في العلاقات الأسرية و النظم السياسية و الإقتصادية
كيف نفسر تأخر مجتمعنا وتقدم مجتمعات أخرى رغم ما نملكه من ثروات طبيعية لا يتوفرون عليها هم؟ هل لهذه الوضعية علاقة بالشغل وما يترتب عنه من نتائج خاصة تطور الأنظمة الاقتصادية وإذا كان المر كذلك السبيل إلى الخروج من هذه الوضعية؟
نظر لأهمية الشغل كظاهرة إنسانية فقد اهتم به الكثير من الفلاسفة.
عرفه أوجست كونت : "هو التغيير النافع للمحيط الخارجي من طرف الانسان".
وعرّفه برودون "هو الفعل الإنساني المسلط على المادة وهو ما يميز فينظر عالم اقتصاد الانسان عن الحيوان، فتعلمنا الشغل هو غايتنا على الأرض".
رغم اختلاف التعريفات لكنها تتفق كلها على طبيعة الشغل :
- فهو جهد عضلي فكري تتلاءم من خلاله الجسم والفكر. فالجهد حتى وإن كان عضلي فإنه لا يخلو من الفاعلية الذهنية على خلاف نشاط الحيوان العضلي المحض.
- يؤثر به على الطبيعة ويغير به من وجهها بطريقة إرادية، مقصودة. فهو يبث فيها الروح إذ يحولها من مادة خام إلى منتوج مصنوع صالح للاستعمال وله أثر نافع ومفيد للإنسانية.
- كما يغير به الانسان من طبيعته وينمي الملكات الذهنية الكامنة فيه.
- هو خاصية إنسانية لأنه لا يمكن تسمية حركات ونشاط الحيوان بالشغل لأنه فطري غريزي، ثابت متحجر، لا يغير به من وجه الطبيعة كما لا يغير به من طبيعته، يهدف إلى تحقيق الحاجة الحيوية، البيولوجية فقط بالإضافة إلى أنه خالي من الوعي والقصد والتخطيط والهدف. في حين يتعدى نشاط الانسان البعد البيولوجي إلى أبعاد أخرى لها علاقة بالوجود الإنساني.
- الشغل هو ذلك الجهد الذي يقوم به الانسان والموجه لإنتاج أثر نافع.
اختلف مفهوم الشغل من عصر لآخر:
- كان في القديم عنوان للعبودية لأنه يؤلم الجسد ويتعبه ويشد الانسان إلى الأشياء المادية مثلما كان الحال عند اليونان حيث اعتبره ارسطو خزي ولا يمكن أن يكون إلا من نصيب العبيد وكذلك كان مفهومه عند الرومان.
- ثم جاءت العقيدة المسيحية لتؤكد ذلك وذهبت إلى أنه نوع من العذاب عاقب الله به الانسان بعد ما حدث من آدم عليه السلام في الجنة.
- لكن الإسلام جاء ليحث على العمل والكسب الشريف حيث قال تعالى في سورة الجمعة آية10:"فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون". وكذلك حديث الرسول عليه الصلاة والسلام:" ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده"
ولهذا حث الإسلام على تحرير الرقاب تقربا من الله إن غير رأي الناس في العمل العضلي وحببه إليهم وبهذا فقد أضفى عليه الجانب الإنساني الذي يحفظ كرامته ويصون قيمته.
إن هذا التطور التاريخي للشغل تمخضت عنه عدة نتائج:
إن أوَّل عملية اقتصادية ظهرت في التاريخ هي علاقة تبديل بضاعة بأخرى. وهذا ما يعرف بالمقايضة. ويقتضي هذا وجود جماعتين مختلفتين وهذا ما أدى بالأفراد إلى محاولة زيادة وتطوير الإنتاج حتى يحصلوا على فائض من الإنتاج يمكنهم من أن يتبادلوا به مقابل أشياء لا ينتجونها.
ظهرت كنتيجة حتمية للإنتاج من أجل المبادلة في صورة ملكيات ضخمة وهذا في العصر الاقطاعي أما في العصر البرجوازي فصار نشاطها متميزا في التجارة والبنوك وتبادل النقود والتحكم في الصادرات والواردات حيث أصبحت الثروة هي الغاية التي يسعى إليها الأفراد.
