النص الادبي من نقائض جرير و الفرزدق
هو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة التميمي ، لُقب بالفرزدق، وهو الرغيف الضخم، لغلاظة وجهه. وُلد في البصرة سنة 20 هـ/641 من أب من أشراف قومه فنشأ معتزا بنفسه مفتخرا بقومه. نشأ في البادية فروى الشعر حتى نَبغ فيه.
كانت بينه و بين جرير نقائض شعرية قامت على أساس الفخر والهجاء. توفي سنة 110 هـ من آثاره ديوان شعر ضمّ أغراضاً مختلفة.
هو أبو حرزة جرير بن عطية اليربوعي التميمي، ولد باليمامة حوالي سنة 33هـ ، نشأ فقيراً يرعى غُنيمات لأبيه. كان فصيح اللسان، مطبوعا على الشعر.
توفي بعد موت الفرزدق بشُهور حوالي 110هـ، من آثاره ديوان شِعر ضم أغراضاً مختلفة.
تميّز عصر بني أمية بنشاط الشعراء في إحياء العصبية القبلية والافتخار بالآباء والأجداد، وقد شجع الحكام هذه المعارك الأدبية لصرف النّاس عن شُؤون الحكم، وشغلوهم بالتنافس و التفاخر و التهاجي ، و حملت هذه المعارك الأدبية اسم " النقائض ".
وفي هذين النّصين يفتخر كل من الفرزدق وجرير بقومه وبصفاتهم المجيدة و يحاول كل منهما أن يدحض ادعاء صاحبه.
إنّ الذي سمك السَّماء بنى لنا | بيتاً دعائمُـهُ أعزُّ وأطـــــولُ |
بيتـأً بنـاهُ لنا المليـكُ وما بنـى | حكـمُ السّمـاء فإنَّـهُ لا يُنقــــلُ |
بيتـاً زُرارةُ مُحتـبٍ بِفِنـائِـــــهِ | ومُجاشِعٌ وأبو الفوارس نهشلُ |
لا يحتبـي بفنـاءِ بيتِـك مثلهــم | أبـداً إذا عُـدَّ الفِعـالُ الأفضـــلُ |
الأكثـرون إذا يُعـدُّ حصاهُـــمُ | والأكــرمـــون إذا يُعـــدُّ الأوَّلُ |
أحلامُنـا تـزنُ الجِبـالَ رزانـةً | وتخـالُنــا جِنّــاً إذا مــا نجْـهــلُ |
أخْزى الذي سَمَك السّماءَ مُجاشِعاً | وبنى بِناءَك في الحضِيضِ الأسْفَلِ |
ولقـد بَنَيْــتَ أخَـسَّ بيْــتٍ يُبـْتَـنــى | فَـهَدَمـْـتُ بـَيـْتَـكُـم بِـمِثْـلَـيْ يـَذْبـــــُلِ |
أَحْـلامـُنـا تـزِنُ الـجِـبـالَ رزانَـــةً | ويَـفُـوقُ جـاهِـلُنـا فِـعـالَ الـجُـهَّـــــلِ |
: النقائض: مفردها نقيضة. ونَقْضُ الحُكم إبْطالُه، وانتقض الشّيء: فسد بعد إحْكامِه، ومِنْهُ انتقَضَ البِناء، وانْتَقَضَ الوُضوء. ونَقَضَ الشيءَ نَقْضاً : أفْسَدَهُ بَعْد إحْكامِه، ومِنْهُ نَقَضَ البِناء: هَدَمَه، وفي التنزيل العزيز:" ولا تكونوا كالتي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّة أنْكاثا "، ونَقْضُ اليمين أو العهْد نَكْثُه وفي التّنزيل العزيز:" ولا تنْقُضُوا الأيْمانَ بعْد توكِيدِها " ـ النحل : 91 ـ وقولِه أيْضاً : " الذينَ ينْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ميثاقِهِ " ـ الرعد:25 ـ
