مواضيع الفصل الثالث
وَأَكبر شيء أَفسدته أَكفـــــــــــــهم |
تلمْسان عين الغرب علمًا وإيمـــــــــانا |
وَكانَت لهم لمّا أَرادوا فَســــــــــادًا | أَراذل منها كالبطارق أَعـــــــــــــــوانا |
فَمنهم قرين السّوء مفتي بــــلادهم | تودّ العباد التّرك كانوا وَلا كــــــــــــانا |
فَقل لابن زاغو للضّلال أَيــــــــمة | تدبّر لحاك الله ما قال مَــــــــــــــــولانا |
وَلا تركنوا وَالرّكن منك سجـــــيَّة | كأَنَّك ( لَم تسمع ) من الله قـــــــــــــــرآنا |
فإن أَمير الوقت بالأَمر قــــــــــائِم | وَأَنتَ جَليس السّوء في زيّ هامـــــــانا |
أَتهدم دار العلم في حانك الَّــــــذي | تَبيت وَتضحى فيه وَيحك سكـــــــرانا |
لَقَد كنت جبرًا بالمَدينة صــــــالحًا | فَصرت بها أَخا القرامط حَمــــــــــــدانا |
قتلت فحول العلم صَبرًا وَلَم تــزل | عَلى عهدك المَعلوم في الزّيغ هيمــــانا |
فأيمت بالفَتوى نساء كَريــــــــــمة | وأَيمت بالقول المملك ولــــــــــــــــــدانا |
وَقال ( اقتلوا ) فالقتل يردع غيـرهم | وَلا رقّ ذاكَ القَلب منـــــــــــــه وَلا لانا |
إِذا كانَ مفتي السّوء يَقضي بـرأيّه | هناك يَكون الزّرع في الأَرض خسرانا |
فقل لابن زاغو رأس كلّ خَطيــئة | فَلا تحسب الفتك بالأَهل سلــــــــــــوانا |
وَقد قُدّ ذاك الثّوب من كلّ موضع | و مرّ بأبصار الخَلائق عريــــــــــــــــانا |
أَيا آل دين الله ما لي أَراكـــــــــــم | نيّامًا وكان الطّرف من قبل يقــــــــظانا |
أَما تَذكرون الأهل وَالزّمن الَّـــذي | عهدتم فَذاكَ الوصل قَد صارَ هجــــرانا |
إذا كان الشّعر دائما صدى للبيئة اجتماعيّة كانت أو طبيعيّة فإنّ الشّعر الأندلسيّ في هذا النّطاق يعتبر صورة أمينه دقيقة أنيقة لبيئة الأندلس ، وبرغم أنّ شعراء الطّبيعة الأندلسيّين بدأوا تلامذة لأساتذتهم المشارقة في أوّل أمرهم ، فإنّ ذلك لم يمنعهم من أن يجوّدوا في فنّهم ويحسّنوا في أعمالهم بحيث يمكن ( أن نقرر ) أنّهم أتوا بشيء جديد في موضوعات شعر الطّبيعة .
تفوّق الأندلسيّون في ميدان وصف الطّبيعة على شعراء المشرق ، وأتوا بالرّوائع الخالدة ؛ لما وهبهم الله من طبيعة ساحرة خلّابة ، فقد كانت الأندلس من أغنى بقاع الدّنيا منظراً وأوفرها جمالاً
، ولذا شُغِف الأندلسيّون بها ، فأقبلوا يسرحون النّظر في خمائلها ، ويستمتعون بمفاتنها ، فوصفوا الرّياض و البساتين ، و الأشجار و الثمار ، و الأزهار و الطّيور، ووصفوا السّحاب و الرّعد ، والبرق و الطّيف ، و الأنهار و البحار ، وقد وصفها ابن خفاجة بقوله :
يا أهل الأندلس لله دركم |
مـاء وظـلّ و أشـجـار و أنـهـار |
مـا جـنّــة الخـلـد إلّا فـي ديـاركــــم | ولـو تخيّرت هـذا كنـت أخـتــار |
و من عوامل ازدهار شعر الطّبيعة في الشّعر الأندلسيّ ازدهار الحضارة العربيّة في الأندلس ازدهارا كبيرا وهذا الازدهار الّذي شمل جميع جوانب الحياة الأندلسيّة ، جمال الطّبيعة الأندلسيّة الّتي افتتن بها شعراء الأندلس وتعلّقوا بها وفصَّلوا في وصفها والتّغنّي بمفاتنها ، ازدهار مجالس الأنس والبهجة واللّهو حيث كانت هذه المجالس تُعقدُ في أحضان الطّبيعة .
