النص التواصلي : الإحساس بالألم عند الشعراء المعاصرين
• النّص:
القصيدة المعاصرة ليست نزوة طرب عابرة، وإنّما هي حالة تدلهم فيها التجارب. فالشّاعر الحديث لم يعد يستسيغ الارتجال ونزوة الوحي العرضي. ولقد نعجز عن تفهم قضية التأليف والتركيب في القصيدة المعاصرة ،إذا لم ندرك أنّها تنمو مع كثير من التطور والصيرورة بنمو الشاعر وتطور أحواله النفسية والفكرية والحياتية. فقد نلقى الشّاعر في مستهلّ القصيدة متجهما يعاني الفشل والضياع والشّعور بالتفاهة والعقم. ويظلّ هذا الشّعور يتداول نفسه ويتمزق فيها ، فيبعثه على التأمل، متنازعا البقاء في قلق ولا استقرار، وينتهي – حينا – إلى يأس من الإنسان والحضارة، أو إلى إيمان بالبعث والتجدد، أو يظلّ يترجح في شك أعظم فاجعة من اليأس والانحلال، لهذا فإن القصيدة المعاصرة تحمل طابع المأساة، وربما الفاجعة. فالمواضيع التي تصدى لها السياب مرتبطة بواقع راهن في بلده العراق أو في الوطن العربي، فهناك فلسطين والجزائر وبورسعيد، وهناك أيضا واقع الظّلم والفقر والبؤس في العراق، فهو يعول ويلتطم وينتحب مستثيرا الشفقة والحسرة. والشاعرًخليل حاوي فيًضباب ويروق منقطع في عزلته إيغالا في تحسس مأساة ومعاناة الشعب ومصيره... وهنا يوفي الشاعر العربي إلي اليأس الوجودي، ويتوهم أنه لا خلاص للإنسان من بئر مصيره، إذ لا خير يعضده أو أنّه ثمة خير مخذول، مرذول، والشّر يضرب بساعد القوة والبطش. تلك الرؤيا أدركها وصمت دونها، فأتلفت أعصابه ومصت دمه.
وكان البياتي من الشّعراء الدين التزموا قضية الإنسان في شعرهم وسعوا غاية جهدهم الفني إن يدحروا الظلمة والعبودية والتخلف، ولقد كان ألبياتي من دوي المعاناة الفعلية، وهو ممن تكرسوا للشعر واضطهدوا عليه. ففيًعذاب الحلاج كان الحلاج الوعاء الذي افرغ فيه الشاعر معاناته، وجسد تجربته على الحرية وتحقيق إنسانية الإنسان عبر الأقوياء والأثرياء والظالمين الدين يعاقبون على الكلمة وعلى الكرامة. إنّه فعل وجود بالنسبة إلى الإنسان المطلق الذي يضمه المرء في أهابه وفي أعماق وجدانه، لا فضل له ولا فضيلة من دونه. فالمرء يحيا كي يخدم الإنسان والحياة في أرقي مستوى لهما وفي الاستشهاد في سبيلهما. والقوم الدين يصفهم (صلاح عبد الصبور) في (الظل والصليب) وقد عجزوا عن الألم العميق إذ يسفعه السأم ويعفي عليه. ذلك لأن التألم بصدق فضيلة إنسانية، إذ ينم ذلك عن حياة الضمير والكرامة في الإنسان، عن شهامته، عن احتفاله بمصير القيم والناس. وقد كان (موسيه) يقول (لا شيء يجعلنا كبار كالألم) وهؤلاء القوم الذين يعجزون حتى عن الألم قد افتقدوا كرامتهم وكبرياءهم، فهانوا وقبلوا بقدر الذل أو بأي قدر زري. فألمهم يطفو كالزيت إذ الألم لا يزال المعلم الأكبر والأعمق والأصدق للإنسان.
ولد إيليا إلياس الحاوي شقيق الشّاعر خليل حاوي بلبنان حيث تعلم في مدارسها. انضم إلى الجامعة اللبنانية وتخرج بإجازة جامعية في الآداب عام 1956. كتب سلسلة «أعلام الشّعر العربي القديم والفنون الأدبية»، كما كتب سلسلة «الشعر العربي المعاصر».