سَمَكَ: علا وارتَفَعَ، وسمك الشيءَ رفعهُ، وفي التنزيلِ العزيز:" أَأنْتُم أشَدُّ خَلقاً أمِ السَّماءُ بَناها ـ27 ـ رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها ـ28 ـ النازِعات ـ
الدعائِم: جَمْعُ دعامة، وهي عمود البيت. أعز: أقوى. المليك: الله، مِن أسماء الله الحُسنى. لا يُنْقَل: لا يتحول. زُرارة ومُجاشِع ونَهْشَل: أجداد الفرزدق الذين يعتز بِهِم ويفْتخِر. مُحتبٍ: جالِس والاحتباء هو الجمع بين الساقين والظهر بثوب. الفِعالُ: العمل الحسن. أحلامُنا: جَمْعُ حِلْم، والحِلْمُ: الأناةُ وضبطُ النفس ، وكذا عقل ورزانة، وفي التنزيل: " أم تأْمُرُهم أحلامُهم بِهذا ". إذا ما نجْهل: إذا ما دُفِعْنا إلى الغضب والطيش والسفه وفي التنزيل: " قالوا اتخذنا هُزُواً قال أعوذُ بالله أن أكون من الجاهلين ". أخزى: انتقص مِن قيمتِه، والخِزْيُ هو الوقوع في بلِية وشر، والافتضاحُ مِم يُسْتحْيا مِنْه والذل والهوان. قال تعالى: " فاتقوا الله ولا تُخْزوني في ضَيْفي ". الحضيض: ما سَفَل مِنَ الأرض، كنِهاية سفْح الجبل. أخس: أحَط . يذْبُل: اسم جَبَل.
- ما المقصود بالبيت الذي يفتخر به الفرزدق ؟ ومَنْ خصّهُم بِهذا البيت ؟
- مَنْ المقصود بالمليك ؟ عين التعابير التي تدل على معنى المليك في البيت الأول و الثاني ، ولماذا كرر الشاعر هذا المعنى؟
- ما حال قوم الشاعر في الأناة والغضب؟
- البيت الذي يفتخر به الفرزدق بيت العِز والشرف، أي أنّه استعمل كلمة بيت استِعمالاً مجازِيا لا حقيقيا. وقد خص بهذا البيت أجداده: زُرارة ومُجاشِع وأبو الفوارس نهشل.
- المقصود بالمليك الله؛ وذلك أنّه مِن أسماء الله الحُسْنى والتعابير التي تدل على هذا المعنى في البيت الأول والثاني قوله في البيت الأول: الذي سمك السماء، وهي كِناية عن الله عزّ وجلّ، وعن صفة مِن صفاته وهي رفْعُ السماء بلا عمد، وقوله في البيت الثاني: حكمُ السماء، وقد كرر الشاعر هذا المعنى للدلالة على أنّ القوة التي رفعت السماء بِلا عمدٍ هي القُوة التي جعلت لِقَوْمِهِ نَسَباً شريفاً لا يتزعزع ولا يتحول.
- عدد الشاعر حال قومه في الأناة، فذكر كرمَهُم وحِلْمَهُم ورزانتهُم، أمّا في حال الغضب فقد شبههم بِالجِن قُوةً وطيْشا.
- بِم رد جرير على افتخار الفرزدق بِبَيْتِه ؟ ما تقديرُك لِهذا الرد ؟
- في البيْت الثالث رد جرير على الفرزدق، ما وجه القُوة أو الضعف في هذا الرد ؟
- رد جرير على افتخار الفرزدق بِقَوْلِه: أخزى، بنى بِناءَك في الحضيضِ الأسفلِ، بَنَيْت أخسّ بيْتٍ يُبْتَنى، وهو بِهذا يحُط مِن نسبِ الفرزدق وقومه، بينما يسْكُت عن الافتخار بِنَسَبِه وبيْتِه؛ وذلك أنّه لم يكُن مِن بيْت عِز وشرف.
