النص التواصلي : فلسطين في الشعر الجزائري
النص :
حين وقعت معركة يونيو 1967 وخسرناها، كنا كمن لطم على وجهه بغتة دون أن يعمل حسابا لهذه اللّطمة، وأعقب هذا الوضع فترة شعر فيها العرب باضطراب وتخلخل في شتى القيم التي آمنوا بها ورددوها طويلا.
ولقد أحس الشعراء والأدباء بالكارثة أكثر من غيرهم، وأصبح الأديب العربي يعيش في حيرة مما وقع – بحكم إحساسه المرهف – وهزت الهزيمة وجدانه وعقله، فأصبح لا يدري على وجه التحديد ماذا يقول وماذا يفعل ؟ وعلى من يصب غضبه وسخطه ؟ لمن يوجه اللوم والاتهام ؟ وقد يتساءل أحيانا : وما جدوى ذلك كله ؟.
لم يكن يدري، هل يثور على نفسه أم يثور على الآخرين ؟ هل يتكلم أم يصمت؟ هل الذي وقع شيء كان لابد له أن يقع.. أم أنه مصادفة من المصادفات التي لا نجد لها تعليلا أو تسويغا... ؟
وكان لابد أن تتباين المواقف في مثل هذا الوضع، فمن الأدباء من زعزعت النكسة إيمانه فكفر بكل شيء وانطلق لاعنا ساخطا، ومنهم من استبد به اليأس فصمت صمتا بليغا معبرا عن حالته وحالة المجتمع العربي المضطربة، وهناك من أخذ يتأمل ويدرس محاولا أن يخرج من النكسة بدرس أو عبرة، وهناك أخيرا من صهرته التجربة الجديدة فدفعته إلى مواكبة النضال والدفاع عن قيم الإنسان العربي وآماله في البقاء والحرية مهما حدث ومهما كانت الأسباب والظروف. وبكلمة موجزة كان الأديب العربي في أزمة طاحنة..
وقد كان ظهور المقاومة الفلسطينية عاملا قويا ساعد على وضوح الرؤية بالنسبة للأديب – شاعرا أو قصاصا – وساعد المثقف العربي عامة على أن ينظر إلى المستقبل نظرة متفائلة.
ولم يشد عن هذا أدباء الجزائر وشعراؤها، فقد فوجئوا بالكارثة وأحسوا بها إحساسا عنيفا، وهزت نفوسهم هزا بالغ القوة فسرت في قصائدهم روح جديدة شحنتها بقوة الانفعال والثورة... وفرق كبير مثلا بين أبيات "محمد العيد" قبل النكسة :
فلسطين العزيزة لا تراعي فعين الله راصدة تراعى
وخلفك من بني عدنان جند كثير العد يزأر كالسباع
فرق بين هذا الأسلوب الهادئ التقريري، وبين أسلوب "خمار" بعد النكسة الذي يؤكد بأن الهزيمة لن تؤثر على تصميم العرب على استرجاع فلسطين وعلى الانتصار :
لن نرضى عارا جديدا في فلسطين السليبة.
لا.. لن يداس المسجد الأقصى وأُردُننا الحبيبة.
وثرى دمشق، معاقل الأبطال، جبهتنا المهيبة.
كالسيل تقتحم الجحيم، كتيبة تتلو كتيبة.
ومن المحيط إلى الخليج... دماؤنا حمم رهيبة.
أرواحنا، إن لم نعش للنصر، ندفعها ضريبة.
إنه الفرق بين القضية حين كانت باردة تحت ركام من الجليد، وبينها حين قامت المعركة في الشرق العربي وتفجرت الثورة في كل مكان. فالشعراء الجزائريون خاضوا المعركة بأقلامهم دون يأس ودون فقدان في الأمل، وكانوا يحثون الشعب الجزائري على أن يخوض الحرب جنبا إلى جنب مع إخوته العرب.
إنّ هذه المعاني الجديدة استحدثت في الشعر الجزائري بعد النكسة لأنها شيء جديد في حياة العرب، لم يحدث لهم في تاريخهم القديم والحديث... ومن ثمة لابد أن تتغير المعاني والصيغ أيضا.
وإحساس الشاعر الملتهب المتفجر حماسا هو الذي دفعه إلى هذا التحدي العنيد، حتى الأقدار التي قد تتعاون مع العدو على إخضاع العرب، يتحداها ويقسم بأن أعلام العرب سترتفع مثلما ارتفعت في الماضي.
