب ! حلم الدولة الفرنساوية لا حدود له... بدأت بعض الأرجل الآن تخرج من تحت التراب، واعتدلت قامات بعض الناس، واصل الوقاف : - ولا أنسى أن أقول لكم : إن الحاكم العام – نصره الله – قد حملني تحياته إليكم ! وغضب الوقاف فجأة- قولوا آمين، أم أنتم مكممون !؟ (ومن أين يعرف هذا "القاوري" نصره الله هذه ؟) من ذا الذي يتكلم بغير إذن ؟... لا أحد ؟! اصبر علي شوية، يروح هذا "القاوري"، كما يقولون، وأؤدبك الأدب الذي تحتاج إليه !.. انظروا إلى هذا "القاوري" كيف يشع وجهه. أما أنتم ؟ يا لطيف ! انظروا إلى بعضكم... وجوه مكدودة، ممصوصة كأنكم شياطين !... "هم" يبنون وأنتم تهدمون، وأكثر من ذلك لستم راضين !.. وسأل الضابط الوقاف إن كان الأهالي قد تجاوبوا مع أفكاره، فرد عليه بالإيجاب، بالكلام وبهز رأسه، فقال : إذن يجب أن نتحرك ! فترجاه الوقاف أن يمنحه دقيقة أو اثنتين حتى يسوي بعض القضايا التي تتعلق بالضرائب، مظهرا حرصه على مصالح الدولة الفرنساوية وأشار إلى "الخوجة" أن يتقدم فتقدم وناوله هذا الأخير دفترا، ففتحه وصاح : هناك في كل مرة من يخالف قانون الضرائب !.. – (فلان) ؟ - نعم سيدي ! - أين هو السلوقي الأحمر ؟ - مات يا سيدي !.. والله العظيم !.. ونحن وجدنا ما نأكله حتى يعيش ؟!.. - عشرون فرنكا !.. - (فلان) ؟ - يا (وخذي) ؟.. - عندك ثلاث دجاجات وتقول، عندي واحدة ؟.. الكذب مل منكم وأنتم لم تملوا !.. عشر فرنكات ! - (فلان) ؟ - نعم - (فلان) ؟ - كيف حال الديك ؟ - أي ديك ؟ - الرمادي ! - أحلف لك يا سيدي أني ذبحته لأم العيال، بعد أن كاد السعال يقتلها.. - ومثله يهون ويذبح ؟! قل لأم العيال تطلق سراحه !.. سبعة فرنكات ! - (فلان) - نعم - تبارك االله ! تحمل جِزة في وجهك، ولا تدفع عنها شيئا إلى الحاكم ؟... خمسة عشر فرنكا ! - سأحلقها ؟!- ادفع أولا، ثم اصنع بها ما شئت !... - وتململ الضابط فسارع الوقاف إلى القول : - نكتفي اليوم بهذا، وسنعود في مطلع في الأسبوع !.. صاح الضابط معلنا نهاية التجمع : - عاشت الجمهورية، عاشت الحرية والأخوة والمساواة (إن الذين أسمعونا هذه الشعارات وضعونا دوما في قهر ما بعده قهر! وأخضعونا للسخرة... إن ثورة مباركة، هي ثورتكم، قد انطلقت، منذ أشهر قليلة، لترفع عنكم الظلم والضرائب الجائرة... ولن تتوقف، بحول الله، حتى يضطر المستعمر إلى الرحيل !...) ونادى الوقاف بأعلى صوته : - من هذا ؟.. - (صوت الثورة !). - لماذا تتكلم بصوت واهن ؟... - (لكنه مسموع عند هؤلاء ! وسيقوى !...) - كن شجاعا وتقدم إلى هنا ! تقدم لا تخف ! يقول لك الضابط، ستلبى حاجتك إن كانت لك حاجة ! هذا "قاوري" حر يؤمن أولا وقبل كل شيء بالحوار... - في الأول هذا، يا مغفل، كانت الخديعة والغزو، ثم العنف والقمع وما ترى ...! - اقبضوا عليه من فضلكم، وقدموه إلى هنا !... وتكلمت بنادق هنا وهناك... لم يكن البارود مألوفا في قرية الطوب، فارتبك بعض الناس، وذهلوا حتى عن أبنائهم... جروا في كل الاتجاهات، تلاقت أكتافهم وتناطحت رؤوسهم... وضرب الضابط الووطوح المساجين بالفؤوس والرفش بعيدا، وصاحوا : الله أكبر ! تحيا الحرية... الحرية !... قاف في صدره باحثا عن منفذ... وهام على وجهه، تاركا خلفه حارسه الشخصي وسيارة الجيب .
أتعرف على صاحب النّص :
|
إثراء الرصيد اللغويّ :
شرح بعض المفردات :
- سريتم : جئتموه ليلا .
- المخبول : من فسد عقله .
- الكالحين : الذين أتعبهم الهم فشحبت وجوههم .
- استخرج من النص الألفاظ التي تنتمي إلى مجال الاستغلال .
- الكلمات التي يجمعها مجال الاستغلال :
- رؤوس البقر .
- المساجين .
- الكالحين .
- شقاء .
- تعذبهم .
- قهر .
- أخضعونا .
- الضّرائب.
- حدّد الإطار المكاني و الزماني لأحداث القصة .
- استخلص مظاهر الحياة الاجتماعية قبل الثورة و أثناءها .
- قارن بين معاملة الوقاف للجزائريين و بين معاملة الضابط الفرنسي ماذا تستنتج ؟
- ما هي مرجعية الشخصيات الواردة في القصة ؟
- المكان : الجزائر في قرية الطوب .