- نجِد رد جرير أقوى وأبلغ؛ وذلك أنّ الفرزدق شبه فِعال قومه في حال الغضب بِفِعال الجِن، بينما جعل جرير طيْش قومِه وجهْلِهِم يفوق فِعال الجُهل.
- حدد المفاخِر التي اعتمدها الشاعر في أبياته ثم علق عليها ؟
- لِم اختار الشاعر عبارة "سمك السماء " في بيتِه الأول دون سِواها مِن صفات الله تعالى؟
- بِم تُفسر تلازُم الهِجاء والفخر؟
- يفتخر الفرزدق على جرير بِما منح الله قومه من شرف ومجد ثابت لا يزول؛ وذلك أنّه مِن صُنْعِ الله رافِعِ السماء .
- اختار الشاعر عبارة "سمك السماء" دون سِواها من صفات الله تعالى؛ وذلك أنّ القوة التي رفعت السماء بِلا عمدٍ هي القُوة التي جعلت لِقوْمِه بيت عِز وشرفٍ لا يتزعزع ولا يتحول.
- تلازم الفخر والهِجاء هو تلازُم بين الشّيْءِ وضِده، بين الصفات الحسنة ومواطن القُوة حين يكون الشاعر مُفْتخِرا، وبين الصفات السيئة ومواطن الضعف حين يكون الشاعر هاجِياً، وهو ما أنتج نوعاً جديداً مِن الشعر عُرِف في تاريخِ الأدب بالنقائض .
- هل ترى لكلمة "الأسفل" في البيت الأول أثراً في قوة المعنى؟
- ما الألفاظ الدالة على الهِجاء في الأبيات؟ وما دلالتها النفسية ؟
- ما الصفات التي افتخر بها الشاعر في البيت الأخير؟ وهل وُفق في اختيارِها؟
- افتخر الفرزدق بأجداده، بينما أعرض جرير عن هذا المنحى، لماذا؟
- نعم، نجِد لكلمة الأسفل في البيت الأول أثراً في قوة المعنى؛ وذلك أنّها صيغة تفضيل من جهة، ومِن جِهةٍ أُخرى نَجِدُها تتقابل في البيت نَفْسِه مع كلمة سمك، وهو تقابُل بين العُلُوّ والرفعة وبين الانحطاط والوضاعة، وعليه فكلمة الأسفل تشكل مع كلمة سمك طِباقاً يزيدُ المعنى قُوةً وجلاءً.
- الألفاظ الدالة على الهِجاء في الأبيات قول جرير: أخزى، الحضيض، أخس، ودلالتُها النفسية هي محاولة جرير الحط مِن نسب الفرزدق وبيت عِزِّه وشرفِه، كونِه فقير لا ينتمي إلى بيت عِزٍّ وشرف.
- افتخر الشاعر في البيت الأخير بِحِلْمِهِم الذي يزنُ الجِبال رزانةً في حال الأناة، وبِجهلِهِم الذي يفوقُ فِعال الجُهل مِن قوْم الفرزدق في حال الغضب. وقد وُفق في اختيارها؛ وذلك أنّ الفرزدق شبّه قومهُ في حال الغضب بالجِنّ، بينما جعل جرير قومه في حال الغضب يفوقون فِعال الجهل ؛ أي أنّهم يفوقون الجن طيشاً وسفهاً.
- أعرض جرير عن الافتخار بأجداده؛ لأنّه نشأ فقيراً بِلا حَسَبٍ ولا نَسَبٍ.
- استخرج الألفاظ الدالة على الفخر الواردة في نص كل شاعر.
