المطالعة الموجّهة: باب الحمامة و الثّعلب و مالك الحزين -ابن المقفّع -
يلجأ بعض الكتاب للتعبير بالرمز لعلاج بعض مشكلات مجتمعهم إمّا للإثارة و التشويق و إمّا لعدم التيحصر خوفا، و يظهر ذلك في كتاب " كليلة و دمنة " الذي ترجمه " عبد الله بن المقفع " ( 145/106 ﻫ ) من الفارسية إلى اللغة العربية بأسلوب قصصي جذاب
على لسان الطير و الحيوان، و لعل مؤلفه أراد أن ينتقد سياسة حكام عصره و أن يوجه إليهم النقد و النصح في ثوب مغلف خوفا من بطشهم.
" ابن المقفع " من أصل فارسي، اسمه الحقيقي روزبه بن دازويه، كان مجوسيا ثم أسلم فسمي عبد الله بن المقفع نشأ في البصرة نشأة عربية متأثرة بالثقافة الفارسية وكتب لبعض الولاة في العصر الأموي ثم العباسي . قتله سفيان بن معاوية والي البصرة بأمر من الخليفة المنصور، بتهمة الزندقة سنة 142هـ .
كان ابن المقفع فصيحا ذا ثقافة واسعة مزدوج الفكر واللغة بين العربية والفارسية. ترجم كثيرا من الكتب والرسائل الفارسية إلى العربية، أشهرها: كليلة ودمنة، الأدب الصغير، والأدب الكبير، وقيل أنه زاد فيها من تأليفه، وله الفضل الكبير في الارتقاء بفن الإنشاء.
قال الفيلسوف: زعموا أنّ حمامة كانت تفرخ في رأس نخلة طويلة ذاهبة في السماء، فكانت الحمامة تشرع في نقل العش إلى رأس تلك النخلة، فلا يمكن أن تنقل من العش، و تجعله تحت البيض إلا بعد شدّة وتعب و مشقة، لطول النخلة و سحقها. فكانت إذا فرغت من النقل باضت، ثم حضنت بيضها، فإذا فقست و أدرك فراخها جاءها ثعلب قد تعاهد ذلك منها لوقت قد علمه ريثما تنهض فراخها ، فيقف بأصل النخلة، فيصيح بها و يتوعدها أن يرقى إليها، فتلقي إليه فراخها.
فبينما هي ذات يوم قد أدرك لها فرخان، إذ أقبل مالك الحزين فوقع على النخلة، فلمّا رأى الحمامة كئيبة، شديدة الهم، قال لها: يا حمامة، ما لي أراك كاسفة اللون، سيئة الحال؟ فقالت له: يا مالك الحزين إنّ ثعلبا دُهيت به، كلّما كان لي فرخان جاءني يهددني ويصيح في أصل النخلة ، فأفرق منه، فأطرح إليه فرخي. قال لها مالك الخزين: إذا أتاك ليفعل ما تقولين فقولي له: لا ألقي إليك فرخي، فارْقَ إلي، و غرر بنفسك، فإذا فعلت ذلك و أكلت فرخي طرتُ عنك و نجوتُ بنفسي. فلم علمها مال الحزين هذه الحيلة طار، فوقع على شاطئ نهر، و أقبل الثعلب في الوقت الذي عرف، فوقف تحت النخلة ، ثم صاح كما كان يفعل، فأجابته الحمامة بما علمها مالك الحزين، فقال لها: أخبريني من علمك هذا؟ قالت: علمني مالك الحزين.
فتوجه الثعلب حتى أتى مالكا الحزين على شاطئ النهر، فوجده واقفا، فقال له الثعلب : يا مالك الحزين، إذا أتتك الريح عن يمينك، فأين تجعل رأسك؟ قال: عن شمالي. قال: فإذا أتتك عن شمالك فأين تجعل رأسك؟ قال: أجعله عن يميني أو خلفي. قال: فإذا أتتك الريح من كل مكان و كل ناحية فأين تجعله؟ قال: أجعله تحت جناحي، قال: و كيف تستطيع أن تجعله تحت جناحيك؟ ما أراه يتهيأ لك: قال: بلى، قال: فأرني كيف تصنع، فلعمري يا معشر الطيرر ، لقد فضلكن الله علينا، إنكن تدرين في ساعة واحدة مثل ما ندري في سنة، و تبلغن ما لا نبلغ، و تدخلن رؤوسكن تحت أجنحتكن من البرد و الريح فهنيئا لكنّ، فأرني كيف تصنع؟ فأدخل رأسه تحت جناحه، فوثب عليه الثعلب مكانه، فأخذه فهمزه همزة دقت عنقه.
