النص التواصلي الموشّحات و الغناء
أحمد هيكل كاتب و شاعر مصري من مواليد 1922 م اشتغل بالتدريس ، و تحصل على جائزة مبارك لأعماله سنة 2004
لقد ولع الإسبان بالموسيقى و كلفوا بالغناء منذ قدم العرب عليهم فازدهرت الموسيقى و شاع الغناء في الأندلس و قوي احتكاك العنصر العربيّ بالعنصر الإسبانيّ ، فكانت بذلك نشأة الموشّحات استجابة لحاجة اجتماعيّة و حاجة فنّيّة
تعود نشأة الموشّحات في الأندلس إلى أواخر القرن الثّالث الهجريّ ، و هو يقابل القرن التّاسع ميلاديّ، حيث ازدهرت في هذه الفترة الموسيقى و شاع الغناء. و قوي احتكاك العنصر العربيّ بالعنصر الإسبانيّ ، فكانت بهذا نشأة الموشّحات استجابة لحاجة فنّيّة و نتيجة لظاهرة اجتماعيّة ، أمّا كونها حاجة فنّيّة فهو أنّ الأندلسيّين كانوا قد ولعوا بالموسيقى و كلفوا بالغناء ، منذ أن قدم عليهم " زرياب " من المشرق – فنعم الأستاذ زرياب – فاستطاع أن يغرس أصول الموسيقى و الغناء في تربة الأندلس الخصبة، و أشاع فيهم فنّه . و كان لازدهارها تأثير بالغ في الشّعر .
و قد اتّخذ هذا التّأثير صورة خاصّة في الحجاز و العراق حين ازدهر فيهما الغناء و الموسيقى في العصر الأمويّ ثمّ العبّاسيّ . و كذلك اتّخذ هذا التّأثير صورة مغايرة في الأندلس حين ازدهر فيها الغناء و الموسيقى في الفترة الّتي نسوق عليها الحديث . يبدو أنّ الأندلسيّين أحسّوا تخلّف القصيدة العربيّة الموحّدة القافية إزاء الألحان المتنوّعة ، و شعروا بجمود الشّعر الجديد لمواكبة الموسيقى و الغناء تنوّعهما و اختلاف ألحانهما. من هنا ظهر هذا الفنّ الشّعريّ الغنائيّ المتنوّع الأوزان و المتعدّد القوافي و الّذي تعدّ الموسيقى أساسا من أسسه فهو ينظم أوّل ما ينظم للتّلحين و الغناء .
و أمّا أنّ الموشّحات قد جاءت نتيجة لظاهرة اجتماعيّة فبيانه أنّ العرب امتزجوا و ألفوا شعبا جديدا فيه عروبة و فيه إسبانيّة و كان من مظاهر هذا الامتزاج ، أن عرف الشّعب الأندلسيّ العامّيّة اللّاتينيّة كما عرف العامّيّة العربيّة فكان هناك ازدواج لغويّ نتج عن الازدواج العنصريّ، و كان لا بدّ أن ينشأ أدب يمثّل تلك الثّنائيّة اللّغويّة ، فكانت الموشّحات منذ نشأتها إلى ما بعد ذلك تنظم بالعربيّة الفصحى إلّا الفقرة الأخيرة الّتي تسمّى " الخرجة " تعتمد على العامّيّة الأندلسيّة ، و معروف أنّ تلك العامّيّة كانت عامّيّة العربيّة. كان الشّاعر يأخذ اللّفظ العامّيّ و العجميّ و يسمّيه المركز، و يصنع الموشّح. فكان للموشّحات جانبان : جانب موسيقيّ في تنويع الوزن و القافية ، و هذا استجابة لحاجة الأندلس الفنّيّة حين شاعت الموسيقى و الغناء ، و جانب لغويّ يتمثّل في أن تكون الموشّحة فصيحة في فقراتها، عامّيّة في خرجتها، و هذا نتيجة للثّنائيّة اللّغويّة الّتي كان سببها الثّنائيّة العنصريّة. و الّذي يمكن الاطمئنان إليه هو أنّ الموشّحات بنيت على أغنيات أندلسيّة محلّيّة و استوحت بعض أغاني الأندلسيّين الّعبيّة الّتي لم يسجّلها المؤرّخون ، فالمعقول أنّه يكون للأندلسيّين أغان شعبيّة كأيّ شعب له أغانيه ، و المعقول أن تكون هذه الأغاني متنوّعة القافية ، و قد نظمت بالعامّيّة الأندلسيّة الّتي تمتزج فيها العربيّة بالعامّيّة اللّاتينيّة، و المعقول أنّ مخترع الموشّحات إنّما أفاد من هذه الأغنيات الشّعبيّة لأنّه سيأخذ في الغالب ألفاظا عامّيّة هي المدد الأوّل لتلك الألفاظ، و أخبرنا " ابن بسّام " في حديثه عن نشأة الموشّحات و الأغنيات أنّها هي المدد الأوّل لتلك الألفاظ و لا سيّما حينما يكون الاقتباس لعمل مشابه، و هو الموشّحات ذات النّشأة الغنائيّة كما يسجّل في ذلك بعض الوشّاحين أمثال : " ابن القزّاز ، نزهون بنت القليعي ، ابن بقي ، ابن سهل ، الشّشتريّ ، السّدراتيّ ، لسان الدّين بن الخطيب، و آخرين مجهولين ... " .
