في الحقوق و الواجبات و العدل
إذا كان العدل غاية أخلاقية تنشدها أغلب المجتمعات خاصة المعاصرة وكان العدل يقوم على أساس الحقوق والواجبات فكيف يتحقق؟
هل يتحقق بتوفير الحقوق وحدها؟
أم بفرض الواجبات وحدها؟
أم بالمساواة بين الحقوق والواجبات؟
وإذا كان يقوم على المساواة بين الحقوق والواجبات فهل يقوم على المساواة المطلقة أم على المساواة النسبية؟
إذا كانت حياة الحيوان تقوم على أساس الغريزة وحدها فإن الإنسان ولأنه كائن اجتماعي، يعيش وفق قوانين تسمح له بالتعايش مع غيره.
فما هو القانون وما هي أنواعه؟
القانون: هو مجموعة القواعد المفروضة على الإنسان، تهدف إلى تنظيم الحياة الاجتماعية وهو أنواع:
- القانون الوضعي: من وضع الإنسان، هدفه تنظيم الحياة الاجتماعية.
- القانون الشرعي: هو مجموعة الأوامر والنواهي المنزلة من الله إلى عباده، يرشدهم إلى الصراط المستقيم هدفها واحد، هو تحقيق العدل من خلال التحديد للإنسان ماله وما عليه أي حقه من واجبه، فما هو الحق وما هو الواجب؟
الحق -Le Droit: هو كل ما يجوز امتلاكه أو المطالبة به في إطار قاعدة أخلاقية أو وضعية وهو نفسه أنواع.
- الحق الطبيعي: هو الحق المبني على أساس طبيعة الإنسان، كحقه في الحياة، في الهواء، في الماء، في التناسل.
- الحق الأخلاقي: هو الحق الناجم عن العادات والتقاليد كحق الكبار على الصغار، وحق الآباء على الأبناء.
- الحق الاجتماعي: هو كل ما يمنحه المجتمع لأفراده من حقوق اعتمادا على قواعد وضعية مثل حق العمل، حق التعليم، حق السكن ...الخ.
الواجب-Le Devoir: هو كل ما يجوز أو يسمح للغير مطالبتنا به في إطار قانون أو قاعدة وهو أنواع:
- الواجب الأخلاقي: هو مجموعة الأوامر والنواهي التي تصدر عن الضمير الأخلاقي وهو إلزام داخلي نفرضه على أنفسنا بمحض إرادتنا، يسميه كانط " الأمر المطلق " تركه يؤدي إلى مفسدة.
- الواجب الاجتماعي: هو إلزام يفرضه علينا المجتمع، لا نستطيع رفضه لأن فيه مس بحقوق الآخرين وهو جزئين.
- الواجب العرفي: هو تلك الواجبات التي يمليها المجتمع والتي لا تضبطها قوانين بل تحتكم إلى العادات والتقاليد.
- الواجب القانوني: هو مجموعة القواعد القانونية التي تلزم بها الدولة أفرادها وتجبرهم بها بحيث يقتضي تركه العقاب، قانون المرور مثلا.
إذا كان العدل عند أرسطو هو إعطاء كل ذي حقه وكان عند أفلاطون أداء الفرد لواجبه وامتلاكه لما يخصه فكيف نحلل هذه الوضعية؟
المشكل هنا هو مشكل أسبقية أحد الموضوعين على الآخر، الحق على الواجب أم الواجب على الحق، إن هذا الطرح ليس عفويا بل هو طرح مشروع وله دلالة كبيرة، ذلك أننا أمام مشكلة كبيرة وهامة تتعلق بكيفية تحقيق العدالة في المجتمعات، فقد تساءل المفكرون هل يبدءون بإعطاء الحقوق أولا أم يبدءون بفرض الواجبات أولا؟
لم يتفق الفلاسفة والمفكرون حول العنصر المحوري للعدالة هل هو الحق أو الواجب؟
إذا كان فهم العدالة على أنه إعطاء كل ذي حق حقه فإن هذا يجعلها ترتبط بالحقوق أكثر ما ترتبط بالواجبات لأن:
- الحق معطي طبيعي: فالإنسان يولد بمجموعة من الحقوق الطبيعية فهو يولد حرّا على حد قول عمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" ثم يأتي لهذه الدنيا ليعيش وهذا الحق في الحياة هو الآخر يتوقف على حقه في الماء والهواء والتناسل والحرية حتى يحي ويعيش حياة كريمة تليق بإنسانيته.
