"النّصّ التّواصليّ: نهضة الأدب في عهد الدّولة الرّستميّة بحاز إبراهيم بكير "
بحاز إبراهيم بكير كاتب جزائريّ معاصر، ولد سنة 1956 بغرداية . أستاذ جامعيّ ، و عضو مؤسّس لجمعيّة التّراث بغرداية ، والمشرف العام على " معجم مصطلحات الإباضيّة ". من مؤلفاته : الدّولة الرّستميّة ( دراسة في الأوضاع الاقتصادية والحياة الفكرية ) ، و عبد الرّحمن بن رستم مؤسّس أوّل دولة إسلاميّة مستقلة بالجزائر ، و معجم أعلام الإباضيّة .
تعتبر الدّولة الرّستميّة أوّل دولة انفصلت عن المشرق العربيّ انفصالا سياسيّا . و قد شيّدها أبناؤها في تاريخ مبكّر فحملت مشعل العلم و الحضارة في الشّمال الإفريقيّ فكانت تلي القيروان من حيث الأهمّيّة . فبلغت بذلك حياة فكريّة لا مثيل لها من النّاحية الثّقافية جنبا إلى جنب مع القيروان و قرطبة أكبر عاصمتين مغربيّتين في تلك الفترة .
يعتبر القرن الثّاني و الثّالث الهجريّين انطلاقة حقيقيّة في ميادين الفكر و الثّقافة و العلوم المختلفة بالبلاد العربيّة مشرقها و مغربها .
و كانت الدّولة الرّستميّة قد نشأت من حيث المكان و الزّمان في تلك القرون الأولى من تاريخ العرب و المسلمين الفكريّ ، فمن حيث المكان في المغرب العربيّ إذ هي الدّولة الأولى الّتي انفصلت عن المشرق في ذلك التّاريخ المبكّر انفصالا سياسيّا ... لذا يعتبر كلّ ما قدّمه أبناء المغربين الأدنى و الأوسط في الميدان الفكريّ جديدا في المغرب العربيّ .
لقد كان للرّستميّين دور بارز في الحياة الفكريّة بالمغرب الأوسط ، و لا نبالغ إذا قلنا بالمغرب العربيّ . لقد حملت هذه الدّولة كما يقول الأستاذ " ابن تاويت الطّانجي " مشعلا عظيما للحضارة و العلم في الشّمال الإفريقيّ فكانت تلي القيروان في ذلك . ما كان ﻟ " فاس " عاصمة الأدارسة أن تبلغ مبلغ تيهرت الرّستميّة في الحياة الفكريّة ، و الدّينيّة منها .
و الحقيقة أنّ الرّستميّين بحكم ثقافتهم الواسعة شجّعوا الحركة الفكريّة فنشطت " تيهرت " في هذا الميدان كما نشطت في الميادين الأخرى و طار صيتها في الآفاق بعد تعميرها حتّى دُعيت " عراق المغرب و بلخ المغرب " إلحاقا بها في المعارف و العمران و الحضارة . و إذا كانت " تيهرت " قد برزت كمركز ثقافيّ مشهور في المغرب العربيّ خلال القرن الثّالث الهجريّ ، فإنّ ذلك راجع إلى كونها عاصمة دولة مستقلّة . و الواقع أنّ دور الحكّام الرّستميّين في الحياة الفكريّة كبير ، و يثبت هذا ما قاموا به من جهود في نشر العلم و بناء المساجد و جلب الكتب من المشرق . و قد كان الإباضيّون في الدّولة الرّستميّة من المهتمّين باللّغة العربيّة ، و إتقانها ليخيّل إلينا أنّ الضّابط لها و الحافظ لرسمها و نطقها يعتبر عندهم عالما .
و نشير هنا أنّ الجهود الّتي بُذلت في عهد الدّولة الرّستميّة لتعريب البربر ، جهود جبّارة كانت من أهمّ الخلفيّات الثّقافيّة العربيّة الّتي انطلقت منها دولة بني حمّاد في المغرب الأوسط ... و أصبح علماؤها يناظرون فقهاء العرب في قواعد الأصول ... و مبادئ علم الكلام ، ممّا سهّل تعريب المغرب ... و كانت اللّغة العربيّة في الدّولة الرّستميّة اللّغة الرّسميّة في مجال الأدب ، و تتّفق الدّراسات الحديثة تقريبا على أنّ الدّولة الرّستميّة لم تبرز في الحياة الأدبيّة الصّرفة بروزها في الحياة الدّينيّة من فقه و حديث و مناظرات .
