النص التواصلي :حركة التأليف في عصر المماليك
النّص :
في عصر الضعف لم يكن النثر أوفر حظا من الشعر فيعدوه الإسفاف،وكلاهما رزئ ببلاغته، ومضى عهد فرسانه المجّلين، وربما كانت مصيبة النثر أفدح، وخطبه أعم، لأن عدد المتطفلين عليه أكثر من عدد المتطفلين على الشعر، وكانت النكبة في إنشاء المترسلين أشد منها في إنشاء المصنفين فقد اصطبغ إنشاء المترسلين بألوان الشعر، فغلب عليه الخيال، والمجاز وقامت سجعاته مقام القوافي، فلم يكن ينقصه غير الأوزان، ومتى أفرغ النثر في قالب الشعر ضاقت أغراضه، وتحددت موضوعاته، فما يصلح إلا للأشياء التي يطفو عليها الخيال الشعري كالوصف والرسائل ومقدمات الكتب والمقامات وما أشبه ذلك، وأما المباحث العلمية والأدبية والتاريخية، فتنبو عنه، ولا تخضع له إلا على كره ونفار، فأسف نثر المترسلين وجفت صناعتهم، وثقلت ألفاظهم،وقبحت محسناتها، ثم وافى هذا العصر، فاحتضرت البلاغة بين يديه، وحاول كتابه أن يجاروا من تقدمهم في الصناعة من التزام التورية والسجع والجناس، لأن في صناعة الألفاظ سترا لعجزهم عن توليد المعاني واختراعها، فلم يستقم لهم الأمر، وجاءت عباراتهم تتمطى متثاقلة ومتثائبة . وأما إنشاء المصنفين فلم تعمه الصناعة اللفظية كما عمت فن الترسل،ولكنه لم يخلص من التعقيد والتطويل، ثم دب الفساد في لغتهم كما دب في لغة المترسلين، فكاد أن يكون النثر عاميا كما يبدو في قصص بني هلال وتاريخ ابن إياس وما شاكل ذلك. وكانت حركة التأليف في العلوم والآداب في دولة المماليك محمودة لكثرة المدارس عندهم، وإقبال العلماء عليها، وانصرافهم إلى التأليف بأكناف السلاطين، ولكن مصنفاتهم قلّ فيها الاستنباط لتصلب الأذهان، فجاءت في معظمها جمعا وتحشية وشرحا، فمن الذين اشتغلوا بالنحو ابن مالك الطائي، وألفيته المشهورة والكافية الشافية، ومنهم ابن هشام الأنصاري وله "قطر الندى وبل الصدى" ومنهم صاحب الأج رومية ومن الذين اشتغلوا بتصنيف المعاجم اللغوية ابن منظور صاحب "لسان العرب" ومنهم فيروز أبادي وله "القاموس المحيط"، وغيرهما كثير وكان حظ التاريخ حسنا، والنشاط له عظيما، فظهرت فيه كتب جليلة يصح الركون إليها، وكان للمغرب يد على فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع في مقدمة ابن خلدون ل ومن الذين اشتهروا في مصنفاتهم ( كتاب العبر في أيام العرب والعجم والبربر ) التاريخية ابن خلكان وله "وفيات الأعيان" وهو مصنف نفيس، ومنهم شمس الدين الذهبي وله "تاريخ الإسلام " . وكذلك الجغرافيا، فإن أصحابها ما انفكوا يعانون الرحلات في سبيلها، وأشهرهم القزويني وله "عجائب المخلوقات" في الفلك والجغرافيا الطبيعية عند العرب، وابن بطوطة الرحالة المشهور وله كتاب "تحفة النظار"، ويعرف ب "رحلة ابن بطوطة" والمقريزي وله خططه التي بين فيها أقاليم مصر وأحوال مكانها، وأودعها من الأخبار والحوادث التاريخية طائفة حسنة. وكان للعلم الطبيعي دور هام في كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدميري، واشتغل جماعة من العلماء بوضع الكتب الجامعة لشتى العلوم والآداب، كالنويري وله كتاب "نهاية الأرب في فنون الأدب" ويبحث في الفلك وتقويم البلدان والتاريخ الطبيعي واللغة والأدب، والأبشيهي وله "المستطرف في كل فن مستظرف" ويشتمل على أدب وسياسة واجتماع وتاريخ وجغرافيا وتاريخ طبيعي ونحو ذلك.
