النص التواصلي : الشعر في عهد المماليك
النص :
زالت في عصر المماليك كثير من الأسباب التي تنهض بالشعر و تحمل أصحابه على الإجادة ، فالملوك و السلاطين و أعاجمُ لا يعنون إلا في النادر بتشجيع الشعراء ، و تقريبهم إليهم و إغداق الخير عليهم . فعمل هؤلاء على كسب معيشتهم عن سبل الحرف و الصناعات فكان بينهم الجزّار و الدّهان و الكحّال . و فترت العصبية والحمية اللتان نهضتا قديما بالشعر الفخري و القومي ، و قلت دواعي اللهو في جوّ الاضطراب السياسي و صرامة العيش. إلا أن معين الشعر لم ينضب ، و قرائح الشعراء لم تجف .
لقد أصيب الشعر في هذا العهد بوباء التنميق اللّفظي الذي ذهب بمائه ورِونقه و تركه مراراً كثيرة على حالة المريض المدنف بعد أن ألحَّ عليه السقم و الهزال . فإذا ما أزَحْتَ ستار الألفاظ البرّاقة لا تقع غالباً إلا على معانٍ مكرورة مسروقة غثة . وافتّن الشعراء في أنواع البديع و التصنع . فجاء صفيُّ الدين مثلاً بارتُقيَّاته و هي تسع و عشرين قصيدة تتألف كل واحدة منها تسعة و عشرين بيتاً ، و تختص كل واحدة بحرف من حروف الهجاء يكون في أول و آخر كل بيت من أبْياتها . وطلع علينا هو و غيره بالبديعيات التي يحوي كلٌ بيت من أبياتها نوعاً من أنواع البديع و قد يشير الشاعر في البيت إلى ذلك النوع ، فيقول مثلاً :
لي في ابتدا مدحكم يا عُرب ذي سَلَم **** براعةٌ تستهل الدّمع في العَلمِ
و هكذا إلى أن يأْتي على أنواع البديع كلها. فكيف يصحّ فنٌّ تُقيّدُهُ هذه الأغلال ؟
وقد كثر التشطير و التخميس و الاقتباس و التضمين ، حتى قال بعضهم :
أُطالعُ كلَّ ديــــــــــوانٍ أراهُ **** ولم أزجر عن التّضمين طَيري
أُضمِن كلّ بيتٍ فيه معنـــًى **** فشعري نصفُهُ من شعر غيري
نظموا الألغاز والأحاجي ، و استكثروا ، لإظهار براعتهم و حذقهم ، من الألفاظ المصغرة و المعجمة و الملهمة ، و التزموا ما لا يلْزم ، وأتوْا بما لا يستحيل بالانعكاس و بالغوا في التاريخ الشعري و هو أن يأتي الشاعر بألفاظ تدل حروفها بحساب الجمل على سنة معينة . فقال مثلاً أحدهم مؤرخا وفاة والي مصر محمد باشا :
قتْلُــــهُ بالنــــــــــــــارِ نــــورٌ **** و هو في التاريـــخ " ظلمَـــةْ "
و مما شاع في هذا العهد المدائح النبوية. فنظم البوصيري بردته الشهيرة التي مطلعها :
أَمِن تذكُرِ جيرانٍ بذي سلمِ **** مزجت دمعاً جرى من مُقلةٍ بدَمِ
و همزتيه و لاميته التي عارض بها " بانت سعاد " . فراجت قصائده هذه ، و لا سيما البردة، و قلّدها الشعراء . و كثر الميل إلى المقطوعات القصيرة التي تحوي نكتة أو فكاهة ولم يحجم الشعراء عن وصف الأشياء المألوفة كالسّجادة و البساط و المسبحة و السكين و المروحة .
