النّصّ التّواصليّ: استقلال بلاد المغرب عن المشرق - بحّاز إبراهيم بكّير-
استغرق فتح المغرب و نشر الإسلام فيه حوالي سبعين سنة ، و قد لقي المسلمون في هذا الفتح من الجهد و الخسائر ما لم يلقوا مثله في فتح آخر و لكنّ النتيجة التي وصلوا إليها كانت رائعة حقّا ، فقد عُرب المغرب إلى حد كبير و تحوّل إلى الإسلام تحولا عميقا .
إنّ التحدث عن الأوضاع السياسية العامة في المغرب العربي قبل 160 ﻫ ، تاريخ تأسيس الدولة الرستمية ، يفرض علينا الرجوع شيئا قليلا إلى أوضاع المشرق العربي ، إذ أنّ المغرب كان في هذه الفترة مرتبطا ارتباطا مباشرا بالمشرق العربي و هو في نفس الوقت على أبواب الانفصال عنه سياسيا و إداريا شيئا فشيئا .
إنّ الملاحظ لأوضاع المشرق العربي قبل 160 ﻫ يجدها تتميز بميزتين اثنتين هما :
- ثورات الخوارج .
- انهيار الدولة الأموية لتحل محلها الدولة العباسية سنة 132 ﻫ و ما رافق كل ذلك من أحداث .و قد التجأ الخوارج إلى المغرب لمواصلة نشاطهم السياسي فوجدوه مهيأ لتقبل أفكارهم . و الجدير بالذكر أنّ من بين فرق الخوارج العديدة ، لم تنتقل إلى إلى المغرب إلا فرقتان فقط هما : الإباضية و الصفرية . فالإباضية تجعل بدايات ظهور مذهبها في المغرب ، مع نهاية القرن الأول و بداية القرن الثاني ، هذا لا يعني أنّ الخوارج لم يكونوا بالمغرب قبل ذلك التاريخ ، فمن المحتمل أنّهم وفدوا إليه و استوطنوه كلّما لحقت بهم هزيمة في المشرق ، و ضاقت عليهم الأرض . و لهذا فقد قامت عدة ثورات أهمّها :
ثورة ميسرة المطغري الصفري سنة 122 ﻫ ، و تعتبر أول ثورة قام بها الخوارج بالمغرب ، في المغرب الأقصى ، و بقيت مستمرة حتى استفحل أمرها و عمت ربوع المغرب كلّه تقريبا ، فسميت بذلك ثورة البربر ، و إنّما الذي دعا إليها هو مسيرة المطغري الصفري ، قاد جموعا من بربر مطغرة قبيلته و القبائل المجاورة لها ، و قصد طنجة و السوس حيث عاملا عبد الله بن الحبحاب آنذاك فقتلهما ، و يبدو أنّ البربر الصفرية في المغرب الأقصى بعد هذا الانتصار تقاطروا عليه مما دعاهم إلى مبايعته بالخلافة ، و ما إن وصلت أخبار هذه الثورة عند الوالي يالقيروان ابن الحبحاب حتى أوفد إليها جيشين أحدهما بقيادة حبيب بن أبي عبدة و ثانيهما يقوده خالد بن أبي حبيب الفهري ، فالتقى هذا الأخير بميسرة في مقربة من طنجة ، و وقع بين جيشيهما قتال شديد ، انهزم على إثره ميسرة و ولى راجعا إلى طنجة ، هنالك بايع الخوارج خالد بن حميد الزياتي مكان ميسرة الذي قتلوه بسبب تخاذله ، فالتقى الجيشان مرة ثانية و كانت وقعة عظيمة مات فيها حماة العرب و فرسانها و أبطالها فسميت الغزوة ﺑ " غزوة الأشراف " .ثم توالت الثورات من صفرية و إباضية، حتى كان عام 138 ﻫ لمّا هاجمت قبيلة ورفجومة الصفرية القيروان بقيادة عاصم بن جميل، فأخرجوا منها واليها حبيب بن عبد الرحمن بن حبيب الذي التجأ إلى جبل الأوراس فلحقه عاصم إلى هناك و اقتتلا فانتصر حبيب و قتل عاصم و في غمرة هذا الانتصار قاد حبيب جيوشه و سيرها نحو القيروان لاستردادها من خليفة عاصم عبد الملك بن أبي الجعد . و دارت المعركة بين الجانبين فقتل حبيب سنة 140 ﻫ عندئد خلا الجو للصفرية في القيروان فعاثوا فيها فسادا، و لا تختلف المصادر الإباضية و غيرها في تصوير مناكرهم بل إنّ الكتابات الإباضية تعزو قيام ثورة أبي الخطاب عبد الأعلى بن السّمح المعافري اليمني إلى تلك الأعمال الشنيعة التي قامت بها ورفجومة الصفرية.
