نص تواصلي تحول الهجاء عند الاخطل و الفرزدق و جرير
النقائض من فنون الشعر العربي التي عرفت ازدهاراً كبيراً في العصر الأموي على أيدي الأخطل وجرير والفرزدق، وهي تقوم أساساً على الفخر والهِجاء. وهذا الأخير حرّمه الإسلام، غير أنّه عاد إلى الظهور من جديد في العصر الأموي لأسباب اجتماعية وسياسيّة.
كانت الأهاجي في أكثرِها صوراً بسيطة، فالسُّعراء لا يتقيّدون بأن يرُدّوا على خُصومِهم بقصائد من نفس الوزن والقافية، ثمّ هم لا يقبلون على ذلك من حين إلى حين، يعبرون عن رغبات قبليّة، أو رغبات لجماعة ولكنها رغبات مقيّدة بحُروب وأيّام. وقد نجِد هِجاءً فردِيّاً لا يتقيّد بأيّام ولا بحُروب، ولكن هذا لا يهمّنا إنما يهمّنا الهجاء المتبادل الذي كان يأخذ شكل حرب لسانيّة بين القبائل بجانب الحرب الحقيقية.
فهذا الهجاء لم ينظم ولم تعط الحياة الفرصة لتنظيمه إذ كانت القبائل متباعدة وخاصة هذه التي كانت تتقاتل، وكان الشعراء لذلك لا تنتظم بينهم هذه الحروب اللسانيّة. ومن هنا كنا لا نعثر على هذا اللون من الشعر إلا قليلا.
ومعنى ذلك أن العرب قبل عصر بني أميّة لم يعرفوا هجاءً مُنظّماً يستمرّ يوميّاً استمراراً متصلا، على نحو ما يستمرّ في عصرنا إخراج الصحف اليوميّة إنما عرفوا هجاءً مُتقطعاً، يظهر من حين إلى آخر، تِبعاً لِنُشوب حروب وأيام بينهم.
فلمّا جاء العصر الأموي واستقرّت القبائل في مدينتي البصرة والكوفة وعادت العصبيات جذعةً رأيْنا هذه القبائل تجتمِعُ وتحتشِدُ في المربد وفي الكُناسة حول الشعراء، يستمعون منهم إلى ما يُنشدونهُ في الهجاء، وكأنّهم وجدوا في ذلك لهواً وتسلِيةً. حينئذٍ يتحوّل الهجاء مِن فنّ وقتي مُتقطِّع إلى فنّ دائم مستمر، فالقبائل مصفوفة في البلدتين، والشعراء متراصون في المربد والكناسة، والناس يتحلّقون حولهم لاستِماع ما يأتون به، بعضُهم من قبائلهم وبعضهم من قبائل أخرى، جاؤوا للفُرْجة والتّسلِية.
وفي العادة كان الجمهور يتحرك من شاعر الى شاعر وخاصة حين يحاول شاعر ان يرد على ما رمى به شاعر قبيلته فيشتد الحماس عند القبيلة وعند الجمهور المحتشد ويشتد الصفير و التصفيق و يتجمع الناس من كل مكان لينظروا ماهو صانع بخصمه وقد لا نغلو اذا قلنا ان الهجاء تحول تحت تاثير هذا التطور في الحياة العرب الى فن جديد وهوفن لا نشك في ان له بذورا قديمة و لكنه اصبح الان شيئا في القديم واما من حيث الصورة فقد صار مختلفا اذ اصبح ينشد يوميا و اصبح الشعراء يحترفونه احترافا .
وهذا اهم فرق بين الهجاء في القديم وفي الحديث او في العصر الجاهلي و العصر الاموي فالشاعر الجاهلي لم يكن يهجو ليضحك جمهورا و ليقطع له اوقات فراغة ولم يكن يهجو امام خصومه مباشرة ولم يكن يحترف الهجاء على النحو الذي نجده في عصر بني امية وخير مثل يصور ذلك "جرير" و صاحباه "الاخطل "و "الفرزدق" فقد تحول الهجاء عندهم الى حرفة و خاصة بين الاول و الاخير فكانا يعيشان في البصرة وكانا يختلفان الى المربد فينشدان الناس هناك اهاجيهما و يستثيران في اثناء ذلك حماس لبجماهير و حقا ان الشاعر كان يتكلم باسم قبيلته وكان يدافع عنها و كان يدافع عنها و كانت تتحمس له و تحتشد حوله و لكنها لم تكن كل غايته من هجائه انما كانت كل غايته ان ينال رضا الجمهور المجتمع في المسرح وان يثبت تفوقه على خصمه و انه ارسخ منه قدما في فن الهجاء و الشعر عامة .
و اظننا نستطيع الان ان نفهم كيف ان جريرا لم يقف في المريد دائما للدفاع عن قومه من تميم انما وقف في الغالب للدفاع عن قيس ضد الاخطل شاعر تغلب فهذا الموقف لا يمكن حله الا على اساس نظرية الهجاء القديمة التي اصابها تحول واسع فاذا بنا نجد شاعرا غير قيسي يقف حياته للدفاع عن قيس و يؤلف مع صاحبه ديوانين ضخمين يسميان ( نقائض "جرير" و الاخطا " )و (نقائض "جرير" و "الفرزدق") .