ثم قال: يا عدو نفسه ! ترى الرأي للحمامة و تعلمها الحيلة لنفسها و تعجز عن ذلك لنفسك، حتى يتمكن منك عدوك، ثم قتله و أكله ...
- من هو راوي القصة ؟ و على من قصها ؟
راوي القصة شهرزاد بنت الوزير، على لسان الفيلسوف بيدبا، روتها على مسمع الملك شهريار.
- ما سبب حزن الحمامة؟
سبب حزنها هو الثعلب الذي تعود على أكل فراخها كلما فقست.
- بم نصحها مالك الحزين؟
نصحها مالك الحزين بأن لا تأبه بتهديد الثعلب، وتقول له إن صعدت إلي طرتُ فأكلتَ فرخي ونجوتُ أنا.
- ما الحيلة المدبرة للانتقام من صاحب النصيحة ؟
غر الثعلب ملكا الحزين بمدحه للطيور على أنها تستطيع ما لا تستطيعه الحيوانات البرية، إذ أنّها تستطيع وضع رأسها بين جناحيها، ولما فعلها مالك الحزين انقض عليه الثعلب فقتله.
ما العبرة المستخلصة من هذه القصة ؟
العبرة المستخلصة من هذه القصة هي: جزاء من ينصح غيره وينسى نفسه.
في هذا النّص بعض المبادئ يستفيد منها الإنسان في حياته، وضحها مبينا أثر العمل بها في المجتمع.
من المبادئ الإنسانية الموجودة في النّص:
ضرورة تقديم النصيحة للغير الساذج المغفل و مساعدته في حل مشاكله.
الحرص و الحذر من الوقوع في شباك المكر و الخداع و الخبث.
يصور هذا النّص مرحلة من مراحل تطور الفن القصصي في الأدب العربي، اشرح ذلك موضحا عمل ازدهار هذا الفن.
يصور هذا النّص مرحلة من مراحل تطور الفن القصصي في الأدب العربي، لأنّنا نجد في هذه القصة مختلف عناصر القصة الحديثة من حيث بناؤها الفني و اللغوي.
- الحمامة : شخصية طيبة لكنّها مغفلة ، لا تعرف كيف تحافظ على صغارها ( رمز للطيبة و الغفلة ).
- مالك الحزين: شخصية غبية تحسن إلى غيرها و تنسى نفسها. ( رمز للغباء ).
- البيئة المكانية :رأس النخلة – العش – شاطئ النهر.
- البيئة الزمانية : بعد فقس الفراخ.
- الحبكة: الصراع بين الطيبة و المكر.
- الحل: انتصار الثعلب على مالك الحزين بقتله و أكله.
- الأحداث: يميزها الترابط و التسلسل المنطقي.
- الثعلب: شخصية تمثل المكر و الخداع و الدهاء. ( رمز للخداع ).
مالك الحزين هو طائر من طيور الماء زعموا أنّه دعي بذلك لأنّه لا يزال يقعد بقرب المياه ومواضع نبعها من الأنهار، فإذا جفّت يحزن على ذهابها ويبقى حزينا كئيبا، وربّما ترك الشرب حتى يموت عطشا، خوفا من زيادة نقصها إذا شرب منها.
توظيف الفعل الماضي لأنّه الأنسب لمقام السرد.
المزج بين الأسلوبين الخبري و الإنشائي.
اعتماد أسلوب الحوار.
لفظة ( زعموا ) التي بدأت بها القصة توحي بأنّها من نسج الخيال.
" فأرني كيف تصنع ، فلعمري يا معشر الطير لقد فضلكن الله علينا، إنكنّ تدرين في ساعة واحدة مثلما ندري في سنة، و تبلغن ما لا نبلغ ".
- استخرج من هذه العبارة صورة بيانية و محسنا بديعيا و وضح أثرهما في المعنى.
" إنكنّ تدرين " استعارة مكنية غرضها التّشخيص.
" تبلغن – لا نبلغ " طباق السلب غرضه التوضيح.
عين في النّص أسلوبا إنشائيا و بين غرضه البلاغي ؟
من الأساليب الإنشائية الواردة في النّص قول مالك الحزين: " فارْقَ إلي و غرر بنفسك " و هو أسلوب إنشائي طلبي، صيغته الأمر، غرضه التعجيز.
- أعرب ما يلي: " إنكنّ تدرين ".