الحقيقة العلمية و الحقيقة الفلسفية المطلقة
ما هي الحقيقة؟ وما هي أصنافها ومقاييسها؟ أليست الحقيقة مهما كانت مطلقة، حقيقة نسبية؟ ألا يلتبس الأمر بين الحقيقة والواقع؟
يعتبر العصر الحديث عصر النهضة العلمية وفيه استقلت العلوم عن الفلسفة. ظهرت أولى بوادره في القرن 17م حيث أثبتت نظرية كوبرنيك Copernic أن الشمس هي مركز الكون وأنها ثابتة في حين ان الأرض والكواكب كلها تدور حولها في مدارات بيضوية وهذا نفيا لنظرية بطليموس التي كانت ترى أن الأرض ثابتة في مركز الكون وأن الشمس والكواكب تدور حول الأرض وهذه الحركة تتم في مدارات دائرية ثم فندت دراسات غاليلي Galillé تفسيرات أرسطو للحركة التي كانت ترى أن سقوط الأجسام يتناسب مع أوزانها والصحيح أن سقوطها خاضع لقانون السرعة المتزايدة. ثم توالت الثورات العلمية، الشيء الذي جعل الناس يثقون بالعلم أكثر من الفلسفة، إلا أن هذا لم يمنع الفلسفة من أن تظل على مقربة من العلم، تراقب تطوراته. ومنه ظهرت فلسفة جديدة هي فلسفة العلوم. وهي دراسة نقدية للعلوم من حيث الموضوع و المنهج المتبع فهي وسط بين العلم والفلسفة هدفها معرفة الحقيقة.
فما هي الحقيقة؟
- في المعنى العادي هي الصدق والصواب.
- أما في المعنى الفلسفي فهي تختلف من تصور فلسفي إلى آخر ومن مجال إلى آخر وعليه فإن الحقيقة أصناف.
هي أقصى ما يطمح إليه الفيلسوف وأبعد ما يستطيع بلوغه عن طريق العقل والحدس فالفيلسوف لا يقتصر على الأمور الحسية بل يغوص في البحث عن الحقائق العميقة فالحقيقة عند أفلاطون PLATON هي في عالم المثل وليست في عالم الأشياء، لا تدركها إلا العقول الموهوبة. فالحقيقة هي الخير المطلق والجمال المطلق وأعلاها في السلم مثال الخير ويليه الجمال والأشكال الهندسية.
الحقيقة العلمية هي عبارة عن قوانين تعبر عن العلاقات الثابتة بين الظواهر، إلا أن هذا الثبات مرتبط بشروط معينة، منها المؤثرات الطبيعية وعوامل الحركة في الزمان والمكان مما يجعل الحقائق العلمية تقريبية (نسبية) لأن وجودها متعلق بغيرها وهذا ما أثبته انشتاين Enstein في نظرية النسبية La théorie de la relativité . ومن هنا لم يعد العلماء يبحثون عن الحقائق المطلقة النهائية بل عن الحقائق النسبية والجزئية والمؤقتة نظرا لإيمانهم بأن المطلق غير ممكن ومن هؤلاء كلود برنارد وغ.بشلار ولولا إيمانهم بهذا لما اتسعت دائرة المعرفة العلمية وأصبحت الحقائق التقريبية أكثر دقة دون أن تبلغ الدقة المطلقة.
هي الشعور الذي يستولي على المتصوف عند بلوغه الحقيقة الربانية المطلقة وهذا لا يتم بعناء البحث عنها بل بمجاهدة النفس وتتجلى هذه الحقيقة في نور يشرق في النفس من مصدر يقوم وراء العقل والعلم عند أهله، يأتي عن طريق الحدس.
إذا كانت هذه هي أصناف الحقيقة فما هي مقاييسها؟
يختلف مقياس الحقيقة حسب نوعها:
- يرى بعض الفلاسفة أمثال ديكارت واسبينواز أن الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقه وهو الوضوح.
- يرى ديكارت أن الفكرة الصادقة هي الفكرة الواضحة في شعوري، فكل فكرة أو قضية تتميز في شعوري فبنفس الوضوح الذي تتميز به النتائج الرياضية هي صادقة، فوضوح الفكرة يجب أن يكون كوضوح البديهيات الذي يرتفع فوق كل شيء فالبديهيات صادقة لأنها واضحة بذاتها ولا يراودنا فيها أي شك. فالكل أكبر من الجزء، وأقصر الأبعاد بين نقطتين هو المستقيم. ولهذا كانت أول قاعدة في منهج ديكارت هي قاعدة البداهة والتي تنص على الشك في كل شيء ما عدا البديهيات وانتهى ديكارت إلى مقولته الشهيرة " أنا أفكر إذا أنا موجود" ينطلق فيها من بديهية وهي أنه يفكر وينتهي إلى إثبات وجوده من خلال التفكير.
أما اسبينوزا فيقول "هل يمكن أن يكون هناك شيء أكثر وضوحا ويقينا من الفكرة الصادقة، يصلح ان يكون معيارا للحقيقة. فكما أن النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات، كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذب".
إن ارجاع الصدق إلى الوضوح يجعلنا نعتمد معيارا ذاتيا: فقد يكون الأمر الواحد واضح للبعض وليس واضح للبعض الآخر. كما أن الشعور بالوضوح ليس دليل على الصدق، فقد تبدو الأشياء واضحة وصادقة بمقتضى العادة والتربية فقط.
