الأخلاق بين النسبي و المطلق
نقول عن الإنسان أنه كائن أخلاقي لأنه الكائن الوحيد الذي يستند فعله إلى قاعدة أخلاقية تحدد ما يجب أن يكون عليه هذا السلوك، وهو الكائن الوحيد الذي يملك ضميرا، يحكم على أفعاله وأفعال غيره فينزل بها قيمة أخلاقية، أي يحكم على الفعل كما يجب أن يكون بالنظر إلى معايير محددة للفعل الأخلاقي، أي بالنظر إلى مفهوم محدد للفعل الأخلاقي.
فهل الخلاق ثابتة وواحدة أم أنها متعددة ؟
يشكل الدين بعدا أخلاقيا نستند إليه في تقويم أفعالنا الخلقية، فهو يحدد الخير والشر، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إن الأخلاق التي دعى إليها الإسلام هي أخلاق ثابتة، واحدة لأنها تصلح للإنسانية جمعاء وتتماشى مع كل زمان، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة للإحسان، إنما هي قيم إنسانية يستحبها المسلم وغير المسلم، وما يؤكد هذا قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
وقد اتفق مفكروا الإسلام على أن مصدر التكلف هو الله عز وجل لذلك قالوا: " الحكم هو خطاب الله المتعلق بأفعال العباد المكلفين وإن اختلفوا فيمن يعرفنا بهذه الأحكام وخصوصا المعتزلة والأشاعرة".
يرى هؤلاء أن مقياس القيمة الأخلاقية قائم في طبيعة الأفعال وأن عقل الإنسان قادر على إدراك الخير والشر قبل ورود الشرع، والعبد محاسب على أفعاله حتى قبل ورود الشرع إذا عمل على غير ما رأى، ذلك أنه لو لم يكن الحسن والقبح ذاتيين ومعلومين قبل ورود الشرع لاستحالت معرفتهما عند ورود الشرع و لكان الشرع واردا بما لا يعقله الإنسان ويتصوره ولو كانا مكتسبين من الشرع لما أمكن استعمال العقل في المسائل التي لم يرد فيها نص شرعي.
يرى هؤلاء أن مقياس الأخلاق قائم في إرادة الله لأن الحسن والقبح شرعيان يأمر بهما الشرع والدليل على ذلك، لو كانا ذاتيان لكانا دائما في الأفعال دون أي شرط، في حين أننا نرى أن الشيء أو الفعل الواحد قد يكون حسنا في مواضع ويكون قبيحا في مواضع أخرى، كما قد تأتي بتحسين شيء وتأتي شريعة أخرى فتجعل نفس الشيء قبيحا أو العكس.
إن الواقع كما يعيشه الإنسان لا يستطيع أن يقدم إجابات كافية عن تساؤلات الإنسان الأخلاقية (ما الفضيلة، ما الخير ...) لذا كان الإنسان مضطرا لتجاوز الواقع بواسطة التأمل العقلي محاولا الوصول إلى كل هذه الإجابات وبهذا أقيمت الأخلاق على أساس العقل وهكذا نشأت الأخلاق النظرية وهي عبارة عن مثل عليا ندركها بواسطة العقل وقد دعى إليها أفلاطون في نظرية المثل، إذ يرى أن اختيار الأفعال الخلقية صادر عن القوة العليا في الإنسان، وهي القوة الناطقة أما كانط Kant، يرى هو الآخر أنها صادرة عن العقل وهي تقوم كلها على قاعدة الواجب الأخلاقي القائم على مسلمة الإرادة الحرة وهي تقوم على ثوابت هي:
اعمل كما لو كنت تريد أن يكون عملك قانونا عاما.
عامل الإنسانية في شخصك.
اخضع للقانون: فإذا كان هذا القانون نابع من إرادتنا فعلى إرادتنا أن تخضع له باعتبار هذا القانون هو الواجب النابع من شعورنا.
ويعطي كانط هذا القانون اسم الواجب الأخلاقي ويعطيه صفات تحدد ماهيته كواجب أخلاقي يختلف عن الواجب الاجتماعي في مفهومه.
- فهو الأمر المطلق الصادر عن العقل والمتحرر والمنزه والمتعالي عن الأهواء والرغبات.
- هو الذي نقوم به لذاته لا لما ينطوي عليه من منافع.
- هو الذي يتضمن إلزام داخلي بحيث نشعر من تلقاء أنفسنا بضرورة القيام به.
هو المرتبط بالنية والإرادة، فالخير هو ما سبقته نية الخير والشر هو ما سبقته نية الشر، ذلك أن قيمة الفعل تتحدد النية التي تسبقه وليس حسب الفعل ونتائجه
من الموقفين الديني والعقلي نفهم أن الأخلاق والقيم الأخلاقية واحدة ولا يمكن أن تختلف من شخص إلى آخر ولا من مجتمع إلى آخر، فكيف نفسر إذا اختلافها من أمة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر؟
لقد حاول بعض علماء الاجتماع إرجاع الأخلاق إلى علم الاجتماع ودراستها دراسة موضوعية مثلما تدرس بقية الظواهر الاجتماعية، واعتبروا القيم الأخلاقية واجبات يصنعها المجتمع ويلزم بها أفراده حتى يحد من أنانيتهم ويتحلوا بالغيرية (أي الشعور بوجود الغير وحاجتهم إليه).