- ثم أن وجوده كفرد بحقوقه الطبيعية سبق وجود الدولة كهيئة اجتماعية.
- كما تثبت هذه الأسبقية إعلان هيئة الأمم المتحدة عن ميثاق حقوق الإنسان الذي صرح بـ 17 مبدأ أعلن فيه حقوق الإنسان وجعلها دستورا للحياة الاجتماعية والسياسية (1731).
لكن طغيان الحقوق على الواجبات يؤدي إلى تناقضات واضطرابات وينعكس سلبا على المجتمع وعلى وظائف الدولة السياسية والاقتصادية وغيرها، فهل نفهم لهذا أنه يجب أن تقدم الواجبات على الحقوق.
تنظر الفلسفة العقلية نظرة مغايرة، إذ تضع الواجبات في المقدمة دون أن تعير اهتمام للحقوق.
- فقد أقام كانط Kant، الأخلاق على أساس فكرة الواجب غير المشروط وعده محور الحياة الأخلاقية كلها، حيث بمقتضى هذا الواجب يقوم سلوك الإنسان بدافع الإلزام فقط دون انتظار مقابل.
- كما يؤكد أوجيست كونت – A. Comte، مبدأ أولوية التفكير الوضعي على التفكير الميتافيزيقي على أولوية الواجبات على الحقوق، حيث يرى أنه يجب إلغاء كلمة حق من القاموس السياسي، فكل فرد له واجبات يؤديها وليس له أي حق بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة لأن مجرد المطالبة بالحق هو فكرة منافية للأخلاق لأنها تفترض طابع الفردية والأخلاق في حقيقتها ذات طابع جماعي.
- لأن واجبات كل فرد تساهم بشكل كبير في تسيير عجلة التطور والتقدم وهذا التطور يؤدي بدوره إلى توفير الحياة التي تكون فيها الحقوق ثابتة ومصانة، وكلما تخلى الإنسان عن الواجبات كلما انتشرت الفوضى وكلما تلاشت الحقوق.
- لأن القيام بالواجبات يوفر حجة قوية للمطالبة بالحقوق.
إذا أسسنا العدالة على الواجبات وحدها تكون عدالة مبتورة إذ كيف نقبل عدالة تغيب فيها حقوق الإنسان ومن جهة أخرى فإن القيام بالواجب على أتم وجه لا يعني الحصول على الحقوق بطريقة تلقائية، هذا بالإضافة إلى أنها فكرة لا تتماشى مع طبيعة الإنسان.
إن علاقة الحق بالواجب هي علاقة بين ما يطلبه الفرد من المجتمع وما يطلبه المجتمع من الفرد، لذا يجب أن نحدد بدقة واجبات الأفراد وحقوقهم، فلا يبالغ المجتمع في فرض الواجبات كما لا يبالغ في منح الحقوق بل يجب أن تكون الموازنة بين كل ما يطلب منه وما يعطى له، كما أن الفرد في حد ذاته يجب أن يعرف حقوقه من واجباته فلا يهمل واجباته حتى يصون ويحفظ حقوق غيره كما لا يجهل حقوق فيستغل باسم الواجب.