الفكرة الصادقة هي التي تفيد من الناحية العملية والفكرة الكاذبة هي التي لا تحقق نفعا. وبهذا فإن معيار الحقيقة هو الغايات والنتائج وليست المبادئ والأوليات. فالعمل يقاس بنتائجه لا بمبادئه و في هذا يقول وليام جيمس JAMES " إن كل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي و إن كل ما يعطينا أكبر قدر من الراحة و ما هو صالح لأفكارنا و مفيد لنا بأي حال من الأحوال فهو حقيقي"
إن الحقيقة التي تؤكدها نتائجها ومنافعها هي حقيقة ذاتية، يتقبلها شخص ويعارضها آخر ما دامت المصالح متعارضة.
إن مقياس الحقيقة هو الانسان المشخص في وجوده لأنه هو الذي ينجز ماهيته لنفسه طالما أنه يوجد بدونها. فهو محكوم عليه أن يختار مصيره ولأنه محكوم عليه في نفس الوقت بأن يموت، وجب عليه أن يمارس هذه التجربة التي تجمع بين الحياة والموت وما ينتج عنهما من محن، قلق، ألم ونقل وتحمل المسؤولية، ولأنه ليس ثمة شيء يمكن أن ينقذه من نفسه فعليه أن ينقذ نفسه بنفسه، أي يختار مصيره بنفسه. وعلى هذا تكون الحقيقة هي إنجاز الماهية" ماهيته هو".
إن الحقيقة التي تسعى إليها الوجودية وإن كانت من جهة ترد الاعتبار إلى الانسان المشخص فهي تتناسى أن الإنسان كائن اجتماعي قبل كل شيء وأن المجتمع هو الذي يصنع الفرد بنسبة معينة.
"لفظ مطلق هو الخالي من كل قيد، هو التام والكامل" وعلى هذا فإن الحقيقة المطلقة هي الحقيقة المجردة من كل قيود، هي المستقلة بذاتها ولا يحتاج وجودها إلى علل وأسباب، لا حدود لها-لا زمانية ولا مكانية-لا ترتبط بأحكام الانسان وتصوراته، موقعها الحقيقي فيما وراء عالم الشهادة (الحس)، إنها المبدأ والغاية في آن واحد، إنها الخير الأسمى الذي تتوق إليه العقول والنفوس، هي واحدة، هي ثابتة، متعالية عن النفع، تصدق في كل زمان ومكان. ومنه فإن الحقيقة المطلقة مستقلة عن ذواتنا وعقولنا.
فإذا كانت هذه هي الحقيقة المطلقة فهل إدراكنا لها مطلق أم نسبي؟
ما دام الانسان المدرِك هو عكس المطلق تماما-هو كائن مقيد بالزمان والمكان، هو عقل وذات. والعقل الإنساني إن حاول إدراك المطلق فإنه لا يستطيع أن يفعل ذلك إلا من خلال المتغير، حيث يقول جون استورت مل:"لا نعرف الشيء إلا من جهة ما هو متميز عن غيره من الأشياء (قانون الأضداد) وأننا لا نعرف الطبيعة إلا بواسطة أحوالنا الشعورية"، ثم أن المعرفة تابعة للظواهر وليست هناك معرفة في ذاتها، -فالمعرفة هي معرفة شيء ما-.
وفي هذا يؤكد كانط Kant على انفلات الحقيقة المطلقة من العقل الذي تقتصر قدرته على إدراك الحقائق المرتبطة بالزمان والمكان.
وعليه نستنتج أن ادراكنا للحقائق المطلقة هو الذي يتصف بالنسبية وليست الحقائق المطلقة في ذاتها.
في هذه الحالة، لا تلتبس الحقيقة بالواقع؟
الواقع في المعنى العام يقابل الخيال فيكون بهذا الوجود الفعلي للأشياء.
أما في المعنى الفلسفي فنلمس معناه في النقاط الثلاث التالية:
- يتجلى في الوقائع والأشياء الموجودة بخصائصها وصفاتها، سواء أكنا مدركين لها أم لا.
- الواقع هو مصدر معرفتنا، فالمعرفة هي مجموعة من التصورات الذهنية التي ترسم في الذهن نتيجة لانطباق الأشياء عليه. فمعرفتي للشمس مثلا نشأت عن التأثيرات الحسية المختلفة التي تركتها في العقل من شعاع وضوء وحرارة.
- إن المعرفة الصحيحة تقوم على مطابقة الفكر للواقع.
وهذه هي الأسس التي تقوم عليها النظرية الواقعية في تفسير طبيعة المعرفة.
أن تميز الحقيقة العلمية (النسبية) عن الحقيقة الفلسفية (المطلقة) تميز نوعي فقط ولا يمنع تكاملهما.
- إختبارات
- 30
- الأجوبة الصحيحة
- False
- الأجوبة الخاطئة
- False
- مجموع النقاط
- False
المراتب الخمس الأولى في Quiz
- Go Halima
- 194 نقطة
-
- bac 2016
- 177 نقطة
-
- Zaknoun Hamid
- 177 نقطة
-
- ghelamallah rachida
- 170 نقطة
-
- asma zouaoui
- 154 نقطة
-
- Miriham Miryam
- 154 نقطة
-
- ikram ikram
- 146 نقطة
-
- mehdi tsimoult
- 140 نقطة
-
- Imane Mimi
- 126 نقطة
-
- ogeurgour@gmail.com ogeurgour@gmail.com
- 111 نقطة
-