و كان أبو الخطاب قد بويع بالإمامة سنة 140 ﻫ ، و في نفس السنة توجه بأصحابه من الإباضية إلى مدينة طرابلس ، فدخلها و طرد منها عاملها الذي رجع إلى المشرق ، و قد سهل له وجوده بطرابلس الاستيلاء على جزيرة جربة ، و كان هذا كلّه في عام واحد .
و لمّا قامت القبائل البربرية الصفرية ، و على رأسها " ورفجومة " بأعمالها الشنيعة في القيروان ، رأى الإباضية ضرورة الوقوف أمام المعتدي على حرمات الله ، و كسر شوكته . فتوجهوا بقيادة إمامهم نحو القيروان ، و في طريقهم استطاعوا أن يستولوا على " قابس " و بعد أن ترك أبو الخطاب عليها عاملا ، ارتحل و حاصر القيروان و لما قتل زعيم الصفرية بها " عبد الملك بن أبي الجعد " استطاع أن يدخل المدينة سنة 141 ﻫ و يستخلصها من يد " ورفجومة " و ينقذ أهلها من مناكرهم .
و يبدو أنّ أبا الخطاب لم يقم طويلا بالقيروان حيث خرج لمحاربة محمّد بن الأشعث الخزاعي الذي بعثه الخليفة المنصور إلى إفريقيا ، فمني بهزيمة شنعاء ، و لما علم " عبد الرحمن بن رستم " بانهزام إخوانه و وفاة صاحبه أبي الخطاب توجه نحو المغرب الأوسط حيث أقام مدينة " تيهرت " بعيدة عن القيروان مركز الجيوش العباسية ، تأويهم و تحميهم و كان ذلك أولى خطوات تأسيس الدولة الرسنمية.
و هكذا يكون عبد الرحمن بن رستم بعد مبايعته بالإمامة سنة 160 ﻫ من طرف إخوانه في المذهب أول إمام لأول دولة إسلامية في المغرب الأوسط عرفت في التاريخ بالدولة الرستمية.
الدولة الرستمية – إبراهيم بكير بحاز –
- لماذا فر الخوارج إلى المغرب ؟
- ما موقف القبائل البربرية من حركتهم ؟
- فر الخوارج إلى المغرب لمواصلة نشاطهم السياسي .
- كانت القبائل البربرية مستعدّة لتقبل أفكار الخوارج .
- لماذا اختار " عبد الرحمن بن رستم " مدينة " تيهرت " عاصمة لدولته ؟
- بم تميزت سياسته ؟ و إلام يعود نجاحه في إقامة دولة تحلم بها الكثير من الشعوب في تلك المرحلة ؟
- اختار " عبد الرحمن بن رستم " مدينة " تيهرت " عاصمة لدولته لأنّها بعيدة عن القيروان مركزرالجيوش العباسية .
- تميزت سياسته بالحنكة . ويعود نجاحه في إقامة دولة تحلم بها الكثير من الشعوب في تلك المرحلة إلى درايته بأمور السياسة التفاف أصحابه و إخوانه حوله .