و قد أسرف الشعراء في استكمال الكلام العادي الصريح و الألفاظ العامية و الكلام غير المعرب و الأوزان الشعبية مثل " المواليا " و " القوما " و " الزجل " و " الدوبيت " و الموشح و غيرها . فاستساغت آذان آل قلاوون و آل برقوق هذا الشعر، و أجازوا عليه . و اشتهر فيه خلف الغباري و أحمد بن عثمان الأمشاطي و أحمد الدرويش و غيرهم .
تقديم النص :
- ما الموضوع الذي تحدث عنه حنا الفاخوري ؟
- تحدث حنا الفاخوري عن الشعر في عهد الماليك .
- كيف يتعامل الحكام مع الشعراء في هذا العصر ؟
- هل أثر ذلك في حياتهم الاجتماعية ؟ كيف ؟
- هل كان ذلك العامل الوحيد لفتور الشعر ؟ اذكر الأسباب الأخرى.
- ما الذي يميز شعر هذا العصر ؟
- ما أنواع المحسنات اللفظية التي شاعت في هذا العصر ؟
- ما هي أغراض الشعر التي شاعت في هذا العصر ؟
- ما الأوزان الشعبية التي أسرف فيها شعراء هذا العصر ؟
- ملوك وسلاطين هذا العصر كانوا أعاجم لا يعنون إلا في النادر بتشجيع الشعراء وتقريبهم إليهم وإغداق الخير عليهم .
- نعم أثر ذلك في حياتهم الاجتماعية حيث اتجه الشعراء إلى كسب معيشتهم عن سبيل الحرف والصناعات ، فكان بينهم الجزار والدهان .
- لم يكن ذلك العامل الوحيد لفتور الشعر بل إضافة إلى فتور العصبية والحمية اللتين نهضتا قديما بالشّعر الفخري والقومي وقلّت دواعي اللهو في جو الاضطراب السياسي وصرامة العيش .
- تميز شعر هذا العصر بالتنميق اللفظي الذي ذهب برونق الشعر و بالمعاني المكرورة المسروقة .
- المحسنات اللفظية التي شاعت في هذا العصر هي : التشطير والتخميس والاقتباس والتضمين .
- شاع في هذا العصر شعر الألغاز والأحاجي والمدائح النبوية .
- الأوزان الشعبية التي أسرف فيها شعراء هذا العصر هي : المواليا والقوما و الزجل والدوبيت والموشح .
- هل العامل السياسي ضروري للنهوض بالشعر والأدب عامة ؟
- هل ترى لانصراف الشعراء إلى التنميق اللفظي بعدا نفسيا واجتماعيا ؟ وضح مع التعليل .
- ما المقصود بالألغاز والأحاجي ؟ هل تجدها في ثقافتنا الشعبية اليوم ؟ وهل هذا يدل على ضعف في الإبداع الأدبي ؟
- لماذا شاعت المدائح في هذا العصر ؟ وهل كان يطبعها التقليد المحض أم فيها بعض الإبداع . علل انطلاقا مما درست في هذا النص .
- نعم يعتبر العامل السياسي ضروريا للنهوض بالشعر والأدب عامة ، فالاستقرار و الأمن ضروريان للإبداع .
- نعم أرى لانصراف الشعراء إلى التنميق اللفظي بعدا نفسيا واجتماعيا ، فلقد ترك الشعراء فنّهم و أدبهم و لجؤوا إلى حرف أخرى يقتاتون منها، فجمدت قرائحهم و أحسوا بالإحباط و بالعجز عن الإبداع .
- المقصود بالألغاز والأحاجي هو : الشعر الذي يتضمن لغزا أو أحجية و هو موجود في ثقافتنا الشعبية اليوم , و يدل على ضعف في الإبداع الأدبي .
- شاع المديح النبوي في عصر المماليك بسبب الفساد أخلاقيّ و ضعف الوازع الديني، فكان لا بدّ من الرّجوع إلى سيرة المصطفى - ص - لتذكير الناس بسيرته العطرة علّهم يقتدون بها ، ضف إلى ذلك ما شهده العصر من هجمات الصليبية شنّها الأوربيون ضدّ الإسلام .