الزمان : فترة الاحتلال الفرنسي .
- من مظاهر الحياة الاجتماعية قبل الثورة و أثناءها : من كلّ مظاهر الحرمان و الشقاء و البؤس من جوع و عري و مرض و بطلة و أمية و اعتقالات .
- كانت معاملة الوقاف للجزائريين أشدّ قسوة و ظلما من معاملة الضابط الفرنسي و يبدو ذلك من خلال كلامه عندما كان يقول مثلا "...قد حملني تحياته إليكم و غضب الوقاف فجاة...قولوا آمين أم أنتم مكممون...اصبر علي شوي يروح هذا القاوري و أؤدبك الأدب الذي تحتاج عليه..." .
- مرجعية الشخصيات الواردة في النص هي : مرجعيات تاريخية واقعية .
- كيف ترى الراوي، مشاركا في الأحداث أم مجرد ناقل لها ؟
- أدرس الشخصية القصصية من حيث هويتها و خصائصها ( المادية و المعنوية ) و أحوالها ( النفسية و الذهنية ) .
- يبدو الراوي مشاركا في الأحداث من خلال عواطفه الساخطة على ظلم الاستعمار و أتباعه .
- الشخصية القصصية في هذا النص هي :
- الشخصية الرئيسية : شخصية الوقاف ، التي تمثل الرجل الجزائري الخائن لوطنه ، عميل فرنسا هو رجل ظالم مستغل ، قاس على الأهالي ، يغضب من غير سبب منطقي ، يكلف نفسه فوق ما يأمره به الضابط الفرنسي ، يتلذّذ بتعذيب أبناء وطنه ، متذلّل ، جبان، مكلف نفسه من غير ما دافع قوي .
- الشخصيات الثانوية : شخصية الضابط هي شخصية الرجل المسيطر على الأوضاع الذي يثق في أتباعه .
- شخصية الأهالي هم الذين يعانون من الظـلم و السيطرة و الفقر المفروض عليهم .
- اذكر أهم مكونات القصة المشكلة للفن القصصي بالاعتماد على هذه القصة .
- لحوار لازمة من لوازم القصة كالسرد و الوصف فما هي خصائصه في هذه القصة .
- صنف هذا النص حسب نمط كتابته و استنبط خصائصه .
- تحتوى القصّة على مكونات كثيرة نذكر منها : فكرة القصة - المغزى - القصة - الحبكة - و العقدة - الحل - الشخصيات..
- من خصائص الحوار في النص ما يلي :
- السهولة و الوضوح .
- التناسب في نسبته لكل شخصية كاستعمال اللغة العامية مثلا :
- خلوه من البريق الأدبي .
- حوار مباشر .
- نمط النص : سردي وصفي حواري .
النمط السردي من مؤشراته :
- الإطار الزماني و المكاني .
- غلبة الزمن الماضي .
- وكثرة الروابط الظرفية .
- و الأسلوب الخبري .
- و أفعــال الحركة .
- الأحداث .
النمط الوصفـي و من مؤشراته :
- عناصـر الإطار الزمانـي و المكانـي والحركي الذي يهيئ لخلق مناخ معين ، يتأكد بوجـود حقـول معجمية خاصة .
- دقة الوصف مع وجود الكثير من المجاز .
- وجهــة نظر الواصف الذاتية أو الموضوعية .
- حقل معجمـي لتجميـل الموصوف أو تقبيحه .
- الحوار المباشـر ، و غيـر المباشر .
النمط الحواري :
هو الطريقة التقنيـة المستخدمة في إعداد ، و إخراج النص المسرحي ، بغية تحقق غايـة المرسل منه .
أما مؤشــــراته :
- ضمائر الخطاب بالتتابع : أنا ، أنت .
- أفعال الأمر ، النهي .
- الاستفهامات .
- مرت هذه القصة بالمراحل التالية : وضع البداية وضع التحول وضع الختام ، حدد بداية هذا التحول في هذه القصة .
- فيما تتمثل العلاقة بين مضمون النص و العنوان .
- ما دلالة تعدد أفعال الأمر في النص .
- التحول في هذه القصة :
- الحالــة البدائيـة : شخص أو جماعة يعيـش فــي مكـان مـا ، بطريقـــة ما .
- عنصر التحويل : ذات يوم وبشكل مفاجئ ، يقع خلل بهذه المعيشة .
- نتائج عنصر التحويل : تكوين عقدة وضع خطر يتوقف عليه مصير البطل .
- عنصر التعديل : عمل أو حدث يطرأ على الموقف فينهي حالة الخلل أو القلق .
- الحالة النهائية : عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي مع بعض التعديل في الحالة البدائية. و اعتمادا على ماسبق :
فإن بداية التحول في القصة تتمثل تدمير الآلة و تخريبها و هذا يمثل حافزا و دافعا مشجعا لتغيير الأوضاع و التفكير في التخلص من الظلم .
- يعتبر عنوان القصة النواة الدلالية الأصلية التي تتفجر منها الدلالات الفرعية الأخرى حيث يظهر من خلاله مدى معاناة الأهالي من قسوة الاستعمار و يبرز لنا كذلك بعض المظاهر الاجتماعية التي كان يتميز بها الأهالي وقت الاستعمار فدلالة الطوب توحي بهشاشة البناء و شدة تخلف أهل القرية .
- تعدد أفعال الأمر يدلّ على السيطرة المطلقة و فرض القوانين الظالمة بالقوة و القهر و الغلبة و الاستبداد .