و قد تطوّرت الموشّحات بعد فترة نشأتها تطوّرات متعدّدة و كان من أهمّها ما أصابها في القرن الخامس الهجريّ ، أيّام ملوك الطّوائف ، ثمّ تطوّر آخر بعد ذلك بقليل فرع منها يسمّى " الزّجل " حتّى أصبح هذا الاتّجاه الشّعبيّ ممثّلا في لونين: لون " الموشّحات " و قد صارت تكتب جميعا باللّغة الفصحى ، و لون " الأزجال " ، و قد صارت تكتب باللّعة العامّيّة .
و انتقل هذان اللّونان من الأندلس إلى المشرق فكثر فيها الوشّاحون و الزّجّالون و عرفها كذلك الأدب الأوربّيّ ، فتأثّر بهما شعراء جنوب فرنسا المسمّون ﺑ " التروبادور " . كما تأثّر بهما كثيرون من الشّعراء الإسبان الغنائيّين ، و انتقل التّأثير إلى الشّعر الإيطاليّ ممثّلا في عدّة أنواع ، مثل النّوع الدّينيّ المسمّى " بالاد " و النّوع الغنائيّ المسمّى " لود " و خلاصة القول إنّ الموشّح لون من ألوان الشّعر العربيّ استحدثه الأندلسيّون و برعوا فيه ، و هو عبارة عن منظومة شعريّة تتألّف من عدّة وحدات، كلّ وحدة منها لها قافية مستقلّة مع وجود لازمة تسمّى " القفل " يبتدئ بها الموشّح غالبا و تتكرّر بوزن و قافية و عدد أبياتها ثابت مع وحدات المنظومة كلّها، ثمّ تجعل اللّازمة أو القفل ختاما له .
حضارة العرب – بتصرّف –
- حدّد تاريخ نشأة الموشّحات في الأندلس .
- تعود نشأة الموشّحات في الأندلس إلى أواخر القرن الثّالث هجريّ الموافق للقرن التّاسع ميلاديّ .
- ما الذي ساعد على ظهورها ؟
- ازدهار الموسيقى و الغناء . انتشار مجالس اللّهو . الثّراء الفاحش . تأثّر الشّعراء العرب بالأغاني الأسبانيّة الشّعبيّة المتحرّرة من الأوزان والقوافي .الشّعور بضرورة الخروج من الأوزان القديمة المعروفة .
- من هو " زرياب " ؟
- زرياب فنّان مشرقيّ سافر للأندلس استطاع أن يغرس أصول الموسيقى و الغناء في تربة الأندلس الخصبة
- ماذا تعني كلمة " موشّح " ؟ و لماذا أطلقت على هذا النّوع من الشّعر ؟
- كلمة موشّح تعني : موشّح أو موشّحة أو توشيح ، وتجمع على موشّحات أو تواشيح من وشّح بمعنى زيّن أو حسّن أو رصّع .
- لماذا استحدث الأندلسيّون الموشّح ؟
- استحدث الأندلسيّون الموشّح لتمثيل الازدواج اللّغويّ بين اللّغة العربيّة و الاسبانيّة .
- كيف يبنى الموشّح ؟ و ما عناصره ؟
- بنيت الموشحات على أغاني أندلسيّة محليّة و نظمت بالعامّيّة الأندلسيّة الّتي تمتزج فيها العربيّة بالإسبانيّة .
- ما الموضوعات الّتي تناولها الوشّاحون ؟
- من الموضوعات الّتي تناولها الوشّاحون : الغزل و الخمر .
- هل كان للموسيقى العربيّة أثر في ازدهار الأغنية الأندلسيّة ؟
- نعم ، كان ذلك .
- ما نمط النّصّ ؟
- نمط النّصّ تفسيريّ .
- ما الموضوع المعالج في هذا النّصّ ؟
- الموضوع المعالج في النّصّ هو الموشّحات : نشأته و تطوّرها .
- ما الفرق بين الموشّحات و الأزجال ؟
- الفرق بين الموشّحات و الأزجال يكمن في أنّ الموشّحات تكتب باللّغة الفصحى بينما الأزجال تكتب باللّغة العامّيّة .