نص تواصلي الطبيعة من خلال الشعر الجاهلي
تعرفت في النص الأدبي السابق على شاعر جاهلي أحب الطبيعة حبا جعله يتابع ظاهرة البرق ليلا، و يتفنن في وصف تداعياتها على نفسه و على محيطه . و الآن نعرض عليك دراسة أدبية حديثة تتطرق بالتحليل و الشرح لشعر الطبيعة في العصر الجاهلي و أهم رواده من خلال النص الآتي
قامت حياة العربي على الرحلة و الانتقال سعيا وراء الكلأ و بحثا عن الماء ، يقيم حيث يرى الرزق ، فيحيل بخيمته و ينصب أثافيه و يوقد النار حتى ينصب هذا المورد فينتقل إلى غيره ، و يعيش بذلك في مساس مع الطبيعة ، يرعى النجوم في أفلاكها ، و ينظر إلى السماء ، و كواكبها ، و يرقب السحب و الغيوم و الرعد و البرق ، يعبر الصحراء و يمر بالوهاد و التلول و النجاد و السواقي و المياه ، فهو في صلة مع هذه الظواهر لا تتقطع ، عليها عيناه في الصباح و الظهيرة و المساء و الليل كأنه راصد فلكي أو جغرافي باحث ، و ليس غريبا أن يقع في آثار من حل قبله أو يمر بالأماكن التي نزل بها غيره ، فيرى الديار و الدمن و الأوطان بين نازح و منيخ يحط رحله ، فتتنازع الشاعر عاطفة غريبة لهذه الصحراء و البادية و الخباء و الخيام ، ويرى فيها موضوعات مختلفة تحدثه الأحجار عن حب سلف أو معركة تنشب أو قوم لهوا أو غارات وقعت ، فينطلق لسانه بما يلفه من مكان أو يطوف برأسه من حوادث الزمان ، فيرسم الطبيعة و يصور ما تقلب عليها من حب و لهو وصيد وقنص .
وقد وصلت إلينا في الشعر الجاهلي أوصاف الصحراء والليل و السحاب و البرق والغيث. رأى الأعشى أن الصحراء أشبه بظهر الترس في استوائها ، وأنها مقفرة موحشة ، فما يسكنها إلا الجن الذين يمرحون فيها و يصخبون خلال الليل حين يلف السكون عالم الصحراء و يخيم الظلام ، فهي وطنهم ومرتعهم ومحل عبثهم و دنياهم . فإذا أشرق النهار و عمت الشمس بعد ذلك أرجاء الكون ، اشتد القيظ و الهجير فما يطيقه إلا الفرسان الشجعان و الأبطال الغطاريف ، فهم يقطعون الصحراء و يقتحمون الأهوال و المخاطر .
و شرع المرقش الأكبر يصفها سوداء لبعد عهدها بالنبات و حرمانها من الماء ، فالإبل تسير في ضنك و إرهاق متعبة مكدودة ، و العابرون يصيبهم النعاس لخمود الطبيعة و سكونها و شدة ما يكتنفها من ظلام .
و أخذ سويد بن أبي كاهل يصف الفلاة رأس أصلع فيه بقايا من الشعر ، و يرسم السراب يسبح في البيداء و يرقص على الجبال فهي مخوفة هائلة .
أما الليل فتخيله امرؤ القيس يرخي ستائره على الكون مشبها إياه بالبحر حين يغمر السابحين ، وأن نجومه المتلألئة كأنها مربوطة بأمراس شديدة الفتل إلى رأس جبل لا تريم و لا تتحرك ، ثابتة ، ثقيلة الوطء على الساهر المخزون . و الشاعر يجد في الليل موضعا للفخر ، كان الليل يبلوا قوته و شجاعته .
و النابغة الذبياني ، يحسب الليل أبديا لبطئه و طوله ، و كأنه مقيم لا يرتحل، أو كان الراعي الذي يسوق النجوم إلى غايتها قد نسي قطيعه و سافر فما يعود !
و مهلهل بن ربيعة ، أصابه الهم فطال سهره ، وجفاه النوم ، فكأن النجوم واقفة ، أو كان كوكب الجوزاء كنياق تجمعت حول ولديها و فصيلها المكسور فلا تبرح مكانها ، أو كأن الفر قدين يدا رجل مقامر بغيض لا تقفان عن الحركة حول القمار و لا تتجاوزانه .
و بخصوص المطر حين ينسكب يملأ الأرض و يغمرها ، فهو يخفي أوتاد الخيم و يغطي الأشجار فما تبدو منها إلا رؤوسها يعلوها الزبد ، فيخيل إلى الرائي أنها رؤوس مفصولة عن أعناقها تسبح في الماء ، ووصفي الأعشى البرق يلتمع ثم يخبو، فرأى أنه كشعلة تومض و تنطفئأو شرارة تبدو و تختفي ، و السحاب العارض ظلمات متراكمة تسح و تتكسب فتملأ المياه كل مكان ، و تجاوز الحد فتبلغ الأمكنة العالية و الكثبان المنتشرة .
