المطالعة الموجهة أيّها الولد
هو أبو حامد محمّد بن محمّد بن أحمد الغزاليّ الطّوسيّ النيّسابوريّ الفقيه الصّوفيّ الشّافعيّ الأشعري ، الملقّب بحجّة الإسلام ولد سنة 1058 م ، مجدّد القرن الخامس الهجريّ ، وهو أحد أعلام عصره .
من أشهر كتبه : تهافت الفلاسفة ، المستصفى في علم الأصول ، إحياء علوم الدّين ، والمنقذ من الضّلال ، و توفي سنة 1111 م .
إنّ واحدا من الطّلبة المتقدّمين لازم خدمة الإمام الغزالي و اشتغل بالتّحصيل و قراءة العلم حتّى جمع من دقائق العلوم و استكمل من فضائل النّفس فكتب إلى الشّيخ الإمام استفتاء ليدلّه على العلوم الّتي تنفعه غدا في قبره و العلوم الّتي لا تنفعه . فكتب الشّيخ هذه الرّسالة إليه في جوابه .
اعلم أيّها الولد المحبّ أطال الله بقاءك بطاعته ، و سلك بك سبيل أحبّائه أنّ منشور النّصيحة يُكتب من معدن الرّسالة عليه السّلام إن كان قد بلغك منها نصيحة فأيّ حاجة لك في نصيحتي ؟ و إن لم يبلغك فقل لي ماذا حصّلت في هذه السّنين الماضية ؟
أيّها الولد : من جملة ما نصح به رسول الله – صلّى الله عليه و سلّم – أمّته قوله : " علامة إعراض الله العبد اشتغاله بما لا يعنيه و إن امرؤ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته و من جاوز الأربعين و لم يغلب خيره شرّه فليتجهّز إلى النّار " .
أيّها الولد : النّصيحة سهلة و المشكل قبولها لأنّها في مذاق متّبعيّ الهوى مرّة إذ المناهي محبوبة في قلوبهم و على الخصوص لمن كان طالب العلم الرّسميّ مشتغلا في فصل النّفس و مناقب الدّنيا ، فإنّه يحسب أنّ العلم المجرّد له سيكون نجاته و خلاصه فيه ، و إنّه مستغن عن العمل – و هذا اعتقاد الفلاسفة – سبحان الله العظيم لا يعلم هذا القدر أنّه حين حصل العلم إذا لم يعمل به تكون الحجّة عليه ، كما قال رسول الله – صلّى الله عليه و سلّم – : أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه " .
أيّها الولد : لا تكن من الأعمال مفلسا ، و لا من الأحوال خاليا ، و تيقّن أنّ العلم المجرّد لا يأخذ اليد ، مثاله : لو كان على رجل في برّيّة عشرة أسياف هنديّة مع أسلحة أخرى ، و كان الرّجل شجاعا و أهل حرب فحمل عليه أسد عظيم مهيب فما ظنّك ؟ هل تدفع الأسلحة شرّه عنه بلا استعمالها و ضربها ؟ فمن المعلوم أنّها لا تدفع إلّا بالتّحريك و الضّرب ، فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علميّة و تعلّمها و لم يعمل بها لا تفيده إلّا بالعمل ، و مثله أيضا لو كان لرجل حرارة و مرض صفراويّ يكون علاجه بالسّكنجبين و الكشكاب فلا يحصل البرء إلّا باستعمالها :
لــــو كِلْــتَ أَلْفَـــيْ رِطْلِ خَمْــرٍ لَمْ تَــــكُــــنْ لِتَـــصيــــــرَ نَـــشْــوانـــاً إِذا لَـــــمْ تَـــشْــــرَبِ
و لو قرأت العلم مائة سنة و جمعت ألفي كتاب لا تكون مستعدّا لرحمة الله تعالى إلّا بالعمل : " و أن ليس للإنسان إلّا ما سعى " [1] ، " فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا "
أيّها الولد : كم من ليلة أحييتها بتكرار العلم و مطالعة الكتب و حرّمت على نفسك النّوم ، لا أعلم ما كان الباعث فيه إن كان نيل عارض الدّنيا و جذب حطامها و تحصيل مناصبها و المباهاة
على الأقران فويل لك ثمّ ويل لك . و إن كان قصدك فيه إحياء شريعة النّبيّ و تهذيب أخلاقك و كسر النّفس الأمّارة بالسّوء فطوبى لك ثمّ طوبى لك و لقد صدق من قال :
سَهَـــرُ العُيـــونِ لِغَيْـــرِ وَجْهِـــكَ ضـــائِــــعٌ و بُكـــــاؤُهُــــنَّ لِــغَــيْــرِ فَـــقْـــدِكَ بــــاطِــــلُ
أيّها الولد : العلم بلا عمل جنون و العمل بغير علم لا يكون .و اعلم أنّ العلم لا يبعدك اليوم عن المعاصي ، و لا يحملك على الطّاعة ، و لن يبعدك غدا عن نار جهنّم ، و إذا لم تعمل اليوم ، تقول غدا يوم القيامة : فارجعنا نعمل صالحا ، فيقال : يا أحمق
أنت من هناك تجيء !
أيّها الولد : اجعل الهمّة في الرّوح ، و العزيمة في النّفس ، و الموت في البدن لأنّ منزلك القبر ، و أهل المقابر ينتظرونك في كلّ لحظة متى تصل إليهم ، إيّاك ، إيّاك أن تصل إليهم بلا زاد .. فلا تأمن انتقالك من زاوية الدّار إلى هاوية النّار ، و روي أنّ الحسن البصريّ – رحمه الله – أعطي شربة ماء بارد فأخذ القدح و غشي عليه و سقط من يده ، فلمّا أفاق قيل له : ما لك يا أبا سعيد ؟ قال : ذكرتُ أمنية أهل النّار حين يقولون لأهل الجنّة أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم الله .