و أيضا إنّنا نجد أكثر شعراء الأندلس يتّجهون إلى الطّبيعة ويتغنّون بها ، و قد وصل بهم الأمر إلى إضفاء الحياة عليها ، وفي ذلك يقول الدّكتور فوزي عيسى مبيّناً أثر الطّبيعة في شعراء الأندلس : " فُتِن شعراء الأندلس بطبيعة بلادهم ، فتوافروا على وصفها ، وأكثروا من التّغنّي بمناظرها الجميلة ، وعبروا عن كلفهم بها في لوحات شعريّة بديعة ، وتفنّنوا في هذا المجال تفنّناً واسعاً حتّى صار وصفهم للطّبيعة من أهمّ الموضوعات الّتي ( طرقوها ) ، وأحرزوا قصب السّبق فيها على المشارقة " لم يترك الشّاعر الأندلسيّ مظهر من مظاهر الطّبيعة أحسّه بحواسّه وتفاعل معه بمشاعره إلّا وصوّره وأبدع التّصوير و وصفه فأحسن الوصف فقد وصفوا الطّبيعة في كلّ مجالاتها الحيّة و الصّامتة و المصنوعة .
لَقَد أصـختُ إلى نجـواكَ مِن قَـمَـرِ | وَ بـــتُّ أُدلـجُ بَيــنَ الوَعــــيِ والنَّـظَـر |
لا أجتَلِي لُمَـحـاً حَتَّـــى أعِي مُلحـاً | عَدلاً مِنَ الحُكمِ بَيـــنَ السَّمعِ والبَصَــر |
وَقد مَلأتَ سَـــوادَ العينِ مِن وَضحٍ | فَقَرِّطِ السَّمعَ قُرطَ الأُنسِ مِن سَـمَـــــرِ |
فَلَو جَمَعتَ إلـــى حُسنِ مُـتحـاوَرَةً | ( حُزتَ الجَمالينِ مِن خُبرٍ وَمِن خَـبَرِ ) |
وإن صَمَتَّ فَفـــي مَرآك لـي عِـظةٌ | قَد أفصَحت لِــــيَ عَنها ألـسُــــنُ العِبَرِ |
تَمُـرُّ مِن نـــاقِصٍ حَــوراً ومُكـتمـلِ | كَــــوراً وَمِن مُرتــقٍ طَـوراً ومُنـحَدِرِ |
والنَّـــاسُ مِن مُعرضٍ يَلهَى ومُلتِفتٍ | يَرعَـى ومِن ذاهِــــــلِ يَنسـَى وَمُـــدَّكِرِ |
تَلهُـــو بــسـاحاتِ أقـوامٍ تُـحـدِّثُــنــا | وَ قد مَضَوا فَقَضـــوا أنَّــــا عَلى الأثـرِ |
فَإن بَكَيتُ وَقَد يَبكــي الجَلــيدُ فَـعَن | شَـجــوٍ ( يُفَجِّرُ عَينَ الماءِ في الحَجـَر ) |
أجتلي : أنظر . الوَضَحُ : بَياضُ الضَّوء . الحورُ : النَّقص . الكور : الزِّيادة . قرّط : من قرّط ،
يقرّط تقريطا أي ألبسه القرط . الجليد : الصَّبور على المكروه أو القويّ . الشّجوُ : الهَمُّ والحَزَنُ
لِـــــكُـــــــلِّ شَــــيْءٍ إذا مـــــا تَــــــمَّ نُقْصـــــانُ | فَـــــلا يُـــغَــــرَّ بِـــطــيـــــبِ الـــعَيْـــــشِ إِنْـــــســــــانُ |
هِــــــيَ الأمـــــورُ كَــمــــا شـــاهَدْتَــــهــــا دُوَلٌ | مَـــــــــنْ سَــــــرَّهُ زَمَـــــــــنٌ ســـــاءَتْــــــــهُ أَزْمـــــانُ |
و هـــــذه الدّار لا تٌـــبــقــــي عــلـــــى أحَـــــــدٍ | و لا يـــــدومُ عَـــــلـــــى حـــــالٍ لَــــهــــا شـــــــــــــانُ |
فَجـــــائِــــعُ الـــدَّهْــــرِ أنـــواعٌ مُــــنَــــوَّعَـــــةٌ | و لِلــــــــــزَّمـــــــــانِ مَــــــسَـــــرَّاتٌ و أَحْـــــــــــــزانُ |
