iMadrassa

"النّصّ التّواصليّ: رثاء المدن و الممالك و خصائصه الفنّيّة"" عبد العزيز عتيق "" "

النّصّ التّواصليّ رثاء المدن و الممالك و خصائصه الفنّيّة " عبد العزيز عتيق "

التّمهيد

     قال لله تعالى : " و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا إنّ الله مع الصّابرين " سورة الأنفال / الآية 46 .

     انتهت الخلافة الأمويّة بالأندلس بخلع هشام الثّالث سنة 422 ﻫ، فانقطعت الدّولة الأمويّة من الأرض، و انتشر سلك الخلافة بالمغرب، فقام الطّوائف من أمراء و رؤساء البربر و العرب و الموالي يقتسمون خطط البلاد و سمي هذا العهد بعصر ملوك الطّوائف، و كان سببا في ضعف المسلمين هناك ممّا طمّع الإسبان فيهم ، فانتزعوا منهم البلاد إقليما بعد إقليم ، فازدهر رثاء المدن.

النّصّ:

     فنّ الرّثاء و يقال له التّأبين أيضا، و إذا كان المدح هو الثّناء على الشّخص في حياته فإنّ الرّثاء هو الثّناء على الشّخص بعد موته ، و تعديد مآثره ، و التّعبير عن الفجيعة فيه شعرا .

 

و الرّثاء من فنون الشّعر التّقليديّة، غير أنّ شعراء الأندلس لم يقفوا بهذا الفنّ عند حدّ رثاء موتاهم من الملوك و الرّؤساء و الأقارب و الأحباب، و إنّما نراهم و لأسباب خاصّة بهم يتوسّعون فيه، و يطوون مفهومه، و ذلك برثاء مدنهم، تلك الّتي غلبهم عنها أعداؤهم النّصارى و أخرجوهم منها مشرّدين في أنحاء الأندلس، كانوا يرون هزل ملوكهم و جدّ أعدائهم و يرون ديارهم تُنزع منهم مدينة تلو مدينة ، و يرون ملكهم الّذي أقامه الآباء و الأجداد حصنا للإسلام تتداعى أركانه أمام أعينهم فيستولي عليهم الذّهول ثمّ لا يملكون إلّا أن يرثوه و يتفجّعوا عليه بشعر يقطر أسى ممضّا و دموعا حارّة .

 

     و قد قال شعراء الأندلس و أكثروا القول في رثاء مدنهم و دولتهم حتّى صار رثاء المدن و الممالك بسبب ذلك فنّا شعريّا قائما بذاته في أدبهم .

 

     ربّما نجد في أدب المشارقة شيئا من هذا القبيل ، كقصيدة " ابن الرّوميّ " الّتي رثى بها مدينة البصرة عندما أغار عليها الزّنج سنة 255 ﻫ و استباحوا فيها الأموال و الأعراض . لكنّ المشارقة لم يتوسّعوا في رثاء المدن و الممالك توسّع الأندلسيّين و لذلك لم يظهر هذا اللّون من الشّعر في أدبهم كما ظهر في الأدب الأندلسيّ فنّا قائما بذاته . و ذكر صاحب " نفح الطّيب " أنّ من أوّل ما استردّه الإفرنج من مدن الأندلس العظيمة مدينة طليطلة الّتي استولى عليها النّصارى سنة 478 ﻫ بعد حصار طويل ، و كان سقوطها مصابا جللا هزّ نفوس الأندلسيّين هزّا عنيفا ، فقال قائلهم :

 

طُـلَــيْـــطِــلَــــةُ أَبـــاحَ الـــكُــفْــرُ مِـــنْـهــــا        

حِــــمـــــاهــــــــا .. إنّ ذا نـــــبــــأٌ كــــبـــيــــر

كــــفــــى حُــزنـــا بـــأنّ الــنّـــاسَ قـــالـــوا          إلـــــى أيــــنَ الـــتَّـــحَـــــوُّلُ و الــــمـــســـيـــر
و لا ثــمّ الـــضّـــيـــاعُ تـــروقُ حُــــسْــنـــا           نُــــبــاكِــرُهـــا فـــيــعــجِــبُــنـــا .. الـبـكـــور ؟
ألا رَجُـــــــــلٌ لَـــــــهُ رأْيٌ أصـــــــيــــــــلٌ          بــــــه مــــمّـــا نـــحـــــاذر نــــســـتــجــيـــر ؟

