النص التواصلي: الفتوة و الفروسية عند العرب " عمر الدسوقي "
نشأت الفتوة عند العرب نشأة طبيعية في الصحراء الشاسعة ، كما تنبت الأزهار البرية العبقة الشذا في مجرى السيل على سفح الجبل، فالصحراء قد فرضت على العرب أخلاقا خاصة، و ألزمتهم بتقاليد لا يستطيعون عنها حولا، صارت لهم على مر السنين جبلة و طبيعة و فطرة ، و صارت عنوانا لهم بين العالمين.
و لا عجب فالصحراء فضاء متسع رحيب، يملأ جوانب النفس خشية و رهبة ، و بحر من الرمال المختلفة الألوان لا ساحل له، و جبال جرداء سامقة يرتد عنها البصر و هو حسير، و صخور صماء عاتبة، وشمس قوية محرقة تصب شآبيب من شواظ يتلظى لهبا، و ريح زفوف، وسيول متدفقة، وماء عذب، وظل كريم.
فهذه الطبيعة الخشنة قد انعكست على نفس العربي قوة و صرامة و جلدا لا يرهبها ،و لا تتضعضع نفسه أمام جبروتها ، لا يخشى الليل و رهبته ولا يفزع من السفر و قسوته ، وما هو إلا أن يعزم على أمر فلا يرده عن عزيمته شيء مهما عظم .
ولقد علمته هذه الطبيعة و الصبر و الجلد و الكفاح المر .....لقد أكسبته الصحراء أخلاقا فطرية عالية ، و الفطرة في الإنسان هي الخير ....لقد خلعت الصحراء بقوانينها الصارمة على العربي خلق الفتوة . و الفتوة مجموعة من الفضائل النفسية صهرت في بوتقة الصحراء، حتى صارت حلية نادرة الحبات ، تحلى بها هؤلاء العرب منذ عرفهم التاريخ ... فامتزج بهذه الطبيعة و الصحراء امتزاجا تاما و صار قلبه جلدا لا يرهب ، ولا يفزع ، و صارت عنده مناعة ضد الضيم و التبلد ، لأنه إن كفّ عن السعي في سبيل الماء الذي هو قوام حياته هلك مسغبة و ظماً .
لذلك عظمت قوى الكفاح في العربي ، كما عظمت ثمرات هذه القوى في نفسه ، فصار من أصح أهل الأرض بنية ،و أوفرهم قوة ، و أروعهم قامة ، و أبينهم عافية ، و أكثرهم احتمالا لمل لا يطاق من الشدائد و المشتقات ، وقد جعله هذا الصبر الذي فرضته عليه الصحراء عدلا لمئات من هؤلاء الذين ظمأ ساعة ، أو جوع يوم أو ضربة شمس تصيبهم بالهلاك و تقضي عليهم .
و أول ما تتطلبه الشجاعة من صفات أن يكون الفتى قوي الجسم ، عظيم الصبر ، شديد الجلد ، حتى لقد سئل أحد الأعراب " كيف البدو فيكم ؟ " فقال . " نأكل الشمس و نشرب الريح ".
و لما كانت نفس العربي سليمة قوية تبعا لسلامة جوارحه ، و صحة حواسه ، و لم تتعرض لما يفسد فطرتها كانت نفسا خيرة ، و الخير يأبى إلا الظهور و الوضوح و لذلك نرى الفتى العربي ينفر من الضغط على نفسه ، لأن الخير الذي فيه لا يقبله ، و بذلك يأبى الضميم ، لأن الضيم في أية صورة من صوره نوع من الضغط ، و إباءه الضيم و نفوره من الذل جعله محبا للموت ، فخير له أن يموت شجاعا من أن يعيش ذليلا جبانا ، بلا إرادة ، و عندما يأتي الموت لا يجد أمنية في الحياة إلا قد قضاها فلا يأسى على شيء في الدنيا ، ولا يحرص على البقاء ، و بهذا صار قويا عزيزا.
إن بيع النفوس رخيصة في الميدان القتال دفاعا عن العرض أو ذودا عن الحرمات هو أقصى ما تصل إليه النفس الإنسانية في شجاعتها ، وهو أكبر دليل على إيمان ثابت بمصير النفس و تكريمها... و لذلك كثرت حروبهم و تعددت أيامهم ، و في الحروب مران على أعمال الفتوة ، و إظهار مزايا الشجعان و حسن بلائهم ، و لقد كانوا يفرحون بالخطوب و الشدائد ففيها امتحان لشجاعتهم ، و بلاء لمقدرتهم على مقارعة الحوادث ، و صلاحهم للبقاء و السيادة ، وتنويه بذكرهم بين قومهم و سواهم ،و فيها عزة لهم و لقبيلتهم فيها بها الأعداء، و لا يطمعون فيها . و في الخطوب مغنم عاجل ، ومجد آجل ... كان الفتى العربي يقتحم الخطوب بقلب ثبت ، و شجاعة بالغة المدى ، واثقا من شجاعته و بأسه و دربته و حنكته في حميا القتال ، إنه يبغي من اقتحامه المكاره الحمد و الصيت ، و البقاء في عزة و حرية.
