"النّصّ التّواصليّ: الحركة العلميّة و أثرها على الفكر و الأدب"" حنّا الفاخوري "" "
أديب ولغويّ ومؤرّخ لبناني ولد سنة 1916 م في زحلة ، لقى دروسه الابتدائيّة في مسقط رأسه في حوش حالا بريّاق . سنة 1927 انتقل إلى القدس حيث أنهى دروسه المتوسّطة والثّانويّة ، و الدّراسة الفلسفيّة ، كان يتابع دراسته اللاهوتية ، وفي الوقت عينه يدرّس ويضع الكتب المدرسيّة وغيرها من الكتب الأدبيّة . كتـب أكثـر من مئـة كـتاب في اللّغة و الأصول و الإنشاء والأدب و الفلسفـة والدّين ، و اشتـهر بكتابه " تاريـخ الأدب العربيّ " الّذي ترجم إلى عدّة لغات .
قامت الدّولة العبّاسيّة على أكتاف الفرس و نقلت قاعدتها إلى بغداد ، فتحوّل وجهها نحو فارس و اتّسع فيها مجال البذخ و التّرف ، و شجّع الخلفاء الحركة العلميّة و حركة النّقل و التّرجمة و جرى في العقل العربيّ وعي علميّ ، كان منه تفلسف ، و كان منه علوم شتّى و أثر على الفكر و الأدب .
سقط الأمويّون في الشّام فانتقلت الخلافة إلى بني العبّاس و انتقلت قاعدتها إلى بغداد لقيام الدّولة الجديدة على أكتاف الفرس . و هكذا تحوّل وجه الدّولة إلى فارس و غلبت فيها العادات و الأنظمة الفارسيّة ، و نشأت في الأمّة الجديدة نزعة قويّة إلى الانفتاح على الأمم الأخرى بالاستفادة ممّا عندها من حضارة و ثقافة .و اتّسعت اقتصاديّات البلاد اتّساعا عظيما فسح مجالا واسعا للبذخ و التّرف ، و نشأ عن التّرف و تمازج الشّعوب المختلفة الأجناس في الدّولة الإسلاميّة انحطاط في الأخلاق ، كما نشأ عن ذلك نزعة قويّة إلى إطلاق الحرّيّة الدّينيّة . و شجّع الخلفاء العبّاسيّون أنفسهم الحركة العلميّة في شتّى نواحيها ، و مدّوها بمالهم و جاههم و جعلوا بلاطهم موئل كبار الشّعراء و الكتّاب ، و تنافسوا في فتح دور العلم و شجّعوا حركة النّقل و التّرجمة و النّسخ ، فتُرجمت إلى العربيّة الآثار الفكريّة العالميّة من يونانيّة و هنديّة و فارسيّة و غيرها ، و انتشرت في العالم العربيّ فلسفة اليونان و طبّهم و علومهم الرّياضيّة و الفلكيّة .فكانت العلوم اليونانيّة و العقل اليونانيّ من بواعث التّصنيف و الاشتغال بالعلوم ، و كان العقل الهنديّ من بواعث الزّهد و الحكمة ، و كانت الحضارة الفارسيّة من بواعث الزّخرفة و التّفخيم و الموسيقى .
و هكذا أصبح العقل إماما في العالم العربيّ ، يتفلسف و يحلّل كلّ شيء و يريد أن يكون حكما في كلّ مسألة علميّة ، و أن يستشار في القضايا الدّينيّة و الأدبيّة . و أصبح الزّخرف الفارسيّ نموذجا يجرى عليه في الكتابة فجنح الكتّاب إلى الصّنعة في الصّياغة و التّعبير . و هكذا جرى في العقل العربيّ وعي علميّ شامل هزّ كيانه هزّا عنيفا ، و مال به عن الفطرة إلى التّقسيم المتسلسل و التّحليل و التّعليل ، و إلى توسيع آفاق الثّقافة العربيّة ، و إلى وضع علوم اللّغة من نحو و بيان و عروض و ما إلى ذلك ، و إلى تعمّد صناعة علميّة في الصّياغة اللّفظيّة و الزّخرفة التّعبيريّة .