ولما أدال الله العثمانيين ضعفت الحركة العلمية، فلم يكن للتصنيف والمصنفين شأن يذكر لولا تلك الشهب التي تلوح الفينة بعد الأخرى، فتنير سواد هذا الليل الدامس، ثم يتوارى شعاعها في الحجب الكثيفة، فيستبد الظلام، فمن هذه الشهب عبد القادر البغدادي صاحب "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب" شرح فيه شرح الكافية في النحو، وضمنه مباحث في التاريخ والأدب، ومنها السيد مرتضى الزبيدي صاحب "تاج العروس" يشرح فيه قاموس المحيط لفيروز أبادي، وعرف من المؤرخين المحبي وله "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر" والمقري وله "نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب" واشتهر من مؤلفي الكتب الجامعة بهاء الدين العاملي صاحب "الكشكول"، فيه أدب ورياضيات وفلسفة وعلوم إسلامية .
هذا غيض من فيض مما عرف من آلاف التصانيف التي طبعت أو التي مازالت مخطوطة، وهي تبرز الحركة التأليفية والموسوعية الكبرى في العصر المملوكي والعثماني، ومالا يدرك كله لا يترك جله .
- ما الموضوع الذي تحدث عنه بطرس البستاني ؟
- تحدث بطرس البستاني عن مميزات النثر في عصر المماليك .
- لماذا كانت مصيبة النثر أفدح , وخطبه أعم بالمقارنة مع الشعر ؟
- ما المقصود بإنشاء المترسلين ؟
- لم انصرف العلماء في هذا العصر إلى الجمع والتصنيف والشرح والتحشية ؟
- ما الدافع إلى الإكثار من المحسنات البديعية في التأليف الأدبية ؟
- كانت مصيبة النثر أفدح وخطْبه أعم بالمقارنة مع الشعر , لأن عدد المتطفلين عليه أكثر من عدد المتطفلين على الشعر .
- المقصود بإنشاء المترسلين هو النثر الذي أُلِّف بخصائص قريبة من الشعر، حيث اصطبغ بألوان الشعر، فغلب عليه الخيال والمجاز وقام السجع مقام القوافي في الشعر، فلم يكن ينقصه غير الأوزان.
- انصرف العلماء في هذا العصر إلى الجمع والتصنيف والشرح لقلة الاستنباط نتيجة تصلب الأذهان .
- الدافع إلى الإكثار من المحسنات البديعية في التأليف الأدبية هو ستر عجزهم عن توليد المعاني واختراعها .
- إليك نموذجا من إنشاء المترسلين , يقول ابن زيدون في رسالته الهزلية :
" أما بعد أيها المصاب بعقله , المورط بجهله, البين سقطه , الفاحش غلطه, العاثر في ذيل اغتراره, الأعمى عن شمس نهاره ،الساقط سقوط الذباب على الشراب, المتهافت تهافت الفراش في الشهاب , فإن العجب أكذب , ومعرفة المرء نفسه أصوب"
- ما هي خصائص هذا النوع من الأدب ؟
- ظهرت كثير من " المتون " لغاية تعليمية من مثل ألفية ابن مالك التي يقول فيها :
بتا فعلت وأتت ويا افعلي | ونون اقبلن فعل ينجلي |
- عم يتحدث ابن مالك في هذا البيت ؟
- خصائص هذا النوع من الأدب : المبالغة في توظيف البديع كالسجع والطباق فهذا النص صورة حقيقية للتنميق اللفظي الذي رزئ به أدب عصر الضعف ، فنلاحظ أن الكاتب تكلف كثيرا من أجل سجع عباراته على حساب المعنى الذي ينبغي أن يكون جليا . مثل قوله : تهافت الفراش في الشهاب .
- يتحدث ابن مالك في هذا البيت عن : علامات الفعل .
- فيم انحصرت موضوعات النثر الفني خلال عصر الضعف ؟
- بم امتاز أسلوب هذا العصر ؟ وبم اهتم الكتاب ؟ وإلام انصرفوا ؟
- انحصرت موضوعات النثر الفني خلال عصر الضعف في الكتابة الديوانية والرسائل الأدبية والمناظرات .
- اهتم الكتاب في هذا العصر بالزخرفة البديعية التي أصبحت غاية الكتابة ، و بالانصراف إلى التأليف في الأدب والتاريخ واللغة والعلوم الدينية , جامعين , ملخّصين , مذيّلين.