وليس عندنا قبل هؤلاء الشعراء الثلاثة دواوين للهجاء بهذا المعنى الذي نجده عندهم لان الهجاء لم يصبح فنا مستمرا يحترفه الشاعر ليستمعوا الى ما احدث من طرائف جديدة من اجل ذلك كنا نزعم ان الهجاء تحول عند الشعرا الثلاثة الى فن جديد او الى لون جديد ولا باس ان نسمي هذا اللون باسم النقائض وهو نفس الاسم الذي اختاره له القدماء الا اننا نرى ان نصطلح به على ما كان من هجائهم خاصة .
"التطور و التجديد في الشعر الاموي " .بتصريف
- بِم اتصفت صور الأهاجي في العصر الجاهلي؟
- ما خصائص الهجاء في العصر الأموي؟
- ما الظروف التي أدّت إلى تنشيط الهجاء في العصر الأموي؟
- كان الهجاءُ في العصر الجاهلي بسيطاً مُقيّداً بِحُروبهم وأيّامهم، ولا يتقيّد فيه الشُّعراء في الرّد على خُصومهم بالوزن نفسه والقافية نفسِها وكذا الرّوِيّ نفسه.
- تميّز الهجاء في العصر الأموي بالقُوّة نتيجة إثارة العصبيات القبليّة والتزام الخصمان بالوزن نفسه وكذا القافية والرويّ، مِمّا جعله فنّاً دائِماً مُستمِرّاً يُتخذ للّهو والتسلية.
- الظروف التي أدّت إلى تنشيط الهجاء في العصر الأموي هي:
- عودة العصبيّة القبليّة مِن جديد.
- استقرار القبائل في مدينتي البصرة والكوفة.
- احتِشاد النّاس في سُوقي المربد والكُناسة حول الشعراء مُشجعين مُتحمِّسين لما يُنْشِدونه من هجاء قصد اللّهو والتّسلية.
- غضّ الحُكّام الطرف عن هذه الحرب الكلاميّة؛ لصرف النّاس عن السِّياسة.
- هل النقائض ظاهرة متأصِّلة في المُجتمع العربي الجاهلي، أم أنّها وليدة ظُروف سياسيّة؟
- قِيل إنّ النقائض قد أسهمت في إذكاء العقل العربي في عصر بني أميّة، إلى أيّ مدى يُمكِن قُبول هذه الفِكرة؟ لماذا؟
- فِيمَ يتمثّل البُعد السّياسي والاجتماعي والعقلي لفن الهجاء والنقائض؟
- لم تكُن النقائض ظاهرة متأصِّلة في المُجتمع العربي الجاهلي، فلطالما ترفعتِ النّفس العربيّة الأبيّة عنِ السّبِّ والشّتم؛ لهذا نجِدُ الهجاء في العصر الجاهلي عابِراً وغير مُستمر. بينما لاقى في عصر بني أميّة رواجاً كبيراً إلى جانب الفخر وهو ما أفرز ظاهرة النّقائض، التي كانت وليدة ظروفٍ سياسيّة محضة.
- أسهمت النقائض في إذكاء العقل العربي في عصر بني أميّة؛ وذلك من خلال تزويده بِمُعجم للفصاحة والبيان، حتّى قِيل: "لولا شِعر الأخطل والفرزدق وجرير لضاع ثُلُث اللغة".
- يتمثل البُعد السِّياسي في: إحياء العصبيّة القبليّة بين العرب، والتفاخر بالأنساب، وهي أمور حرّمها الإسلام وقضى عليها.
ويتمثّل البُعد الاجتماعي في: ظُهور مُجتمع جديد يميل إلى اللهو والتّسلية لملء أوقات فراغه.
ويتمثّل البُعد العقلي في: جَزالة الألفاظ وتزويد اللغة بِمُعجم للفصاحة والبيان، ناهيك عن نُموّ العقل العربي وتعاطِيه للحِوار والمُناظرة والجدل.
- حدِّد الموضوع الذي يعالجه الكاتب في هذا النص؟
- مَن هم الشعراء الذين يُمثِّلون فنّ الهجاء في العصر الأموي؟
- ما الفرق بين النقائض والهجاء؟
- يُعالج الكاتب في هذا النص موضوع تحول الهجاء إلى نقائض.
- الشعراء الذين يُمثِّلون فنّ الهجاء في العصر الأموي هم: الأخطل والفرزدق وجرير.
- الهِجاء هو تِعداد الصفات السيِّئة في الخصم وذمِّه، أمّا النقائض فتقوم على كل مِن الفخر والهجاء معاً، أي على الفخر والاعتزاز بالنفس وتِعداد صفاتِها الحسنة مِن جِهة، وعلى ذمّ الخصم وتِعداد صفاتِها السيِّئة مِن جِهة أُخرى.