كانت في البداية مشاعة بين أفراد العشيرة أو القبيلة لأن العمل كان مشتركا وكذلك وسائل الإنتاج وكان الناس متضامنين تضامنا تلقائيا نظرا لحاجتهم إلى بعضهم البعض ومع تطور الشغل ظهرت أنواع أخرى من الملكية وهي الملكية الفردية والملكية الجماعية.
لقد استطاع الانسان بعمله أن يؤثر على الطبيعة بواسطة وسائل الإنتاج التي صنعها بعمله وبهذا يعتبر العمل مصدر الإنتاج الحضاري إذ لا توجد حضارة قامت بغير العمل الفكري واليدوي الذي تطور عبر العصور والذي مكن الانسان من السيطرة على الطبيعة أكثر فأكثر.
إذا كان كل نشاط موجه للإنتاج وكان الإنتاج موجه للاستهلاك فإن هاتين العمليتين تشكلان ما يعرف بالتنظيم الاقتصادي الذي اختلفت أنماطه باختلاف العلاقة بين عمليتي الإنتاج والاستهلاك.
وأشهر دعاته آدم سميث.
- الملكية الفردية لوسائل الإنتاج.
- حرية التملك.
- حرية التنافس.
- يقوم على رؤوس الموال.
- هدفه الربح.
يدعو إلى عدم التدخل الدولة في تسيير الشؤون الاقتصادية لأن هناك قانون طبيعي هو الذي يحكم السوق وهو قانون العرض والطلب سواء فيما يخص الأسعار أم الأجور.
بل يرى أن مهمة الدولة هي حماية الملكية الفردية وضمان الحرية الفردية باعتبار أن الحرية الاقتصادية هي الأساس الذي تنبثق منه كل الحقوق والقيم.
- وفرة الإنتاج
- الجودة
- يسمح بتفجير الطاقات النفسية والإمكانيات.
- وسيلة للحصول على مردود اجتماعي في أعلى طبقاته (الرفاهية).
- الحرية الاقتصادية حق انساني يترجم كرامة الانسان ويعبر عن وجوده الطبيعي.
- يمجد الفرد ويهمل الجماعة، يحلل الملكية الفردية ولا يضع لها حدودا مما أدى إلى اغتناء الأغنياء اغتناء فاحشا على حساب العمال الذين يشكلون الأغلبية.
- يبرر التفاوت الاجتماعي.
- نظام استغلالي: فهو يشتري من العمال قوة عملهم بأجر زهيد لا يساوي الجهد المبذول. إذ العامل مضطر للتنازل عن جزء من قيمة العمل الذي بذله وهذا ما يسميه ماركس-فائض القيمة.
- الحرية التي نادت بها الرأسمالية مجردة من كل القيم الروحية والخلقية فهي تضر بالنشاط الاقتصادي الذي يجب ان تنشطه حرية التبادل والمنافسة.
- الاستلاب، حيث أصبح العامل وسيلة إنتاج في يد صاحب المال، غريب عن إنتاجه، فسُلِبت بهذا حريته بعد أن سلبت حقوقه إذ فقد حرية العمل وحرية مناقشة الأجور خوفا من الفقر والبطالة ومنه سلبت إنسانيته كلها.
و لما بلغت الرأسمالية قوتها، تحولت إلى توسيع استعماري يلتهم خيرات الشعوب المتأخرة في هذا الوقت ظهرت الماركسية كفكر اقتصادي بالدرجة الأولى وأيدولوجية سياسة غايتها الإطاحة بالنظام الرأسمالي.
يرى أصحابه ماركس.ف.انجلز، أن التناقضات الموجودة داخل هذا النظام والناجمة عن استغلال العمال والتنافس الاقتصادي والملكية الفردية هي التي سووف تخلق أزمات اقتصادية وبطالة مما سيدفع هذا النظام إلى الزوال لأن هذا الوضع سوف يؤدي إلى تجميع شروط معينة تؤدي إلى تغييره. ويعمل نظال الطبقات المحرومة هنا كشرط ديناميكي في إحداث هذا التغيير ونتيجة هذا النضال يكون تفتيت هذه البنية الاجتماعية القائمة فتنقلب بذلك الأوضاع وتصبح الطبقة السائدة مغلوبة أما المحرومة فتصبح هي السائدة وهذه هي الحتمية الماركسية.
- الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.
- التخطيط: تنظيم الاقتصاد عن طريق وضع البرامج الاقتصادية والاجتماعية قائمة على أساس الموارد المتاحة (بشرية، مادية، مالية) قصد إشباع حاجيات المجتمع إلى أبعد حد ممكن وعلى نحو يمكن من استخدام الموارد الإنتاجية استخداما يحقق مصلحة غالبية المجتمع.
- وبالتالي فهو يهدف على ضمان التوازن بين الإنتاج والاستهلاك (الاكتفاء الذاتي) وليس الربح.
- انعدام الفوارق الاجتماعية لأن هدفه الرئيسي هو تحقيق العدالة الاجتماعية.
- تذوب فيه فردية الفرد داخل الجماعة فلا يصبح له قيمة كفرد وهذا يتناقض مع طبيعة الانسان.
- قلة الإنتاج
- رداءته
- يقضي على روح المبادرة لأنه يقتل في الناس مواهبهم.
- يخلق روح الاتكال والكسل والتهاون
- البيروقراطية.
- ينظر هو الآخر إلى الاقتصاد نظرة مادية خالية من القيم الأخلاقية بحجة أن التطور الاقتصادي محكوم بقوانين ضرورية موضوعية يمكن التصدي لها عن طريق التخطيط متناسيا بأن ظروف المجتمع المتحركة المتغيرة بدون انقطاع هي التي تحكم الاقتصاد.
إن النظامين الرأسمالي والاشتراكي وإن اختلفا في المبادئ والغايات فإنهما ينظران للحياة الاقتصادية نظرة مادية محاولين إقامة نظامهما على شروط موضوعية خالية من القيم الإنسانية وهذا ما يدفعنا إلى محاولة البحث عن المذهب الاقتصادي الأمثل.
- الــــملكية الــــمزدوجة: إن الإسلام أقر أشكالا مختلفة للملكية في وقت واحد. فقد مجد الفرد والجماعة ولم يفصل هذا عن ذاك.
- وضـــع للـــملكية حـــدودا وقيـــودا أخـــــلاقية: منح الربا، الاحتكار والسرقة في الميزان وهجر الأراضي – فرض الزكاة-فتح أبواب البر والاحسان.
- يـــرتكز علـــــى التكافـــــل الاجتمـــــاعي (كفالة الناس بعضهم لبعض) لأن المال إنما هو مال الله وما الإنسان إلا مستخلف فقط.
وبهذا يكون الإسلام قد رسم حياة اقتصادية متكاملة تقوم على أسس أخلاقية هدفها تحقيق سعادة الانسان في الدنيا والآخرة.
إذا كان الشغل وسيلة ضرورية لتحقيق الحاجيات الحيوية للإنسان فإنه ليس الهدف الأساسي لأن الوجود الإنساني لا يتوقف على هذا بل له أهداف أسمى من البطن فهو كائن ذو أبعاد مختلفة: بعد نفسي، بعد أخلاقي، بعد اجتماعي وبعد ديني وبعد اقتصادي ومنه فإن الشغل موجه نحو هذه الأبعاد:
- للشغل انعكاسات إيجابية على نفسية الانسان وتتمثل على الخصوص في التحرر من العوائق الذاتية والتي كثيرا ما تكون مصدرا للقلق والاضطراب والانحراف. للشغل بعد نفسي متعدد الجوانب وهذا ما تجاهله بعض الاقتصاد بين مثل ف.تايلور حين نظر للشغل نظرة آلية خالية من أي معنى انساني أو نفسي حيث اعتبر العمال في المصانع مجرد آلات.
لقد أصبح الشُّغل اليوم فاعلية إلزامية تفرضها الحياة الاجتماعية وهذا ما أكّده ابن خلدون حيث اعتبر الشغل ظاهرة ملازمة للاجتماع البشري وأن الانسان بمفرده لا يستطيع أن يحصل على قوته إلا بالتعاون الاجتماعي.
ليس للشغل قيمة مادية فقط بل له قيمة أخلاقية بحيث يحفظ كرامة الانسان ويغرس في الفرد اعتبارات أخلاقية مثل الشعور بالمسؤولية والتعبير عن الكسب الشريف.