س1. حاول التعرف على الشعراء المذكورين في النص ؟
ج 1. تعرف على الشعراء المذكورين في النص :
- خليل حاوي: خليل سليم حاوي ولد في قرية الهُوية (جبل العرب - جنوبي سورية)، عام 1919، انتحر صباح السادس من حزيران 1982، ببندقية صيد في منزله، مع بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان. له خمس مجموعات ضمها ديوان الأعمال الكاملة «نهر الرماد»، و« الناي والريح»، و«بيادر الجوع»، و« الرعد الجريح»، و« من جحيم الكوميديا». وأصدر كتباً في النقد الأدبي والفلسفة، منها «العقل والإيمان بين الغزالي وابن رشد»
- عبد الوهّاب البياتي : (1999 - 1926) شاعر عراقي ولد في بغداد. ويعد واحدا من أربعة أسهموا في تأسيس مدرسة الشعر العربي الجديد في العراق وهم على التوالي نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وشاذل طاقة. له دواوين شعرية: " ملائكة وشياطين "،" أباريق مهشمة "، " المجد للأطفال والزيتون "،" رسالة إلى ناظم حكمت "،" أشعار في المنفى "،" عشرون قصيدة من برلين "،" ديوان عبد الوهاب البياتي " ، " سيرة ذاتية لسارق النار" ، " بكائية إلى شمس حزيران والمرتزقة " ، " يوميات سياسي محترف "...)، ومن أعماله الإبداعية المسرحية " محاكمة في نيسابور" ، و" أراجون " ، و" تجربتي الشعرية" و " مدن ورجال ومتاهات " وجمعت حواراته في كتاب "كنت أشكو إلى الحجر"
- محمد صلاح الدين عبد الصبور يوسف الحواتكي، حمد صلاح الدين عبد الصبور يوسف الحواتكى، ولد في 3 مايو 1931 بمدينة الزقازيق. يعد صلاح عبد الصبور أحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربي ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربي، كما يعد واحداً من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة في التأليف المسرحي، وفي التنظير للشعر الحر. ومن دواوينه: " الناس في بلادي"، "أقول لكم"، "تأملات في زمن جريح" ،"أحلام الفارس القديم" ، "شجر الليل" ،"الإبحار في الذاكرة". وله خمس مسرحيات شعرية: "الأميرة تنتظر"، "مأساة الحلاج"، "بعد أن يموت الملك"، "مسافر ليل"، "ليلى والمجنون"، و في 13أغسطس من العام 1981 رحل الشاعر صلاح عبد الصبور إثر تعرضه إلى نوبة قلبية حادة أودت بحياته.
- بدر شاكر السياب: (24 ديسمبر 1964 / 1926) شاعر عراقي ولد بقرية جيكور جنوب شرق البصرة، من دواوينه: " أزهار ذابلة"، "أعاصير"،" أزهار وأساطير"، "فجر السلام"، "حفار القبور"، "الأسلحة والطفل"، "أنشودة المطر"، "في المستشفى" وله من الكتب مختارات من الشّعر العالمي الحديث، ومختارات من الأدب البصري الحديث، ومجموعة مقالات سياسية أسماها كنت شيوعيا
- لوي شارل ألفرد دي موسيه (ولد ديسمبر1810توفي – مايو1857 شاعر غنائي ومسرحي، لُقب بالولد النابغة. ولد، وتُوفِّي في باريس، وهو ينتمي إلى أسرة ميسورة مثقفة تتذوق الشعر. فبدأ نظمه منذ عام 1824، ولمع اسمه منذ أن كان تلميذاً في معهد هنري الرابع. كان يحب الموسيقى والرسم، وتردد في دراسته بين الحقوق والطب إلى أن استقر وتفرغ نهائياً للأدب. عرف عن موسّيه أنه شاعر الهوى والنزوات والأشجان، من مؤلفاته :«الليالي» يتحاور الشاعر مع قريحته الشعرية، ، وتعدّ روايته «اعتراف ابن العصر» سيرة ذاتية ضمّنها الذكرى المؤلمة وضياعه مع جيل بأكمله. . أما أسلوب الشاعر فهو استفزازي مضطرب يخفي مشاعر جيّاشة تميل إلى العنف والانتقام.
س2. حفل النّص بعناوين أعمال شعرية، حاول التّعرف على ما أمكنك من هذه الأعمال.
ج2.
- "ضباب وبروق" لخليل حاوي : قصيدة لخليل حاوي تجسد حالة اليأس التي استسلم لها الشّاعر وحالة العطالة التي انتهى إليها، و منها الأسطر الشّعرية الآتي: في جبالٍ من كوابيسِ التّخلّي والسهَاد حَيثُ حَطَّت بومةٌ خَرسَاءُ تَجتر السواد اَلصدى، وَالظِّلُّ، والدمعُ جماد، يَتَجلّى فارس غَض مَنيع فارس يَمسَحُ غَصات الحزانى والجِياع.
- "عذاب الحلاج": قصيدة لعبد الوهاب البياتي تجسد محنة استبطان العالم، ومحاولة الكشف عن الحقائق الكلية، كما تجسد المعاناة والألم، الناشئان عن حالة الترقّب والانتظار الذي يأتي ولا يأتي تمتزج فيها الرؤية الشّعرية النافذة بتجربة التصوف ،إذ يستحضر البياتي شخصية الحلاج الصوفي متحدثا معه مرة ومحدثا إياه مرة أخرى، ومقتبسا وممتصا أشعاره.