كان لهذا الانقلاب أثر في الشّعر العربيّ و قد ظهر ذلك الأثر في أغراضه و فنونه و أساليبه .فمن حيث أغراضه فإنّها لم تكد تخرج عن نطاق النّوع الغنائيّ و قد ضعف الشّعر السّياسيّ و شعر الفخر و الحماسة و ظهر الشّعر الفلسفيّ الّذي ينظر في الكائنات نظرة تحليليّة ، و الشّعر الصّوفيّ الّذي يرفع الغزل من عالم المادّة إلى عالم الرّوح ، و يدور حول التّأمّل في الله و كمالاته ، و الشّعر التّعليميّ الّذي اتّخذه أصحابه وسيلة إلى نظم ألوان من فنون العلم تسهيلا لحفظها ، و من ذلك أنّ بعض الشّعراء نظموا كتاب " كليلة و دمنة " شعرا . و ظهر أيضا الشّعر التّهكّميّ و الهزليّ و التّراسل بالشّعر ، و قد استقلّ بعض الأبواب كالخمر و الزّهد و وصف الصّيد فنُظمت في ذلك القصائد الكاملة .
و مع ما بلغه الشّعراء من تفنّن في الأغراض فإنّهم حافظوا عموما في بناء القصيدة على الأوضاع الموروثة عن الأقدمين . و لئن أجروا تغيّرا أو تجديدا ففي ترك الابتداء بذكر الأطلال أحيانا إلى وصف القصور و الخمور ، و في الحرص على التّناسب و التّرابط بين أجزاء القصيدة أحيانا أخرى ، و مراعاة التّرتيب في التّركيب ، و الإكثار من النّظم على البحور الخفيفة ، و الميل إلى هجر الغريب من التّراكيب و الألفاظ ، و اعتماد العذوبة و الوضوح و التزام البديع و أساليب البيان التزاما . و بالجملة فقد غلبت الصّنعة على الشّعر و أخذت تزداد و تنمو إلى أن أصبح الشّعر في أواخر العهد العبّاسيّ زخرفة مقيتة .
أمّا النّثر العبّاسيّ فقد راح ينمو في ظلّ الحضارة الجديدة متخطّيا الحدود الّتي وقف عندها الشّعر ، فظهرت فيه آثار المدنيّة العبّاسيّة و التّفكير العبّاسيّ أكثر ممّا ظهرت في الشّعر . فظهر أثر الفلسفة و العلوم في النّثر العبّاسيّ ، فاتّسع مجال التّفكير و عُني الكتّاب بربط الأسباب بالمسبّبات ، و امتدّت العقول بتأثير النّقل و التّرجمة إلى وضع الكتب و اتّباع الأساليب التّصنيفيّة فيها و ظهر الأثر الفارسيّ و الآداب الفارسيّة و التّرف العبّاسيّ في الكتابة فمالت إلى السّهولة في العبارة ، و التّأنّق في اللّفظ و الجودة في الوصف و إطالة المقدّمات ، و تنويع البدء و الختام ، و مالت إلى الغلوّ و الإكثار من الألقاب و الدّعاء ، كما مالت قبل كلّ شيء و بعد كلّ شيء إلى التّفصيل و الإطناب .
تلك أهمّ مميّزات النّثر العبّاسيّ أوردناها على وجه التّعميم و التّغليب و سينحدر ذلك النّثر شيئا فشيئا في سبيل التّنميق و الزّخرفة حتّى يصبح مع الأيّام مجرّد صنعة .
المشوّق في المطالعة و الأدب – بتصرّف –
- كيف قامت الدّولة العبّاسيّة ؟
- ما سبب تحويل العاصمة من " دمشق " إلى " بغداد " ؟
- وضّح أثر الحرّيّة في التّطوّر و الإبداع .