أيّها الولد : لو كان العلم المجرّد كافيا لك و لا تحتاج إلى عمل سواه ، لكان نداء هل من سائل ، هل من مستغفر ، هل من تائب ضائعا بلا فائدة . قال الرّسول – صلّى الله عليه و سلّم – لرجل من أصحابه : يا فلان لا تكثر النّوم باللّيل ، فإنّ كثرة النّوم باللّيل يجعل صاحبه فقيرا يوم القيامة .
أيّها الولد : قال – صلّى الله عليه و سلّم – : " اعمل لدنياك بقدر مقامك فيها ، و اعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها و اعمل لله بقدر حاجتك إليه ، و اعمل للنّار بقدر صبرك عليها " .
و قال " حاتم الأصمّ " : " إنّي رأيت بعض الخلق ظنّ شرفه و عزّه في كثرة الأقوام و العشائر فاغترّ بهم ، و زعم آخر أنّه في ثروة الأموال ، و حسب بعضهم الشّرف و العزّ في غصب أموال النّاس و ظلمهم و سفك دمائهم ، و اعتقدت طائفة أنّه في إتلاف المال و إسرافه و تبذيره ، و تأمّلت في قوله تعالى : " إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم " [1] فاخترت التّقوى ، و إنّي رأيت كلّ واحد يسعى بجدّ و يجتهد بمبالغة لطلب القوت و المعاش بحيث يقع به في شبهة و حرام و يذلّ نفسه ، و ينقص قدره ، فتأمّلت في قوله تعالى : " و ما من دابّة في الأرض إلّا على الله رزقها " [2] فعلمت أنّ رزقي على الله تعالى . و إنّي رأيت كلّ واحد معتمدا على شيء مخلوق بعضهم إلى الدّينار و الدّرهم و بعضهم إلى المال و الملك و بعضهم إلى مخلوق مثله ، فتأمّلت في قوله تعالى : " و من يتوكّل على الله فهو حسبه إنّ الله بالغ أمره قد جعل لكلّ شيء قدرا " [3] فتوكّلت على الله تعالى فهو حسبي و نعم الوكيل ...
و اعلم بأنّ بعض مسائلك الّتي سألتني عنها لا يستقيم جوابها بالكتابة و القول إن لم تبلغ تلك الحالة تعرف ما هي ، و إلّا فعلمها من المستحيلات لأنّها ذوقيّة و كلّ ما يكون ذوقيّا لا يستقيم وصفه بالقول كحلاوة الحلو و مرارة المرّ ...
مجموعة رسائل الإمام الغزالي
[1] سورة الحجرات : الآية 13 .
[2] سورة هود : الآية 6 .
[3] سورة الطّلاق : من الآية 3 .
[1] سورة النّجم : الآية 39 .
لمن وجّه الإمام الغزاليّ نصائحه ؟
أسدى الكاتب نصائحه إلى أحد طلبته المجتهدين .
حدّد النّصائح الّتي وردت في النّصّ .
- النّصائح المهمّة الّتي وجّهها الإمام إلى تلميذه هي :
- طلب العلم النّافع المتبوع بالعمل الصّالح .
- تقوى الله .
- التّوكّل على الله و الإخلاص له .
- الابتعاد عن المعاصي
- . قبول النّصيحة و العمل بها .
- كبح جماح النّفس .
ما هو العلم النّافع في نظر الكاتب ؟
العلم النّافع في نظر الكاتب هو الّذي يبعد صاحبه عن المعاصي و حطام الدّنيا و ارتكاب الأخطاء .
وضّح علاقة العلم بالعمل وفقا لما جاء في النّصّ و بيّن رأيك في ذلك .
إنّ علاقة العلم بالعمل علاقة ترابطيّة تكامليّة إذ أنّ العلم لا يكون نافعا إلّا إذا اتّبع بالعمل فإذا كسب المرء علما و لم يستخدمه فيما يفيد فلا ينفعه ذلك العلم .
يكشف النّصّ عن جانب من الصّراع بين الفلاسفة و الإمام الغزاليّ ، وضّحه و اذكر الكتاب الّذي ألّفه في هذا المجال .
الكتاب الّذي تضمّن الصّراع بين الإمام و الفلاسفة هو كتاب " تهافت الفلاسفة " .
يدعو الإمام إلى الإصلاح و إلى الزّهد في الدّنيا استخرج من النّصّ ما يدلّ على ذلك .
يدعو الإمام إلى الإصلاح و إلى الزّهد في الدّنيا ، ممّا يدلّ على ذلك من النّصّ قوله :
لا تكون مستعدّا لرحمة الله تعالى إلّا بالعمل ... و إن كان قصدك فيه إحياء شريعة النّبيّ ة تهذيب أخلاقك ... فطوبى لك
حجج الإمام قويّة التّأثير ، ما السّبب في ذلك ؟ وضّح من خلال النّصّ .
هي حجج قويّة التّأثير لأنّ الإمام اعتمد على مخاطبة العقل و القلب في آن واحد و باستعمال أسلوبي التّرغيب و التّرهيب .
من أين استمدّ الإمام نصائحه ؟
استمدّ الإمام نصائحه من القرآن الكريم و السّنّة النّبويّة الشّريفة .