"الحلاج"244 - 309 هـ / 858 - 922. حاول الحلاج أن يدعو الى مذهب سياسي وروحي يقوم على فقه معين ورياضة صوفية تتميز كلها بالتطرف والشدة والإصرار على الوصول إلى هدف مستهينا بالعقبات ولو بلغت الموت نفسه.
وقيل عنه بأنه كان يظهر مذهب الشيعة للملوك (العباسيين) ومذهب الصوفية للعامة.
وانتهى الأمر بالحكم على الحلاج بالإعدام بعد أن سجن وعذب وضرب وقطعت أطرافه الأربعة ثم قتل وحزّ رأسه وأحرقت جثته ونصب رأسه على جسر بغداد.وهكذا انتهت حياة الحلاج ليتحول إلى زعيم طائفة صوفية دانت بفكره وطريقته.
وابتداءً من الخمسينيات صار الحلاج رمز من رموز الأدب العالمي .
"الظلّ والصليب": قصيدة لصلاح عبد الصبور من ديوانه: ( أقول لكم )، تجسد السأم الوجودي الإنساني، والإحساس برتابة الأشياء، وعطل الحياة الإنسانية، فيتوق لإصلاح الكون إذ يقول في كتابه حياتي في الشّعر: «لستُ شاعراً حزيناً، لكنّي متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني، ولأنّي أحمل بين جوانحي، كما قال شلْلي، شهوةً لإصلاح الكون ». كما يقول في نفس الكتاب: « في قصيدتي ( الظلّ والصليب ) ... كنت أتحدث عن المجتمع التّافه، و أريد أن أشير إلى علّة تفاهته
س3. كيف تتطور هذه القصيدة من الداخل؟
ج3. القصيدة الحديثة تنمو وتتطور مع نفسية الشاعر وتبتعد عن الارتجال عن القديمة التي أبانت عن نزوة طرب عابرة.
س4. ما هي العوامل التي تدخل في بناء القصيدة المعاصرة ؟
ج4. العامل النفسي الذي يلازم الشاعر طوال حياته الإبداعية لا يحيد عنه مع الزمن بل يلازمه أحيانا العمر كله.
س5. هل المعاناة وليدة حالة شعورية فردية ؟
ج5. بل هي وليدة نظرة اجتماعية يستمدها الشاعر من واقعه المعاش فالسياب مثلا مرآة لحالة العراق .
س6. عم يبحث الشاعر المعاصر ؟
ج6. هو طبيب يشخص المرض ويقف على مكمن الداء والجرح داخل المجتمع فيميط اللثام عنه وحينها هو أمام أمرين إما أن تتفاءل بإيجاد الدواء أو يقر بعدم ذلك فيتسم بنظرة تشاؤمية.
س1. يرى الكاتب إن الألم والمعاناة التي يعيشها الشعراء المعاصرون هي نتيجة نظرة وجودية إلى حقيقة الإنسان والتناقض الذي بين هده النظرة وواقعهم ، هل تشاطره الرأي النقدي؟
س2. كيف بنى الكاتب نصه ؟
س3. ما نمط النص ؟
ج1. ليبرر حالة الألم في الشعر المعاصر جاء الكاتب بعدة أدلة ويبدو أنه وفق في طرحه القائل بغلبة النظرة التشاؤمية على شعرنا العربي المعاصر فبالإضافة إلى شواهده يمكن الاستشهاد بمحمود درويش حين يقول :
في حوار مع العذاب ..... كان أيوب يشكر ..... خالق الدود والسحاب
مناقشة قول دي موسيه "بنيت الحياة على المتناقضات إذ ليس غريبا أن نبني شخصياتنا من الألم والفقر والغربة فهي المحك الحقيقي الذي يصطدم به المرء فيصقل تجربته ويغذيه بكل مفاهيم الصبر ويكسبه الحنكة والتجربة ."
ج2. اعتمد على الإجمال ثم التفصيل و التحليل في طرح أحكامه النقدية فقد بين ظاهرة الألم في القصيدة المعاصرة ثم ضرب لنا أمثلة لذلك.
نمط النص:
ج3. حجاجي تفسيري كثرت فيه الشواهد / اعتماد ضمير المتكلمين لتأييد رأيه بشمولية أكبر / وكثرت فيه أساليب النفي والإثبات / الصبغة العقلية ،و اعتماد الروابط المنطقية في خطاباته .
س1. هل هذا الألم إحساس فردي أم هو ترجمة لظاهرة شعورية اجتماعية ؟
|
ج1. الإحساس بالحزن عند الشّعراء المعاصرين يتجاوز ما هو ذاتي إلى ترجمة النّكبات التي عاشتها الأمة العربية عبر تاريخها السياسي وما نتج عنه من آثار اجتماعية طبعت الوازع الثّقافي بالانتكاس.
|