لأن الشغل في الإسلام أصبح بمرتبة العبادة يثاب عليه الانسان كما يثاب على العبادات التي فرضها الله على الانسان لذا فإن الانسان يقوم به تقربا من الله عزّوجل.
إن الشغل فاعلية موجهة للإنتاج الموجه بدوه للاستهلاك وهذا ما يشكل التنظيم الاقتصادي وبهذا نقول إن للشغل بعد اقتصادي إذ ان هاتين العمليتين تتمان وفق تنظيم معين يحدد نوعية العلاقات بين العمال وارباب العمل، بين البائع والمستهلك، بين المنتج والتاجر فتنجر عن هذا ظواهر اقتصادية متنوعة مثل الأجرة، البيع، الشراءـ الكراء........
إذا كان نمط الاقتصاد إلى وقت قريب تتحكم فيه الدولة القومية فإن اليوم و مع العولمة لم يعد يراعي الحدود السياسية و الانتماءات الثقافية فقد أصبحت تفرض ان العمليات و المبادلات الاقتصادية تجري على نطاق عالمي مما دفع البعض إلى النظر للعولمة نظرة سلبية لأنه يزيد في إمكانية الصراع و التنافس و يزيد من دور الشركات متعددة الجنسية و يحولها إلى شركات فوق سيطرة الدولة و رأسمال طليق بلا قاعدة وطنية محددة و بإدارة عالمية فتضطر الدولة إلى تخفيض الضرائب عن الدخل من أجل تخفيض تكلفة الصادرات و تعزيز مكانتها التنافسية بين دول العالم مما ينتج عنه تقليص المزايا الاجتماعية.
لكن هذا لا يمنع من وجود نظرة تفاؤلية من جهة أخرى إذ يرى بعض الدارسين ان العولمة تفتح فرصا هائلة لتحرر الإنسانية بما تتيحه من تفاعل بين مختلف مكوناتها وعلى تجاوز المراقبات التي أصبحت تشكل أكبر عائق أمام تقدم الشعوب. وتضيف أنه مما لا شك فيه هو أن التدفق الحر للقيم والمنتجات والمعلومات والأفكار والمخترعات يقدم لكل فرد فرصا استثنائية للتقدم والازدهار المادي والنفسي، كما أن خلق سوق عالمية واحدة يساهم في توسيع التجارة ونمو الناتج العالمي بوتيرة أسرع فيفرز فوائض مالية هائلة يمكن استغلالها لأهداف إنسانية تُغيِّر وجه المعمورة.
ما هو الحل؟ هل يجب أن نعمل على التكيف والاندماج فيها بكل ما تحمله من مخاطر على تراثنا وقيمنا وسيادتنا أم نتعامل معها بمنطق المواجهة والصراع والرفض المطلق؟
تكون العولمة ظاهرة سلبية إذا لم نستطع التعامل معها بما يجب وتكون إيجابية إذ تحايلنا معها واستطعنا الاستفادة منها. فهي سلاح ذو حدين، بقدر ما يمكن للمجتمع أن يكسب من وراءها بقدر ما يمكن أن يخسر الكثير. ولأنه لا مفر من الاندماج فيها وجب على المجتمعات أن تعمل على إعادة إنتاج القيم والمفاهيم التي تسمح بالاندماج –وفق خطة مدروسة-في التطور العالمي بكل ما يحمله من علوم ومعارف وتكنولوجيا على العمل على الحفاظ على الهوية.
- إختبارات
- 83
- الأجوبة الصحيحة
- False
- الأجوبة الخاطئة
- False
- مجموع النقاط
- False
المراتب الخمس الأولى في Quiz
- kevin Prince
- 220 نقطة
- asma zouaoui
- 203 نقطة
- عبد الكريم سيف النصر بوحادة
- 200 نقطة
- madridista bari
- 200 نقطة
- Zaknoun Hamid
- 200 نقطة
- Afnane Maatouk
- 200 نقطة
- karim slimani
- 200 نقطة
- Abdelrrahman Dama
- 200 نقطة
- nacera hamdani
- 177 نقطة
- غ'يتي رضا الرحم'ن
- 177 نقطة