- ما دور الخلفاء في ازدهار الحركة العلميّة و الأدبيّة ؟
- وضّح أثر الحضارة الهنديّة و الفارسيّة و اليونانيّة في بناء الحضارة العربيّة و الإسلاميّة .
- قامت الدّولة العبّاسيّة بعد سقوط الدّولة الأمويّة في الشّام على أكتاف الفرس .
- تحوّلت العاصمة من دمشق إلى بغداد لإقامة الدّولة الجديدة .
- مُنح العبّاسيّون حريّة التّفكير وحريّة التّعبير وحريّة العقيدة ، هذه الحريّات الممنوحة جعلت العقول تنطلق وتبحث في شتّى العلوم والمعارف ما جعل المجتمع يعيش في تقدّم وازدهار في شتّى المجالات
- شجّع الخلفاء العبّاسيّون أنفسهم الحركة العلميّة في شتّى نواحيها وأمدّوها بمالهم وجاههم ، وجعلوا بلاطهم موطن كبار الشّعراء والكتّاب ، وتنافسوا في فتح دور العلم ، كما شجّعوا حركة النّقل والتّرجمة والنّسخ
- كانت العلوم اليونانيّة والعقل اليونانيّ من بواعث التّصنيف والاشتغال بالعلوم ، وكان العقل الهنديّ من بواعث الزّهد والحكمة وكانت الحضارة الفارسيّة من بواعث الزّخرفة والتّفخيم والموسيقى .
.
- بيّن أثر الحركة العلميّة في الشّعر : من حيث الأغراض و الفنون و الأساليب .
- لماذا ظهر أثر الحركة العلميّة في النّثر أكثر و أعمق ممّا هو في الشّعر ؟
- اُذكر أثر المدنيّة العبّاسيّة في النّثر .
- كان لهذا الانقلاب أثر في الشّعر العربيّ وقد ظهر ذلك الأثر في أغراضه وفنونه وأساليبه ، فمن حيث أغراضه فإنّها لم تكد تخرج عن نطاق النّوع الغنائيّ ، وقد ضعف الشّعر السّياسيّ وشعر الفخر والحماسة ، وظهر الشّعر الفلسفيّ ، والشّعر الصّوفيّ ، والشّعر التّعليميّ ، والشّعر التّهكّميّ والهزليّ ، والتّراسل بالشعر ، وقد استقلّ بعض الأبواب كالخمر والزّهد ، و وصف الصّيد.وقد حافظ الشّعراء في بناء القصيدة على الأوضاع الموروثة عن الأقدمين . وأجروا تجديدا في ترك الابتداء بذكر الأطلال أحيانا إلى وصف القصور والخمور ، والميل إلى هجر الغريب من التّراكيب والألفاظ ، والتزام البديع وأساليب البيان
- ظهر أثر الحركة العلميّة في النّثر أكثر وأعمق ممّا هو في الشّعر لاعتماده على العقل .
- ظهر أثر الفلسفة والعلوم في النّثر العبّاسيّ ، فاتّسع مجال التفكير وعني الكتّاب بربط الأسباب بالمسبّبات ، وامتدّت العقول بتأثير النّقل والتّرجمة إلى وضع الكتب ، و اتّباع الأساليب التّصنيفيّة فيها . .
اُذكر أسباب ازدهار و رقيّ الفكر العربيّ و الإسلاميّ في العصر العبّاسيّ .
من أسباب ازدهار ورقيّ الفكر العربيّ والإسلاميّ في العهد العبّاسيّ :
- تمازج الشّعوب المختلفة الأجناس .
- ازدهار حركة التّرجمة .
- تشجيع الخلفاء والأمراء للشّعراء والمفكّرين والعلماء .
- انتشار المكتبات وحلقات الدرس .