و يذهب بعض الأئمّة إلى الاهتمام البالغ بالحياة الدّينيّة على حساب الحياة العلميّة البحتة باستثناء القليل منهم ، و نذكر على سبيل المثال : " الإمام أبا بكر بن الأفلح " الّذي كان يحبّ الآداب و الأشعار فتشجيع الحاكم للأدباء و الشّعراء و رعايته لهم من الأمور الّتي تدفع الحياة الأدبيّة أشواطا ، فيجود الأديب بما لديه من عبقريّة ، و لم يكن الحكّام الرّستميّون ينتظرون من الشّاعر أن يدافع عنهم أو يشهر أفكارهم . و هناك من الآراء مفادها أنّ الحياة الأدبيّة الّتي شهدتها " تيهرت " خاصّة لم تصل إلينا لعدم اهتمام المؤرّخين و أصحاب كتب التّراجم بتدوينها .
و من أبرز شعراء هذه الدّولة " الإمام أفلح بن عبد الوهّاب " و الشّاعر " بكر بن حمّاد بن سمك بن إسماعيل الزّنّاتيّ التّيهرتيّ " و هذا الأخير نظم قصائد في أغراض مختلفة كالوصف و المديح و الهجاء و الرّثاء .
أمّا في مجال النّثر فيرى الدّكتور " أحمد مختار عمر " أنّ النّثر عند الإباضيّة قد فاق جانب الشّعر و أنّه جاء في شكل خطب أو وصايا أو رسائل ديوانيّة أو أقاصيص تعليميّة أو حكم ، و نذكر منهم " الإمام عبد الوهّاب " الّذي أرسل رسالة إلى " نفّوسة " في مسألة " خلف بن السّمح " الّذي تولّى منصب ولاية " نفّوسة " بعد وفاة أبيه ، و يرى المصدر نفسه أنّ النّثر الإباضيّ كان باللّسان البربريّ عرّبه كتّاب السّير و الطّبقات فيما بعد . من جهته يشكّك الدّكتور " رابح بونار " في وجود غير الرّسائل الدّيوانيّة و الخطب .
و أخيرا ما يمكن الإشارة إليه أنّ اهتمام التّيهرتيّين بالشّعر و النّثر له علاقة الاستمراريّة بما كان سائدا في " تيهرت " في القرن الثّالث الهجريّ ، فكانت الحياة الفكريّة في هذه الدّولة تنبض بالنّشاط .
الدّولة الرّستميّة ( 160 – 296 ﻫـ ) – بتصرّف –
- متى تأسّست الدّولة الرّستميّة ؟ و من هو مؤسّسها ؟
- ما موقف الرّستميّين من الحركة الفكريّة ؟
- بم شُبّهت " تيهرت " ؟ و لماذا ؟
- ما المجالات الفكريّة الّتي اهتمّ بها الرّستميّون ؟
- تأسّست الدّولة الدّولة الرّستميّة سنة 160 ﻫ على يد عبد الرّحمن بن رستم .
- اهتمّ الرّستميّون بالجانب العلميّ والفكريّ اهتماما كبيراً لأنّ إمام الدّولة حتّى ينتخب يجب عليه أنْ يكون عالما بأمور الشّريعة والسّياسة والحكم .
- شبّهت " تيهرت " ببغداد و قرطبة بسبب ما حقّقته في مجال المعارف والعمران والحضارة .
- اهتمّوا بالجانب الدّينيّ و العلميّ و جانب العمران و الحضارة .
- ما مفهوم العبارة " انفصالا سياسيّا " ؟
- اُذكر الجهود الّتي بذلها الرّستميّون في سبيل النّهضة الفكريّة .
- معنى ذلك إقامة دولة جديدة قائمة بذاتها لها شؤونها الخاصّة .
- اهتمّت الدّولة الرّستميّة في نشر العلم والمعرفة بإنشاء المؤسّسات التّعليميّة كالكتّاب وإقامة العلم في المساجد كتدريس التّفسير والفقه والحديث ، حتّى أنّ أئمّة الدّولة الرّستميّة كانوا يسهمون في التّعليم بأنفسهم دون تكبّر كالإمام عبد الوهاب بن أفلح الّذي قضى سبع سنوات يعلّم النّاس أمور الصّلاة في جبل نفوسة .
ازدهر الأدب في عهد الدّولة الرّستميّة في ظلّ الاستقرار السّياسيّ و عناية الحكّام الرّستميّين بالحياة الفكريّة . فظهر جيل من الأدباء عالجوا الشّعر فأحسنوا معالجته بأساليب راقية و لغة فصيحة سليمة نذكر منهم " بكر بن حمّاد " و " الإمام أفلح " . كما كانت العناية بالحياة الدّينيّة كبيرة كون الأئمّة الرّستميّين رؤساء مذهب دين فازدهرت " تيهرت " حتّى أصبحت تضاهي " بلخ " و " بغداد " و " قرطبة " .