النص التواصلي :نشأة الشعر التعليمي لعبد بن عويقل السلمي
ظهر المتن المنظوم عند العرب في القرن الثاني الهجري، ولكن العرب لم يكونوا أول من اخترعه، بل كانت له أصول عند اليونان، ونرى ذلك عند (هوميروس) في ملحمته التاريخية (الإلياذة). وقد بدأ ظهوره عند العرب حين اتسعت معارفهم، وتنوعت لديهم الثقافات، وزاد إقبالهم على التعلم، وقد أحسوا حينذاك بحاجتهم إلى نوع خاص من التصنيف يعينهم على حفظ المعلومات ونقلها، فاستعانوا على ذلك بالشعر الذي امتلكوا ناصيته، لأنه يشكل وسيلة مشوقة، ويسهل على المتعلمين حفظه.
يقول أحد الباحثين :(لعل آخر الاتجاهات الجديدة التي نتناولها بالدراسة، والتي لاحظنا نشأتها في شعر القرن الثاني، هو الفن التعليمي الذي يصطنعه الشعراء عادة لنظم أنواع شتى، وما كان ممكنا أن ينشأ في الشعر العربي فن تعليمي قبل هذا القرن لهذا السبب نفسه.( ويؤكد باحث أخر أن الأرجوزة الأموية تعد أول شعر تعليمي ظهر في اللغة العربية وأن أراجيز العجاج وابنه رؤبة تعد شعرا تعليميا، لأنها متون لغوية منظومة في اللغة نفسها من حيث هي الغة، نظماها لتمد الرواة بالألفاظ الغريبة والأساليب الشاذة والنادرة، وتزودهم بالشواهد والأمثال المأثورة والألفاظ المستعملة والمهملة ثم تتابعت المنظومات العلمية عبر العصور حتى جاء عصر المماليك الذي كثر فيه هذا اللون من النظم واتسعت موضوعاته، فشمل كل العلوم ومنها النحو، وأقبل الناظمون على النظم لييسروا على الطلاب سبل الإلمام بالمعارف وحفظها وسرعة استحضارها وقت الحاجة، فجاءت على سبيل المثال منظومتا ابن مالك الطويلتان (الكافية الشافية) و(الخلاصة الألفية) ومنظومة الشاطبي الجامعة في القراءات، وهنا يعن لنا تساؤل في ضوء ما هو معروف من أن عصر المماليك يعد العصر الذهبي في نظم العلوم المتعددة، وفي كثرة هذا النظم وتنوعه، وهو : متى ظهر أول متن منظوم في النحو ؟. وللإجابة عن هذا التساؤل نقول : تعزى أقدم منظومة في النحو للخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى سنة 170 ه ، قال خلف الأحمر المتوفى سنة 180 هـ : وحروف النسق خمسة وتسمى حروف العطف، وقد ذكرها الخليل
بن أحمد في قصيدته في النحو :
فانسق وصل بالواو قولك كله.
وبلا وثم و أو فليست تصعب.
الفاء ناسقة كذلك عندنا.
وسبيلها رحب المذاهب مشعب.
ومهما يكن من شك في نسبة هذه القصيدة للخليل – وهو ما تطرق له المحقق – وبصرف النظر عن سمعة خلف الأحمر وأمانته العلمية، وبغض النظر عن كل ذلك فإن هذه المنظومة مازالت تعد أول منظومة في النحو في ذلك الوقت المبكر .
ثم تتابعت بعدها المتون المنظومة، فنظم أحمد بن منصور اليشكري المتوفى سنة 370 هـ ، أرجوزة في النحو، عدد أبياتها ثلاثة ألاف إلا تسعين،
تناول فيها – فيما تناول – الخلاف في وزن "غزة" و"رماة" و"قضاة" ونحوها، وهل هي على "مُفعَلة" أو "مُفعَلة" أو "مُفعل"؟ وقد قال في مطلعها :
والوزن في الغزاة والرماة.
في الأصل عند جملة الرواة.
مُفعة ليس لها نظير.
في سالم من شأنه الظهور.
وآخرون فيه قالوا مَفعَلة.
كما تقول في الصحيح جملة.
ثم صنف الحريري المتوفى سنة 512 ه " أرجوزته النحوية "ملحة الإعراب " في ثلاثمائة وخمسة وسبعين بيتا، منها :
أقول من باب افتتاح القول.
بحمد ذي الطول شديد الحول.
يا سائلي عن الكلام المنتظم.
حدا ونوعا وإلى كم ينقسم.
اسمع هديت الرشد ما أقول.
وافهمه فهم من له معقول.
حد الكلام ما أفاد المستمع.
نحو : سعى زيد وعمرو متبع.
ومع أن ملحة الإعراب لم تنل حظا كبيرا عند الدارسين المعاصرين مثل
ألفية ابن مالك، فإن لها شروحا كثيرة، منها : شرح الحريري نفسه، وشرح لابن
مالك المتوفى سنة 672 هـ .