- استعان الفرزدق ببعض أدوات التوكيد وأساليبه. ما أثرُها على تركيبة النّص؟
- ُذكُر النّمط الغالب على النّصين مع التعليل؟
- الألفاظ الدالة على الفخر الواردة في أبيات الفرزدق هي: بيتاً، دعائمُه، زُرارة، مُجاشِع، نهشل، الأكثرون، الأكرمون، أحلامُنا، رزانةً، جِنّاً.
أمّا الألفاظ الدالة على الفخر الواردة في أبيات جرير فهي: أحلامُنا، رزانةً، يفوق. - أثر توظيف الفرزدق لبعض أدوات التوكيد مِثل إنّ في قوله: إنّ الذي سمك السماء، فإنّه لا يُنْقل،... وأساليبه مِثل تِكرار كلمة بيت على تركيبة النّص أنّها خدمت المعنى في افتخاره واعتزازه بِبيت العِزّ والشرف الذي ينتمي إليه.
- النّمط الغالب هو الحِجاج؛ وذلك أنّ الفرزدق يُقدّم الأدلة على شرف قومِه وعِزَّتِهِم، كما أنّ جرير يرُد عليها مُحاوِلاً دَحْضَها.
- ما الحروف التي استخدمها الفرزدق للربط بين معانيه؟
- كلمة بيت تكررت كثيراً، علام يدل تِكرارها؟
- ما الضمير الرابِط للبيت الأول مع البيت الأخير من أبيات الفرزدق وعلام يدُل هذا؟
- استخدم الفرزدق الواو للربط بين معانيه في قوله: وأطول، ومُجاشِع وأبو الفوارس، والأكرمون،...وهو ما جعل نّه نّصا مُتسقا.
- يدُل تِكرار كلمة بيت تأكيد الفرزدق على بيت العِزّ والشرف الذي ينتمي إليه.
- الضمير الرابِط هو ضمير جماعة المتكلمين نحنُ في قوله: بنى لنا...أحلامُنا، جاهِلُنا، ويدُل ذلك على التزام الفرزدق من مطلع القصيدة إلى نِهايتِها بالفخر، كما أنّه يدُل على اتساق النّص مِن حيثُ إحالة الضمير على أجداده محور فخره.
- يقولون: " إنّ الفرزدق يميل إلى الفخر بالرفعة والكثرة من كل شيء " فهل ترى في النّص شيئاً من هذا؟ وضح ذلك.
- ما الأوضاع التي أفرزت ظاهرة النقائض في العصر الأموي؟
- ما الأسلوب الذي غلب على النّصين؟
1. نعم، نجِد في النّص فخرًا بالرفعة والكثرة، فأمّا الرفعة فقوله: سمك أي الرفع والعلو، والسماء لسُمُوِّها ورِفْعتِها، والدعائم وعليها يُرْفعُ كل شيءٍ، وأطول وفي الطول رِفْعة وعُلُو، والأفضل صيغة تفضيل وفي ذلك رِفْعة، والجِبال وما فيها من انتصاب وعُلُو وشُموخ. وأمّا الكثرة فقوله: الأكثرون، الأكرمون، أحلامُنا جمْعُ حِلْم، حصاهم، فنجِدُه يستعمل صيغة الجمع للدلالة على الكثرة.
2.ظهر شعر النقائض نتيجة ذلك الصراع السياسي بين بني أمية وشاعرهم جرير، وبين بني هاشم وشاعرهم الفرزدق، وهو ما يفسر عودة الناس من جديد إلى ما أُثِر عنْهم في جاهليتهم من عصبية قبلية وافتخار بالأنساب، وكذا الهجاء الذي حرمه الإسلام، وهي سياسة بني أمية في صرفِ الناس عن السياسة.
3.غلب على النّصين الأسلوب الخبري؛ وذلك أنّه الأنسب لكُل من مقام الفخر والهِجاء، ويتجلّى ذلك في توظيفِهِما لمُختلف أضرُب الخبر من
مثل :إنّ الذي سمك السماء...
أحلامُنا تزِنُ الجِبال رزانةً.