مطالعة موجهة : إنسان ما بعد الموحدين
النّص :
عندما نقوم بتحليل نشاط الأفراد وأذواقهم في بيئة معينة، نجد عوائد سائدة، تنتقل
فيما بينهم كابرا عن كابر، فهناك وراثة اجتماعية، كما أن هناك وراثة جسم
إن ألوان نشاط الفرد وأفكاره في كل مجتمع تنتج دائما على منوال
الوراثة، ويكفينا أن ننظر إلى طفل يلعب لكي ندرك أهمية الوراثة الاجتماعية،
وقوتها الموجهة، فتقاليد المجتمع تتمثل في لعب الطفل، الذي يعد صورة أولية
فطرية من النشاط الإنساني...
فإذا ما درسنا أوجه النشاط في بلد معين، وجب علينا لكي نفهمها أن
نردها إلى إطار حضارة، تستمد منها الحياة أشكالها، ويشكل فيها الفرد دائما
أفكاره وضروب نشاطه على المنوال الذي صنعته القرون والأجيال..
وعليه فليس من باب اللعب بالألفاظ، بل من الصورة المنطقية، أن نقرر
هنا أن العالم الإسلامي لا يعيش الآن في عام 1949 م، بل في عام 1269 م،
وإنا لمضطرون إلى أن نؤكد هذا التاريخ، لأنه يسجل نقطة انطلاق فيتطور
تاريخي، ترجع إليه سائر مشكلات العالم الإسلامي هذه اللحظة، هي نقطة
الانكسار في منحنى التطور التاريخي، وهي لحظة انقلاب القيم داخل حضارة معينة..
وليس من الصواب أن نبحث عن النظم، بل عن العوامل الإنسانية
المتمثلة في عجز الناس عن تطبيق مواهبهم الخاصة على التراب والوقت.
إن التركيب الأساسي نفسه قد تحلل فتحللت معه الحياة الاجتماعية،
وأخلت مكانها للحياة البدائية. ويؤرخ لتلك الظاهرة في التاريخ الإسلامي بسقوط
دولة الموحدين، الذي كان في حقيقته سقوط حضارة لفظت آخر أنفاسها.
ثم يبدأ تاريخ الانحطاط بإنسان ما بعد الموحدين، ففي عهد ابن خلدون
استحالت القيروان قرية مغمورة، بعد أن كانت في عهد الأغالبة قبة الملك، وقمة
الأبهة، والعاصمة الكبرى التي يقطنها مليون من السكان، ولم يكن حظ بغداد
وسمرقند خيرا من ذلك، لقد كانت أعراض الانهيار العام تشير إلى نقطة
الانكسار في المنحنى البياني.
فإذا نظرنا إلى هذا الوضع نظرة اجتماعية، وجدنا أن جميع الأعراض
التي ظهرت في السياسة أو صورة العمران، لم تكن إلا تعبيرا عن حالة مرضية
يعانيها الإنسان الجديد - إنسان ما بعد الموحدين - الذي خلف إنسان الحضارة
الإسلامية، والذي كان يحمل في كيانه جميع الجراثيم التي سينتج عنها في فترات
متفرقة جميع المشاكل التي تعرض لها العالم الإسلامي منذ ذلك الحين، فالنقائص
التي تعانيها النهضة الآن، يعود ِ وزرها إلى ذلك الرجل الذي لم يكن طليعته في
التاريخ، فنحن ندين له بمواريثنا الاجتماعية، وبطرائقنا التقليدية التي جرينا
عليها في نشاطنا الاجتماعي..
هذا الوجه المتخلف الكئيب مازال حيا في جيلنا الحاضر، نصادفه في
المظهر الرقيق البرئ الذي يتميز به فلاحنا الوديع القاعد، أوراعينا المترحل
المتقشف المضياف، كما نصادفه في المظهر الكاذب الذي يتخذه ابن أصحاب
المليارات نصف المتعلم، الذي انطبع في الظاهر بجميع أشكال الحياة الحديثة،
فأكسبه مليار آبيه وشهادة البكالوريا مظهر الانسان العصري، بينما تحمل أخلاقه
وميوله وأفكاره صورة إنسان ما بعد الموحدين.
وطالما ظل مجتمعنا عاجزا عن تصفية هذه الوراثة السلبية التي أسقطته
منذ ستة قرون، ومادام متقاعسا عن تجديد كيان الانسان، طبقا للتعاليم الإسلامية
الحقة، ومناهج العلم الحديثة، فإن سعيه إلى توازن جديد لحياته وتركيب جديد
لتاريخيه سيكون باطلا عديم الجدوى.