و لِلمَــصـــــائـــبِ سُــــــلْــــوانٌ يُـهَــــوِّنُــهــــا | و مــــــا لِمـــــــا حَـــــــلّ بــــالإســــــلامِ سُلْــــــــــــوانُ |
دهــــى الجـــزيـــــرةَ أمـــرٌ لا عَــــــزاء لَـــــهُ | هـــــــــوى لَــــــهُ أُحُــــــــدٌ و انْــــــهَــــــدَّ ثَـــــــهْــــلانُ |
أَصــــابــها العَيْــــنُ في الإسْـــلامِ فَــارْتَــــرَأتْ | حَتَّـــــــى خَــــــــــلَتْ مِنْـــــــهُ أَقْطـــــارٌ و بُـــــلْــــــدانُ |
فَاسْـأَلْ " بَلَنْــسِيَـةً " : ( مــا شَــأْنُ مُرْسِـــيَةٍ ؟ ) |
و أَيْــــنَ " شــــاطِـــبَــــةٌ " ؟ أَم أَيــــــنَ " جَيَّــــــانُ " ؟ |
و أيـــــنَ " قُـــرْطُبَـــةٌ " دارُ العــلـــــومِ فَــكَـــمْ | مِـــــنْ عــــالِـــــمٍ قَـدْ سَمــــا فيـــهـــــا لَـــــهُ شــــــانُ ؟ |
و أَيْـــنَ " حِمْـــصٌ " و مــا تَحْويـــهِ مِــن نُزَهٍ |
و نَـــــهْـــــــرُهــا الـــــعــــذْبُ فَيّــــــاضٌ و مــــــلْآنُ ؟ |
و أيـــنَ " غِرْنــــاطَـــةٌ " دارُ الجِهــــادِ فَكَــــمْ | أُسْــــــدٌ بِــــهـــــا و هُـــــم لِلْــــــــحَـــــرْبِ عُقْبــــــانُ ؟ |
و أَيـــنَ " بَســـْطَةٌ " دارُ الزّعْــفَــرانِ فَــهَـــلْ | رَأى شَــــبيــــهاً لَــهــــا فــــي الـــــحُــــسْنِ إِنْســــــانُ ؟ |
يــــا غــــافِـــلاً و لَـــهُ في الدَّهْـــرِ مَوعِـــظَــةٌ | إِنْ كُــــــنْـــتَ فـــــي سِنَةٍ ( فَالـــــدَّهْرُ يَــقْـــــظـــــانُ ) |
و مــــــاشِيـــاً مَــرِحــــاً يُلْهـــــيــهِ مَوْطِـنُـــــهُ | أ بَـــعْــــدَ " حِمْــــصٍ " تَـــغُــــرُّ المـــرْءَ أَوْطــــــانُ ؟ |
كَـــمْ يَسْتَــغـــــيـثُ بِنا المُسْتَضْعَــــفونَ و هُـــم | قَــــــتْلــــى و أسْــــــرى فَمـــــا يَــــهْتَـــــــزُّ إِنْســــــانُ |
مــــــاذا التّقـــــاطُــعُ في الإسْــــلامِ بَيــــنَكُــــمُ | و أنْـــــــــتُـــــــمُ يــــــا عــــبــــــــادَ اللهِ إِخْــــــــــوانُ ؟ |
يـــــا رُبَّ أمٍّ و طِـــفْـــلٍ حــيـــــلَ بَـــينَـهُـــمــا | كَــــــــــــــــمــــــا تُـــــــفَــــــــرَّقُ أرْواحٌ و أَبْـــــــــدانٌ |
و طِفْــلَـةٍ مِثْــلَ حُسْــنِ الشَّمْــسِ إِذْ طَـــلَعَـــــتْ | كَـــــأَنَّـــــمـــــا هِــــــيَ ياقــــــوتٌ و مُــــــــرْجــــــــانُ |
يَقــــــودُهــــا العــــِلْـجُ لِلــمَكروهِ مُكْـــــرَهَـــةً | و العَـــيْـــــــنُ بــــــــاكِـيَـــــــةٌ و القَــــــلْبُ حَيْــــــــرانُ |
لِـــمِثْلِ هَـــــذا يَذوبُ القَـــلْـبُ مِــــنْ كَـــــمَـــــدٍ | إِنْ كـــــانَ فـي القَــــــلْـــبِ إِسْــــــــلامٌ و إِيــــــمــــــــانُ |