وبعد الحريري نظم الحسين بن أحمد بن خيران البغدادي المتوفى سنة600 هـ متنا في النحو، ثم تتابعت المتون النحوية المنظومة حتى وصلت ذروتها في القرن السابع الهجري أثناء عصر المماليك، واتسعت رقعتها وكثر الناظمون لها، وكان من أبرزهم ابن معط وابن الحاجب وابن مالك، ومنظومة ابن الوردي في مائة وخمسين بيتا واسمها "التحفة
الوردية "، وأرجوزة في حكم "لو" لتقي الدين السبكي المتوفى سنة 753 هـ وألفية في النحو لعبد العزيز اللمطي المكناسي المتوفى سنة 880 هـ ، وألفية في النحو والتصريف والخط لجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ إن هذا الثبت الذي تضمن أهم المنظومات في عصر المماليك يدل على نجاح هذه المنظومات ورواجها، وأنها أصبحت مناط الاهتمام تصنيفا وتعليما آنذاك .
وقد تصاعد هذا النجاح في عصر العثمانيين من الكم، ولكن المنظومات العثمانية لم تلق الرواج الذي لاقته المنظومات في عصر المماليك، ومع ذلك فقد كان فيها الجيد المفيد والطريف المبتكر، مما كان ومازال محل اهتمام الدارسين آنذاك وحتى اليوم، ومن أشهر المتون النحوية المنظومة في عصر العثمانيين :أرجوزة لعصام الدين بن عربشاه الاسفراييني المتوفى سنة 951 هـ باسم " الألغاز النحوية" ومنظومة لشرف الدين العمريطي، فرغ منها سنة 972 هـ ، وسماها "الدرة البهية في نظم الأجرومية "، ومنظومة إبراهيم الكرمياني المشهور بشريفي المتوفى سنة 1011 هـ سماها "الفرائد الجميلة" وهي نظم لشافية ابن الحاجب .
- ما الكلمة الاصطلاحية التي اتّخذت للشعر التعليمي ؟ وما هو الشّعر التعليمي ؟
- متى فكّر العرب في نظم الشعر التعليمي ؟ لماذا ؟
- ما هي أشهر المتن الـتّي نظّمت في عهد المماليك ؟ وفي عهد العثمانيين ؟
- قارن بين ما نظّم في عصر المماليك و ما نظّم في عصر الأتراك ؟
- الكلمة الاصطلاحية التّي اتخذّت للشعر التعليمي هي المتن المنظوم والشعر التعليمي هو نوع من أنواع الشعر يتَضّمن تعبيرا عن علم من العلوم بطريقة شعرية قصد تيسير و تسهيل تعلّمه و حفظه في الذّاكرة و هو بمثابة النثر العلمي ما دام يسجّل حقائق العلوم بمصطلحات علمية .
- فكر العرب في نظم الشعر التعليمي في القرن 2 هجري لأنهم أقبلوا على التعلم والثقافة فوجدوا أنفسهم في أمس الحاجة إلى تصنيف يساهم على حفظ المعلومات ونقلها فاستعانوا بتلك المتون .
- يرى الكاتب إنّ ما نظّم في عهد المماليك لاقى نجاحا وتصاعدا مما نظم في عهد الأتراك .
- عرف الشعر التعليمي رواجا في عصر المماليك إذ كثر التصنيف فيه أما في عصر العثمانيين لم يلق هذا الفن الرواج الذي عرفه في العصر الأول إلا انه تميز بالجودة و الإفادة و الابتكار و مازال محل اهتمام الدارسين إلى يومنا .
- هل ترى أنّ الشعر التعليمي يساعد على حفظ العلوم فعلا ؟ علّل .
- لماذا كان لعلم النّحو القسط الأوفر في المنظومات التعليمية ؟
- في أيّ مجال علمي تصنف الآبيات :
في الماء سرّ عظيم لا يحسّ به | إلاّ العليم العارف الفطن |
فمرّة في تجاويف العروق دم | وتارة في الشراب سائل لبن |
- نعم الشعر التعليمي يساعد على حفظ العلوم فعلا كالنّحو و الصّرف ، لأنّه وسيلة مشوقّة للتّعلّم على اعتبار أن الشعر بما فيه من وزن موسيقي يساعد على الحفظ، و يثير في النفس اللذة والاستمتاع عكس النثر
- .
- كان لعلم النحو القسط الأوفر في المنظومات التعليمية لأنه في ذلك العصر توالى الحكم على يد الأعاجم و خوفا من ضياع اللّغة العربية راح الشعراء ينظمون في هذا المجال .
- أصنف الأبيات في مجال ( العلوم الطبيعية ) لأنها تتحدّث عن تشكل الماء دما - حليبا - لبنا .
- على ماذا يدل اهتمام العرب بضبط علومهم في شكل منظومات شعرية ؟
-
ما هي خصائص الشّعر التّعليميّ ؟
- يدل اهتمام العرب بضبط علومهم في شكل منظومات شعرية: على اتساع معارفهم و تنوع ثقافتهم وازدياد إقبالهم على التّعلم وإحساسهم بحاجة إلى نوع من التصنيف يعينهم على حفظ المعلومات ونقلها، كما يدل على تمكنهم ومعرفتهم الكاملة بفنّ الشعر وعلم العروض و امتلاك ناصيتها .
- خصائص الشعر التعليمي : نظم العلوم والمعارف شعرا - الموضوعية-الأسلوب المباشر- انعدام الخيال - الاعتماد على الحقائق العلمية والمعرفية - الاعتماد على البحور الخفيفة .