و مما دعا إلى كثرة الشجعان بين العرب امتداح الرأي العام للشجاع القوي الذي يلبي النداء زميعا إذا دعي للنجدة أو كانت قبيلته أو عشيرته أو حلفاؤه في محنة ، و للرأي العام سلطان قوي يتأثر به الفرد و تتأثر به الجماعة : و العرب كانوا يمتدحون الشجاع و يهزؤون بالجبان الهيابة الرعديد الذي يخيم الذود عن المحارم ، و ينكص على عقبيه في حومة الوغى .
بتصرف. من كتاب : " الفتوة عند العرب "
- كيف نشأت الفتوة عند العرب ؟
- *بم شبهها الكاتب ؟
- *استخرج العبارات الدالة على تأثير البيئة و الطبيعة في طبع العربي
- *حدد الملامح النفسية والجسمية للعربي من خلال النص .
- ما المقصود بعبارة:" نأكل الشمس ونشرب الريح "
- *لماذا يأبى العربي الضيم ؟
- *ما معيار الشجاعة عند العرب حسب الكاتب ؟
- *ما رأيك فيه ؟
- *فيم كان العرب يمتحنون شجاعتهم ؟
- *ما العوامل الاجتماعية التي رسخت الشجاعة في طباع العربي؟
1- نشأت نشأة طبيعية في الصحراء الواسعة
2- شبهها بالأزهار البرية العبقة الشذا التي تنبت في مجرى السيل على سفح الجبل
3- " فالصحراء قد فرضت على العربي أخلاقا خاصة ألزمتهم بتقاليد لا يستطيعون عنها حولا "
" صارت عنوانا لهم بين العالمين "
"صارت لهم على مر السنين جبلة وطبيعة وفطرة "
4- الملامح النفسية:
القوة ،الصرامة ،عدم الخوف ،الصبر على قسوة السفر ، الكفاح ،الشجاعة
الملامح الجسمية :
5- صحة البنية ، القوة ، القامة الوعرة ، العافية ، القدرة على تحمل الثدائد والمشقات ، تحمل الجوع والضمأ وضربة الشمس .
6- أي أن هذه العوامل الطبيعية منحتهم القدرة الجسمية القوة والصبر على تحمل قساوة البداوة والطبيعة الصحراوية الوعرة والصعبة .
لأن نفسه عزيزة ترفض الذل وتحبذ الموت شجاعة عزيزة لا ذليلة .
7- قوة الجسم ، عظمة الصبر ، شدة الجلد .
8- رأيي أنه صائب لأن الشجاعة تتطلب القوة الجسمية والصبر على التحمل
9- الحروب و الشدائد
10 - امتداح الرأي العام للشجاع القوي الذي يحمي قبيلته في المحن .
- ما هي آثار البيئة الصحراوية على شخصية العربي؟
- استخرج العبارات المقتبسة من القرآن الكريم مبينا أثرها على المعنى ؟
- *ما هي العلاقة بين ثلاثية : "قوة الطبيعة وصحة الجسم وصفاء النفس " في تكوين فروسية العربي وفتوته ؟
- *"إن بيع النفوس رخيصة" اشرح هذه الصورة البيانية وبين نوعها وبلاغتها
1- ملأت جوانب نفسه خشية ورهبة وصبرا وشجاعة وقوة وعزما .
2- يرتد عنها البصر وهو حسير ،يتلظى لهبا ، ظل كريم ماءعذب
3- تكون نفسا خيرة تأبى الظلم و تدافع عن قبيلتها وتلبي نداءها.
4- شبهت النفس بسلعة رخيصة تباع .ذكر المشبه النفس وحذف المشبه به السلعة وكنى عليه بالقرينة بيع على سبيل الاستعارة المكنية
بلاغتها: *توضيح المعنى وتقويته وإبرازه
*تجسيده في صورة محسوسة للقارىء
- ما الموضوع الذي عالجه الكاتب؟
- إلى أي نمط ينتسب هذا النص؟ و ما خصائصه؟
- عالج الكاتب موضوع الفتوة عند العرب، حيث أظهر مزايا الشجاعة و الجلد و الصبر عند الشاب العربي.
- نمط النّص تفسيري لأنّه يوضح لنا أسس انتشار الشجاعة و القوة عند العرب قديما.
- من مؤشراته : ضمير الغائب - أدوات التفسير.