مما سبق نفهم أن العدل يقوم على مراعاة التناسب بين الحقوق والواجبات ومن هنا فإن العدالة الاجتماعية التي تنشدها المجتمعات تتحقق على مبدأ المساواة فهل هي تقوم على المساواة المطلقة؟ بمعنى آخر هل يجب أن نسوي بين الأفراد مساواة مطلقة دون مراعاة اعتبارات أخرى قد تجعل منهم في الأصل أفراد غير متساوون أم نراعي هذه الاعتبارات وبالتالي لا يمكن أن نسوي بينهم مساواة مطلقة؟ .
اختلف الفلاسفة حول هذا المشكل بين من يقيم العدل على المساواة المطلقة ومن يقيمها على التفاوت الموجود بين الناس.
إن التفاوت مبدأ حقيقي لذا فإن العدالة لا يمكن أن تؤسس خارجه، وهذا ما ذهبت إليه بعض الآراء:
- حجة علمية: يثبت علم الوراثة أن الناس يولدون بقدرات واستعدادات طبيعية مختلفة سواء من الجانب الجسمي أو النفسي أو العقلي، فهناك القوى البنية والضعيف، الذكي وغير الذكي ...الخ.
- وفي هذا يقول أ.كاريل-A. Carrel: "فبدل من أن نحاول تحقيق المساواة بين اللّامساواة يجب أن نوسع دائرة هذا الاختلاف وننشئ رجال عظماء" ويضيف إلى نه يجب أن نساعد الذين يمبلكون أفضل الأعضاء أنه يجب أن نساعد الذين يملكون أفضل الأعضاء والعقول على الارتقاء اجتماعيا.
حجــة واقعيــة: إن إرادة الأفراد في العمل وقيمة الجهد المبذول من طرفهم ليست واحدة.
حجة فلسفية: ذهب قديما أفلاطون-Platon، في جمهوريته الفاضلة إلى تقسيم المجتمع إلى 03 طبقات: طبقة الحكام (الفلاسفة) طبقة الجند وطبقة العبيد (الصناع) وهذا التقسيم قائم على أساس القدرات والمواهب حيث تقابل مستويات النفس الإنسانية، النفس العاقلة (الطبقة الأولى)، النفس الغضبية (الطبقة الثانية) والنفس الشهوانية (الطبقة الثالثة).
والدولة عليها مراعاة هذه الفروق في توزيع الحقوق.
كما دعى أرسطو-Aristote إلى ضرورة احترام التفاوت الموجود بين الناس لكونه حتمية طبيعية والعمل بمقتضاه، فالعدل يوجب أن يوضع كل فرد في مكانه الطبيعي، فالعبد ولد عبدا ولهذا فهو لا يصلح إلا للعبودية، ونلاحظ في نظريته هذه أنه ميز بين 03 أنواع من العدل.
العدل في المبادلة (العدالة التعويضية). والعدل في القصاص، نراعي فيهما المساواة المطلقة بين ما يأخذ الإنسان وما يعطيه في المقابل في الأولى والمساواة بين الجرم والعقاب في الثانية.
أما بالنسبة للعدالة التوزيعية فإن الأساس هو المساواة النسبية بين الأفراد بحيث يجب أن نراعي قدراتهم وكفاءتهم وفعاليتهم الإنتاجية وما بذلوه من جهد في ذلك فيصبح المقياس هنا هو الاستحقاق طبقا للكفاءة والاستعدادات الطبيعية.
أما حديثا فيؤكد هيغل على مبدأ التفاوت لكن ليس على مستوى الأفراد بل على مستوى الأمم، فالأمة التي تصل إلى الفكرة المطلقة يحق لها أن تملك الحقوق وتسيطر على العالم ومن واجب الأمم الضعيفة الخضوع لها، فللقوي الحق على الضعيف الواجب.
ثم جاءت الأيديولوجية الرأسمالية لتنطلق هي الأخرى من مبدأ التفاوت لتأسيس العدالة، فالتفاوت الطبيعي مكّن البعض من القدرة على تكوين ملكية فردية، التي أصبحت بعد ذلك حق لهم، ووجودها لدى البعض يقتضي عدم وجودها لدى البعض الآخر وهكذا انقسم المجتمع إلى طبقة تملك وأخرى لا.