     و قال " ابن خفاجة " في رثاء مدينة " بلنسية " الّتي سقطت في أيدي الأعداء سنة 488 ﻫ

 

عــــــافَــتْ بِســــاحَــتِـــكَ الـــعِـــدا يــــا دارُ       و مَـــحـــا مَــحـــاسِــنَـــكِ الـــبــِلـــى و الــنّـــارُ

 

     و لعلّ نونيّة " أبي البقاء الرّنديّ " هي أروع و أشجى ما جادت به قريحة شاعر أندلسيّ ، لا في رثاء مدينة بعينها بل في رثاء الأندلس، كلّ الأندلس و تصوير نكبته الّتي تعلو على كلّ فجائع الدّهر و تتحدّى السّلوان و النّسيان.

 

     و كأنّي بأبي البقاء في مرثيّته الخالدة يتحدّث بلسان كلّ الأندلسيّين ، و يشعر بمشاعرهم ، و يترجم عن ثورتهم الدّفينة المكبوحة فكلّ بيت فيها يطالعنا مشحونا بالأسى مبلّلا بالدّموع تفجّعا بما آل إليه الإسلام و المسلمون بالأندلس.

 

و الطّابع الغالب على هذا النّوع من الرّثاء هو الأسى العميق و التماس العظة و التّأسّي في قيام الدّول، ثمّ زوالها منذ القدم، و إرجاع نكبتهم إلى فعل الدّهر حينا، و إلى أنفسهم حينا آخر، و تصوير ما أصاب الإسلام و المسلمين في الأندلس من ذلّ و هوان، و تعلّقهم بديارهم الجميلة الّتي أجلوا عنها ، و التّفجّع على الأهل و الرّفاق المشرّدين ، و استنهاض همم المسلمين في شتّى الأقطار لمدّ يد المعونة إلى إخوانهم في الأندلس و الدّعوة للّذود عن الإسلام و التّطلّع إلى المنقذ الّذي ينضوون تحت علمه في معركة المصير.

 

     أمّا عن طرائق تناولهم للموضوع فتكاد تكون متشابهة ، على الرّغم ممّا فيها من تنوّع ، و من تفاوت في درجة جودة التّعبير. و من النّاحية الفنّيّة تميّزت مراثيهم لمدنهم بغلبة عنصر العاطفة عليها كما تميّزت بالاعتماد أكثر على التّشبيه و الاستعارة في إبراز المعاني، و بثّ الحركة و الحياة فيها، ثمّ باللّجوء إلى أسلوب الاستفهام البيانيّ و خاصّة ما يخرج منه عن معناه الحقيقيّ إلى التّعجّب و الإنكار و التّمنّي، و لا غرابة في ذلك، فكم من المعاني الّتي فجّرتها نكبة الأندلس في نفوسهم، كان يدعو إلى العجب أو الإنكار أو التّمنّي.

اكتشاف معطيات النص

1 - ما المقصود بفنّ الرّثاء ؟

2 - لماذا توسّع شعراء الأندلس في هذا الفنّ أكثر من المشارقة ؟

1 - الرّثاء هو ندب الميّت و البكاء عليه و تعداد فضائله الّتي فقدت بفقده بعبارات مشجية و ألفاظ محزنة.

2 - توسّع شعراء الأندلس في هذا الفنّ أكثر من المشارقة لأنّ طبيعة التقلبات السياسية في الأندلس كانت أشد حدة و أسرع ايقاعا و اتّخذت شكل المواجهة بين المسلمين و النصارى.

أناقش معطيات النّصّ

1 - ما أسباب نكبتهم ؟ و كيف كانت الأيّام الأخيرة من حياة المسلمين في الأندلس ؟

2 - اُذكر أمثلة من شعر رثاء المدن تأثّرت بها.

1 - من أسباب نكبة الأندلس تقسيم البلاد إلى إمارات و الصّراع حول الخلافة، أمّا الأيّام الأخيرة من حياة المسلمين في الأندلس فقد كانت حياة ذلّ و هوان.

2 - أعظم القصائد تأثيرا في فنّ رثاء المدن و الممالك قصيدة " نكبة الأندلس " الخالدة لأبي البقاء الرّندي.


قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى

لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.



قم بالدخول للإطلاع على المزيد من المحتوى

لتتمكن من الوصول إلى جميع الدروس والتمارين والمسابقات والفيديوهات وتصفح الموقع براحة قم بالدخول أو بتسجيل حساب مجانا.