و أما عبيد بن الأبرص فيرى أن البرق يضيء كالصبح في لمعانه ن و أن السحاب يدنو من الأرض حتى ليحسب الإنسان أنه يمس خطوطه بيديه أ و يدفعه بكفيه.
و خلاصة القول في شعر الوصف عند الجاهلين أنه قاتم يصور حياتهم الحزينة و رسومهم الكئيبة و ديارهم المقفرة ، تعمرها الأوابد و الوحوش ، وحين تصيبهم الأمطار تكسب السماء عبوسا و البيوت اضطرابا . وذلك لاضطراب عيشهم و شدة تنقلهم و ضربهم في أطراف الأرض وراء الرزق فلا قرار و لا هدوء كأنهم يكتوون بالشمس يرزؤون بالرمل و الأنواء فتغدو حياتهم كالجحيم ، ولذلك كانوا يحملون بالنعيم و بالجمام ، و بالهدوء و الشراب السائغ و الوسائد الناعمة و نوم الضحى ، و يرون فيها مثلا أعلى لأمالهم .
بتصرف . من كتاب : " تأليف نخبة من الأساتذة "
- الأهداف الرئيسية :
التعرف على وصف الطبيعة من خلال الشعر الجاهلي - أهم شعراء الوصف - الخصائص اللفظية و المعنوية - حالات بناء الفعل الماضي - توظيف الفعل الماضي في جمل مفيدة
الأهداف الوسيطة .
دراسة المعاني و الأفكار و أساليب التعبير.
أثافيه : ينضب
الوهاد و النجاد : الدمن
الآرام : جمع رئم أي الظبي الخالص البياض
حجج : حجة أي سنة
الظباء : الأوابد
الترس : الأنو
- كيف ساعدت حياة العرب في العصر الجاهلي على رصد مظاهر الطبيعة وتصويرها ؟
- كيف وصف زهير الأطلال ؟
-
بم شبه لبيد الأطلال ؟
- هل يختلف وصفه ووصف زهير ؟
-
بم شبه الأعشى الصحراء ؟
-
ما الصورة التي تخيلها امرؤ القيس لليل ؟
-
ما الصورة التي رسمها الاعشى لالتماع البرق ؟ وبم شبه السحاب الكثيف ؟
-
تناول الأعشى وابن الأبرص موضوعا واحدا . ماهو ؟ وفيم اتفقا وفيم اختلفا في الوصف ؟
-
بين كيف صور شعر الطبيعة حياة الجاهليين ؟
- ساعدت حياة العرب في الجاهلية الشعراء على رصد مظاهر الطبيعة كونها كانت قائمة على الترحال و الانتقال بحثا عن موارد العيش.
- وصف زهير الاطلال ببغايا الوشم في عروق المعلم: شبه لبيد الاطلال بالكتب القديمة التي جدد كاتبها سطورها كما شبه الاطلال ببقايا وشم في عروق المعلم.
- شبه الاعشى الصحراء ب ظهر الدرس يسكنها ليلا الجن لانها موحشة لا يقطع فلاوتها الا الابطال الشجعان.
- الصورة التي تخيلها امرؤ القيس لليل هيصورة البحر كأنها ربطت بامراس شديدة الفتل الى راس جبل فبقيت ثابتة هذا الوصف يدل على طول الليل و موقفه منه اما الخيم المغمورة بمياه المطر شبهها برؤوس مفصولة عن اعناقها تسبح في الماء.
- الصورة التي رسمها الاعشى لالتماع البرق هي صورة الشعلة تومظ و تنطفئ او شرارة تبدو و تختفي اما السحاب ابكثيف فشبهه بالظلمات المتراكمة.
- الموضوع هو البرق, اما وجه الاختلاف فالاعشى يصفه بشعلة تومظ و تختفي اما عبيد بن....فشبهه بالصبح في لمعانه.
- الشعراء في العصر الجاهلي وصفو الطبيعة كئيبة حزينة كحزنهم و قساوتهم.
- بم تفسر التصوير لدى الجاهلين ؟
- ما مدى أثر قساوة البادية والصحراء في تغني الشعراء بقيمتي و الشجاعة و البطولة ؟
- لماذا لم تنل هذه القساوة من افراحهم ؟
- لماذا مزج الشاعر الجاهلي بين وصف الليل و وصف الهموم ؟
- من ابدع في وصف الطبيعة أشعراء البوادي أم شعراء الحضر ؟
-
ان التصوير لدى الجاهلين هو وصف ما تقع عليه أعينهم فهو يعكس قساوة حياتهم.
-
ان قساوة البادية ولدت فيهم الفتوة و روح المغامرة و الشجاعة و البطولة و المجازفة.
-
هذه القساوة لم تنل من افراحهم بل شجّعتهم على نظم الشعر اما آثارها فتظهر في الالفاظ التي يوظفونها وهي الغربية الخشنة الجافة الغليظة المناسبة للبيئة الصحراوية.
-
لان في الليل تتراكم الهموم..
-
الشعراء البوادي هم الذين ابدعوا في وصف الطبيعة لانّ صلاتهم بها اقرب و اقوى.