إذا كان التفاوت الطبيعي حقيقية لا يمكن إنكارها فلا يجب أن يكون ذريعة للتفاوت الاجتماعي.
لقد جعل العديد من المفكرين من مبدأ المساواة الأساس الذي تستند إليه العدالة:
حجة دينية: حديث الرسول عليه الصلاة والسلام "كلكم لآدم وآدم من تراب" وكذلك: "الناس سواسية كأسنان المشط".
حجة فلسفية: يقول الخطيب الروماني شيشرون – Cicéron: "الناس سواء، وليس شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان".
ويقول هوبز – Hobbes: " لقد سوت الطبيعة بين الناس في قوامهم الجسمية والعقلية".
ثم تأتي الأيديولوجية الاشتراكية في العصر الحديث لمحاربة الرأسمالية وإقامة العدالة على المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات عن طريق إقرار الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.
إن مبدأ المساواة المطلقة قد يكون ظلم وإجحاف في حق البعض، كما أنه لا يساير ولا يتماشى مع الطبيعة البشرية، فالناس إن كانوا متساوون في الخِلقة والكرامة فإنهم متفاوتون في المواهب والقدرات والجهد المبذول ومن الظلم أن نسوي بينهم، وهذا ما تفطن إليه البعض مثل تشارل فورريي – Fourrier، مما استدعى إعادة النظر في مبدأ المساواة المطلقة مبدأ للعدالة
إذا كانت العدالة لا تقوم على المساواة المطلقة لأنها تتعارض مع الطبيعة البشرية ولا تقوم على التفاوت لأنه أمر مصطنع، استغل للتسلط والقهر وحتى الاستعمار فعلى ما تقوم إذا؟
إن العدالة كقمة أخلاقية كبرى تتسع لتشملهما معا، لكن في انسجام لأن العدالة الحقة هي التي تجمع بين المبدأ والتطبيق، وتقوم على مبادئ موضوعية تعكس ممارستها الواقعية وهذه المبادئ هي:
تكافؤ الفرص: بمعنى منح جميع أفراد المجتمع نفس الفرصة وفي جميع الميادين والمجالات دون النظر إلى وضعيتهم الاجتماعية ولا إلى فروقهم الفردية.
الاستحقاق والكفاية: تقوم العدالة على أساس الاستحقاق طبقا للكفاءة والجهد ولكن من جهة أخرى لكل حسب ما يكفيه، حتى لا يصبح لدى البعض فائض وبالتالي فرق بينهم وبين غيرهم.
مقاومة الاستغلال: أي منع استقلال الإنسان للإنسان، ولمقاومة هذا الاستغلال يجب أن تكون العدالة أسمى من أن تتوقف عند حد تطبيق القانون لأن القانون قد يكون وسيلة للاستغلال، لذا وجب تغييره إذا لم يحقق العدالة.
يقوم العدل على المساواة النسبية التي تجمع بين المبدأ وبين التطبيق ولتحقيقه على أفضل وجه يجب أن تتخذ الدولة من الإنسان غاية وليس وسيلة طالما أن الدولة هي المكلفة بهذه المهمة.
- إختبارات
- 31
- الأجوبة الصحيحة
- False
- الأجوبة الخاطئة
- False
- مجموع النقاط
- False
المراتب الخمس الأولى في Quiz
- Junior Zak
- 240 نقطة
- سامي الموات
- 208 نقطة
- zineddine bareche
- 200 نقطة
- عبد الكريم سيف النصر بوحادة
- 200 نقطة
- nacera hamdani
- 200 نقطة
- Boutaina Guennouni
- 200 نقطة
- houda houda
- 200 نقطة
- kevin Prince
- 200 نقطة
- madridista bari
- 197 نقطة
- imen ghoubali
- 195 نقطة