وبعض الشعراء لم يكتفوا بالحديث عن حاضر قضية فلسطين التي هي سبب ما حدث للعرب بعد نكسة يونيو، وإنما رجع إلى الماضي يصور المؤامرة
من بدايتها ويعيدها إلى الأذهان، ويربط بينها وبين الواقع اليوم محاولا بذلك أن يحسم صورة النكبة ليدفع الناس إلى الوعي بأبعادها ماضيا وحاضرا، وهذا ما فعله الشاعر "صالح خباشة "حيث يبدأ من لحظة التقسيم " :
قسموا فلسطين الأبية واستباحوا المقدسا.
نهبوا الديار وخربوها فوق أشلاء النسا.
... كم من وليد مستغيث ألقموه مسدسا.
كم من مصون العرض أصبح بالطغام مدنسا.
والشعراء، في قصائدهم لا يتحدثون عن فلسطين كأجانب، أو كمن ينظر إليها من بعيد يشارك بوجدانه وعواطفه، وإنما يتحدث عن فلسطين كواحد من أبنائها، يذكر أنها أرضه وأن صرخة "فتح" صرخته، لأن المعركة للجميع.
عبد الله ركيبي:من مواليد 1928م ببسكرة، متحصل على شهادة التحصيل من جامع الزيتونة عام 1954م ودكتوراه دولة في الأدب عام 1972م، أستاذ بجامعة الجزائر، سفير سابق، عضو مجلس
الأمة. من مؤلفاته: مصرع الطغاة، نفوس ثائرة.توفي سنة 2011م .
س1 - كيف كان وقع هزيمة يونيو على الشعراء والأدباء ؟
س- 2 لقد ساهم الوضع في فلسطين على توضيح الرؤية بالنسبة للأديب ،وضح ذلك .
ج1 .كانت الهزيمة صدمة كبيرة ،تباينت فيها ردود فعل الشعراء والأدباء بين السخط والغضب واللوم السخط والغضب واللوم.
ج2 .وقد ساهم الوضع في فلسطين ( المقاومة) في توضيح الرؤية بالنسبة للأديب حيث بعثت فيه التفاؤل وبثت فيه الكثير من الأمل . ولم يخرج الشاعر الجزائري عن القاعدة فقد أحسّ وتألّم وعبّر بصدق.
- هل تستحق فعلا القضية الفلسطينية كل هدا الاهتمام ؟ ولماذا
- ما هو أكثر ردود الأفعال الصادرة عن الأدباء إيجابية في نظرك ؟
- ركز الكاتب في أمثلته على الشعراء الجزائريين ، لماذا في رأيك؟
- إن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب ، فقد ألهبت عواطف الشعراء حماسة ودفعتهم نحو التحدي .
- الذين صوّروا النكبة بجميع أبعادها فنشأ عنها وعي الجماهير بأهمية القضية الفلسطينية
- لعل تركيز الكاتب على النماذج الشعرية المأخوذة لشعراء جزائريين فيه الكثير من الرغبة في إظهار ما قدمه شعراء الجزائر من شعر لا يقل عن ذلك الذي قدمه الشعراء في المشرق ، فالكثير من النقاد حين التحدث عن القضية الفلسطينية ، يذكرون شعراء المشرق ولا يأتون على ذكر ولو شاعر واحد من الجزائر . وكأننا بالكاتب يعيد الاعتبار للشعراء الجزائريين الذين كان لهم من الشعر في القضية الفلسطينية الكثير أمثال ( محمد العيد ، وأبو القاسم خمّار).
_حدد الفكرة العامة للنص مركزا على دافع الكاتب لكتابته له؟وما رأيك في الأمثلة التي تناولها ؟
النص يدور حول محور واحد هو تأثير القضية الفلسطينية على الشعراء والأدباء ، ولا سيما شعراء الجزائر . ولعل الهدف الذي من أجله كتب الدكتور هذا النص هو إماطة اللثام عن المكبوت من شعر الشعراء الجزائريين حول القضية الفلسطينية ، وفي الأمثلة التي قدم الكاتب خير دليل على ذلك الشعور النبيل والقوي بالقضية الفلسطينية الموجود بين ثنايا القصائد والأشعار. وهذا مثال ينطق صدقا وحبّا لفلسطين حين يقول محمد العيد آل خليفة
فلسطين العزيزة لا تراعي ***** فعين الله راصدة تراعي