ويعتبر دور كايم Durkheim، أحذ ممثلي هذا الاتجاه. فهو يرى أن القيم الأخلاقية خارجة عن الفرد فهي نابعة من المجتمع وليست نابعة من ذاته لكنها تفرض عليه ولا يملك الخيار في أن يمتثل لها أم لا يشارك فيها الكل حتى وإن كان البعض يستنكرها وفي هذا يقول: "عندما يتكلم الضمير الفردي فينا فإن الضمير الجمعي هو الذي يتكــلم" ويقول كذلك: "الضمير الفردي نسخة طبق الأصل للضمير الجمعي".
ويؤيده في هذا ليفي برول Lévy-Bruhl، الذي يرى أن القيم الأخلاقية ليست سوى مظهر لمعتقدات الجماعة وعلومهم وفنونهم، فلا وجود للأخلاق بل توجد عادات خلقية يتلقاها الفرد عن طريق التربية وهذا ما يفسره اختلافها من مجتمع إلى آخر لأنها ليس مبادئ بل سلوكيات متغيرة.
يرى أصحاب النزعة المادية (النفعية) أن الإنسان إنما يتحرك لجلب منفعة أو لدفع ضرر، وكل أفعالنا تنطلق من معادلة اللذة والألم ومنه فإن معيار القيمة الأخلاقية هو مبدأ اللذة والألم.
يعتبر ارستيب القورينائي أول من أنشأ هذا الاتجاه في قولـه: "اللذة هي الخير الأسمى وهي مقياس القيم جميعا ... هذا هو صوت الطبيعة فلا خجل ولا حيــاء، وما القيــود إلا من وضع العرف"
ثم جاء أبيقور Epicure، الذي يرى أن الإنسان كائن غريزي ومبدأ الغريزة هو اللذة وعلى هذا فهو يطلب اللذة وينفر من الألم بطبعه ومنه فما يحقق له لذة يعتبره خير وما يحقق له ألم يعتبره شر، إلا أنه ليس كل لذة خير وليس كل ألم شر، بل المقياس هنا هو النتيجة ولذا فقد تكون اللذة شر والألم خير إذا كانا يحققان عكس النتيجة المرجوة والمنتظرة، فاللذة التي نهايتها ألم ليست خير والألم الذي نهايته لذة ليس شر، هذا ويميز أبيقور بين نوعين من اللذات.
لذات مزيفة، مؤقتة يمكن للإنسان أن يستغني عنها مثل لذة الشهرة، والشرف والمجد لأنها سرعان ما تزول.
لذات حقيقية: وهي الدائمة حتى ولو كانت بقليل من الخبز والماء وأفضل اللذات هي سلامة الجسد وسكينة النفس.
ومن ممثلي هذا الاتجاه كذلك بنتام الذي ينطلق من أن الإنسان أناني بطبعه وهو يحب دائما المزيد من المنفعة وكل سلوك يقوم به تولده طبيعته، فهو لا يقوم باي سلوك بدافع الإلزام بل بدافع الرغبة وهي تحقيق السعادة بأية وسيلة.
من الموقف الاجتماعي والمادي النفعي نفهم أن الأخلاق متغيرة ونسبية، إما لأنها نابعة من المجتمع وهو متغير من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر وليس لإرادة الإنسان وعقله دور في إنشائها ولا في توجيهها ولا في تصحيحها، وإما لأنها نابعة من طبيعة الإنسان وهذه الطبيعة متغيرة من فرد إلى آخر وقد تكون متغيرة من حين إلى آخر، فكيف نفسر إذا اتفاق الناس حول بعض القيم الأخلاقية كالعدل والإحسان والتسامح التي تعتبر قيم إنسانية عالمية.
رغم تعدد المذاهب الأخلاقية فإن الاختلاف بينها هو اختلاف في المنطلقات فقط، لكنها تتفق في الغاية القصوى وهي الفضيلة من خلال قيمة السلوكيات بذاتها حيث أن القيم الحسنة مثل العدل والتسامح والإخلاص والأمانة وغيرها هي قيم أخلاقية تتفق حولها كل المذاهب وكل الأمم، كما تتفق بالنسبة للقيم القبيحة والسلبية غير المرغوب فيها كالأنانية والكذب والغش والسرقة.
إن القيم الأخلاقية كلها مهما تعددت المذاهب تهدف إلى الرقي بسلوك الإنسان إلى أعلى مراتب الإنسانية من خلال تمسك الإنسان بمكارم الأخلاق التي تجعله يتجاوز المسائل والمشاكل المرتبطة بالحياة اليومية التي يتسبب الوقوف عندها في الشقاق والخصام فينزل بذلك الإنسان إلى ما دون مستواه.
مما سبق نستنتج أنه من جهة الأخلاق ثابتة، مطلقة لأن كل الفلاسفة والأديان متفقون على أن مبدأ القيمة الأخلاقية هو الخير والشر وعلى أساسهما تقاس الأفعال وتقيّم ومن جهة أخرى هي متغيرة نسبية لأن مفهوم الخير والشر قد يختلف من مجتمع إلى آخر ومن زمن إلى آخر.
وعليه نقول إن الأخلاق ثابتة في مبادئها، متغيرة في تطبيقاتها.
- إختبارات
- 30
- الأجوبة الصحيحة
- False
- الأجوبة الخاطئة
- False
- مجموع النقاط
- False
المراتب الخمس الأولى في Quiz
- asma zouaoui
- 305 نقطة
- kevin Prince
- 217 نقطة
- Zizou Hani
- 200 نقطة
- Ammour Nawel
- 200 نقطة
- la prensesse mira
- 197 نقطة
- سامي الموات
- 197 نقطة
- nouar nouar
- 177 نقطة
- sarah sara
- 177 نقطة
- ليدية مسوسي
- 177 نقطة
- JE Suis LA Mohamed
- 177 نقطة