النص التواصلي : النزعة الانسانية في الشعر العربي المعاصر لمعاوية كوجان
إذا تأملنا شعرنا العربي وجدناه يزخر على امتداد عصوره بأشعار تطفح بالمشاعر الإنسانية النبيلة الصادقة طارت لها شهرٌة في الآفاق، وأولاها الباحثون والدارسون اهتماما وعناية خاصين. وإحصاء تلك الأشعار أمر عسير نظرا لكثرتها، ولعلّ ضرب بعض الأمثلة كاف للإشارة إلى تلك النزعة الشعورية الراقية. أذكر في هذا المضمار قصيدة ابن الرومي في رثاء ولده التي يقول فيها
بني الذي أهدْته كفَّاي للثرى | فيا عزة المهدى ويا حسرة المهدي ! |
عجبت لقلبي كيف لم ينفطر له | ولو أنه أقسى من الحجر الصلد |
وفي هذا السياق نتذكر رثاء المتنبي جدته، ورثاء جرير زوجته، ورثاء محمود سامي البارودي أم أولاده
يا دهر فيم فجعتني بحليَلة | كانت خلاصة عدتي وعتادي |
إ ن كنت لم َترحم ضناي لفقدها | أفلا رحمت من الأسى أولادي |
أْفردَتهُن فلم ينمن تَوجعا قرحى | العيون رواج ف الأكباد |
لو كان هذا الدهر يقبلُ فدية | بالنفس عنك لكنت أولَ فاد |
وكذلك رثاء شوقي جدته. إًذا تلك الأشعار في أغلبها كانت صادرة عن نفس مفجوعة بقريب لها ذي رحم، أ ما الأشعار التي تتناول الإنسان كائنا له منزلته، تصور آلامه وتبلور أحلامه وتبرز إحساسه، فأشعار قليلة بالمقارنة مع بقية ضروب النظم وأغراضه في شعرنا العربي لاسيما الحديث كقصيدة "الشريد "
لعلي الجارم وقصيدة إيليا ميخائيل نعيمة " النفس الشقية 1945 م." (واحد من ولعل الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي 1875)
قلة من الشعراء الذين نزعوا في شعرهم هذه النزعة الإنسانية الصادقة الفياضة بالتعاطف والتألم والتفجع بمآسي أولائك المعذبين البائسين، والتطلع إلى تخليصهم من آلامهم ومواساتهم في محنهم وأزماتهم نجد ذلك النزوع بارزا في قصائده " أم اليتيم "، "المطلقة " ، " الأرملة المرضعة " ، " اليتيم في العيد " ، دار الأيتام "،" الفقر والسقام "، " اليتيم المخدوع "، " ثالثة الأثافي "، " أم الطفل في مشهد الحريق."
وتتبلور نزعة الرصافي في أساليب كثيرة. فهو يرسم الشخصية المتألمة من الخارج فيصور تلك الشخصية، ملابسها، شحوبها، دموعها، صوتها، مسكنها، عويلها..، وصفا دقيقا كأنه الصورة الفوتوغرافية. من ذلك وصفه الخارجي لليتيم في قصيدته " اليتيم في العيد" :
صبي صبيح الوجه أسمر شاحب | نحيف المباني أدعج العين أنزع |
ويرسل من عينيه نظرَة مجهش | وما هو بالباكي ولا العين تدمع |
له رجفة تنتابه وهو واقف | على جانب والجو بالبرد يلسع |
وهو ينفذ إلى أعماق تلك الشخصية البائسة المنكسرة المحزونة، يبلور ما تحسبه ويستخرج ذلك الركام من الأحاسيس المفعمة بالمرارة والكآبة والألم والضنك والأسى في سياق شعوري متناغم مع ذلك الوصف الخارجي.. فمن قصيدة "أم الطفل في مشهد الحريق"، يسمعنا الشاعر أّنات وعويل أم احترق طفلها، فما كان منها إلا أن أخذت تولول وتصرخ وتلطم خديها وحق لها ذلك في حالٍ أقرب إلى الجنون وهي تقول
إّني تجردت من دنياي خاسرًة | مالي سوى طفلي الباكي بها مالُ |
أَودى الحريق بدار أسكنها | وكنت من بعضها للقوت أكتالُ |
يا رب قد ضقْت ذرعا بالحياة فما | أدري حناني كربي كيف أَحتال |
وهو بارع في طرح تلك المشكلات الملحة المؤلمة التي تشكل في حقيقتها مأساة الإنسانية جمعاء في صراعها مع الفقر والبؤس والمرض والتشرد والجوع والخوف والاضطهاد ، يبرع شاعرنا في تصوير معاناة أولئك البائسين في قالب قصصي سردي مشوق تتوافر فيه عناصر القصة كاملة من بداية وتطور ونهاية وحل .