إن العلوم الأخلاقية والاجتماعية والنفسية تعد اليوم أكثر ضرورة من
العلوم المادية، فهذه تعد خطرا في مجتمع مازال الناس يجهلون فيه حقيقة
أنفسهم، ومعرفة إنسان الحضارة وإعداده أشق كثيرا من صنع محرك أو
ترويض قرد على استخدام رباط عنق، وإنسان ما بعد الموحدين في أية صورة
كان – باشا أو عالما مزيفا أو مثقفا مزيفا أو متسولا – يعد عموما عنصرا
جوهريا فيما يضم العالم الإسلامي من مشكلات منذ أُُفول حضارته، وهو عنصر
لا ينبغي أن يغيب عن أنظارنا عندما ندرس نشأة المشكلات وحلولها التي تشغل
اليوم – فيما يبدو – الضمير الإسلامي.
اليوم – فيما يبدو – الضمير الإسلامي
تقديم النص :
- ما هو واقع الأمة الإسلامية اليوم ؟ وما أسباب ذلك ؟
- ما هي الوسائل الكفيلة للنّهوض بالأمة واسترجاع أمجادها ؟
- عدم شعور الأفراد بالمسؤولية نحو أمتهم وبوجوب النهوض بها .
- العودة إلى تعاليم الدين الإسلامي التي تدعو إلى التغيير والتحلي بروح المسؤولية .
- ما الوضع الذي تعاني منه الأمة الإسلامية ؟ و منذ متى ؟
- ماذا يقصد الكاتب ب " إنسان ما بعد الموحدين " ؟
- ما هي مظاهر التخلف التي يعيشها مجتمعنا الآن ؟
- ما الأولى في نظر الكاتب التصحيح الخلقي أم التصحيح المادي ؟ لماذا ؟
- تعاني الأمة الإسلامية من التخلف والانحطاط منذ سقوط دولة الموحدين .
- يقصد الإنسان العربي في الوقت الحاضر .
- من مظاهر تخلف مجتمعنا : عجز أفراده عن تطبيق مواهبهم ، و اهتمامهم بالمظاهر الزائفة التي تبرز تناقضا صارخا بين الظاهر والجوهر وتمسكهم بالعادات السلبية .
- الأولى في نظر الكاتب هو التصحيح الخلقي ، لأنّ مهمّة إعداد إنسان الحضارة تعدّ أساسا في حلّ مشكلات العصر باعتبار الإنسان عنصرا جوهريّا لا ينبغي إغفال دوره في تحريك عجلة الحياة .
- يرى الكاتب أن روح التقليد راسخة في حياة البشر، بم علل ذلك ؟ وما رأيك في هذا الحكم ؟
- اعتمد الكاتب على أسلوب المقارنة في عرض أفكاره. فيم تمثّل ذلك ؟ وهل تراه أسلوبا ناجعا في التحليل والتفسير ؟
- هل أسباب التخلف الواردة في النص أسباب موضوعية ؟ وضّح
- هل استعمل الكاتب في لغته الأسلوب العلمي أم الأسلوب الأدبي ؟ علّل إجابتك بشواهد من النص ؟
- علل الكاتب ذلك بالوراثة الاجتماعية ، فالسلوك الاجتماعي عند الأفراد عادة ما يكون مرتبطا بعادات سائدة في المجتمع الذي يعيش فيه .
- تمثّل ذلك في المقارنة بين واقع إنسان الحضارة الإسلامية وإنسان ما بعد الموحدين، ويبدو أسلوبا ناجعا في التحليل والتفسير .
- أسباب التخلف الواردة في النص أسباب موضوعية، لأننا نلمسها في واقعنا ولا زال الإنسان العربي يعتمد على مواريثه الاجتماعية و طرائقه التقليدية في مزاولة نشاطه الحي أن يجدد في نمط حياته، أو يغير في أسلوبها .
- استعمل الكاتب في لغته الأسلوب العلمي ، لأنه اعتمد على الحقيقة، وصاغ فكرته في لغة بسيطة، ومن أمثلة ذلك: العالم الإسلامي لا يعيش الآن في عام 1949م ، بل في عام 1269هـ ، وإنا لمضطرون إلى أن نؤكد هذا التاريخ .
- أين نشأت دولة الموحدين ؟ ومتى كان ذلك ؟ عد إلى بعض المراجع التاريخية للاستناد عليها في إجابتك .
-
نشأت دولة الموحدين في المغرب العربي سنة 515هـ - 1128م ، وكانت قوية الجانب عزيزة السلطان ، فأعانت المسلمين في الأندلس على صدّ الهجوم المسيحي.