وهذه قصيدٌة تنبض بكثير من المشاعر الإنسانية الصادقة وتتجلى فيها رقة الشاعر وإحساسه المفعم الفياض الصادق بآلام المعذبين المقهورين المحرومين قصة فقير معدم يدعى بشيرا، كان يعمل أجيرا ليله ونهاره، ليس له في هذه الدنيا إلا أخت حنون اسمها فاطمة، أصيب بمرض القلب، وانتهى به المطاف إلى الموت:
قالت الأخت : أم سلمى | أنظريه ثكلت روح أ مه وأبيه |
فرأت منه إذ دنت نحو | فيه نفسا مبطئَ التردد فيه |
ثم قد غاله الردى باقتضاب | و جمت حيرة وبعد قليل |
رمَقت فاطما بِطرف كليلٍ | فيه حملٌ على الغراء الجميلِ |
أيها الواقفون لا تهمُلوه دونكم | أدمعي بها فاغْ سلوه |
ثم بالثوب ضافيا كّفِنوه | وادفنوه لكن بِقلبي أدفنوه |
وإذا تأملنا ما سبق وجدنا فيضا من الرقة والشعور بآلام الآخرين. وْليكن كما يراد له شعرا يحمل رسالة للبشرية جمعاء تدعو إلى الخير والحب والصلاح والسلام والتعاون والوئام، فلا سدوم هم تؤَرق بالا ولا إسار حرمان يهصر مهجا ولا دكون ألٍم يمنع انبلاج مسرة.
لقد تناول الشعراء النزعة الإنسانية منذ القديم وحتى العصر الحديث, فهل تبلورت هذه النزعة بشكل كبير في الشعر العربي القديم ؟ومن من الشعراء العرب جسّدها قديما و حديثا ؟
- هل الاهتمام بالنفس البشرية أمر جديد في الشعر العربي ؟
- يعدّ الاهتمام بالنّفس البشرية أمرا قديما في الشعر العربي لأنه : يزخر على امتداد العصور بالمشاعر الإنسانية النّبيلة .
- من من الشعراء العرب جسّد النزعة الإنسانية في العصر الحديث ؟
- من الشعراء الذّين استطاعوا تحقيق النزعة الإنسانية في الشعر الحديث : ( معروف الرّصافي ) لأنّه تألّم بمآسي المعذّبين البائسين و تطلّع إلى تخليصهم من آلامهم مثل : اليتيم في العيد , " أم اليتيم " .
- عمّ عبّر البارودي و ابن الرومي في المقاطع المذكورة في النص ؟
-
عبّر ابن الرومي في المقطع المذكور عن عن حزنه لوفاة لولده , والبارودي عن ألمه لفقدان زوجته ,لكن هذه المشاعر كانت مجرّد انطباعات عابرة نتيجة تجربة خاصّة و نابعة من نفس مفجوعة بقريب لذي رحم .
- و لماذا سلّط الكاتب الضوء عل الرّصافي , و كيف استطاع هذا الأخير أن يحقّق النزعة الإنسانية في الشعر العربي .
- سلّط الكاتب الَضوء على الرّصافي لأنه يرسم الشخصيّة المتألمة و يصفها وصفا دقيقا انطلاقا من المظهر الخارجي فينفذ إلى أعماقها فيبلور ما تحسّ به ,فيستخرج ركام الأحاسيس المفعمة بالمرارة و الكآبة و الألم في سياق شعوري , يتناغم مع الوصف الخارجي , فهو بارع كل البراعة في جعل تلك المشكلة مأساة إنسانية في قالب قصصي مشوٌّق .
-
هل من السهل على الأديب الخوض في أعماق النّفس البشرية وتحليلها ؟ أشرح .
- إن الغوص في أعماق النّفس البشرية ليس بالأمر الهيّن على الأديب لأنه بحاجة إلى توافر التصوير و الوصف الداخلي و الخارجي و انتقاء الموضوعات ,واستعمال لغة دقيقة مع الموضوعيّة .
-
لماذا لم تتبلور النّزعة الإنسانية بشكل كبير في الشعر العربي القديم , رغم الحسّ المرهف للشعراء ؟ علّل ببيت من الشعر تحفظه .
-
لم تتبلور النزعة الإنسانية بشكل كبير في الشعر القديم رغم الحس المرهف لأنها اعتمدت الذاتيّة مثل قول ابن الرّومي في رثاء ابنه :
أُلام لما أُبدي عليك من الأسى و إنّي لأخفي منك أضعاف ما أُبدي
- هل يستطيع الشعراء أن يسهموا في تغيير مآسي الإنسان ؟ أم أن ذلك أمر موكول إلى أهل الاختصاص ؟
- يستطيع الشعراء أن يسهموا في تغيير مآسي الإنسان لأن في الشعر رسالة دقيقة موجّهة إلى الطبقات المستضعفة مثل إليا أبي ماضي الذي أراد السموّ مبتغيا تجسيد القيم الأدبية و الأخلاقية الملتزمة مع الموضوعية .
- أنثر المقطع الشعري الثاني الذي اعتمده الكاتب في تحليل النزعة الإنسانية عند الرّصافي .
- نفذ الشاعر إلى أعماق أمّ بائسة يائسة منكسرة محزونة ؛ يبلور ما تحسُّ به ويستخرج ذلك الركام من الأحاسيس المفعمة بالمرارة والكآبة والألم والضنك والأسى في سياق شعوري متناغم إذ يسمعنا الشاعر آنات وعويل أم احترق طفلها في حريقٍ شبَّ فلم تبق ناره ولم تذر، فما كان منها إلا أن أخذت تولول وتصرخ وتلطم خديها وحق لها ذلك في حالٍ أقرب إلى الجنون .
- إختبارات
- 1
- الأجوبة الصحيحة
- False
- الأجوبة الخاطئة
- False
- مجموع النقاط
- False
المراتب الخمس الأولى في Quiz
- يونس مداحي
- 0 نقطة