النص الأدبي الأول : أبو تمام لصلاح عبد الصبور
لم يكن الشاعر صلاح عبد الصبور بمنأى عن هموم الأمة فراح يطلق العنان للسانه يعبر عن حسرته لما ادلهم بها من نكبات وكوارث مستحضرا التاريخ والأمجاد في محاولة منه لدغدغة مشاعر النخوة والثورة على الوضع المذل لغالب الدول العربية آنذاك التي تئن تحت وطأة الاستعمار خاصة بعد زرع الكيان الصهيوني في جسد الأمة.
وهذا ما يتضح من قصيدة ألقاها في مهرجان أبي تمام الذي أقيم في دمشق سنة 1961م.وحضره كبار الأدباء من أمثال العقاد رغم أن الشاعر لم يكن مدعوا إليه للخلاف الحاصل بين الشعراء المجددين والمحافظين ، فحضره بإمكانياته الخاصة.
الصوتُ الصارخُ في عموريه
لم يذْهب في البريه
سيفُ البغدادي الثائر
شقّ الصحراء إليه ...لباه
حين دعتْ أختٌ عربيه
وامعتصماه،
لكن الصوتَ الصارخَ في طبريه
لباه مؤتَمران ،
لكن الصوت الصارخَ في وهران
لبتْه الأحزان
. يا لَسيف المعتصم الثائر
اخْلَع غمد سحابك ، و انزلْ في قلب الظُّلمه
شُقّ العتْمه
و اضرب يمنى في طبريه
و اضرب يسرى في وهران
****
في موعد تَذْكارك يا جد
يلْقى الأبناء الأبناء
يتَعاطَون أفاويقَ الأنباء
و السيفُ المغْد في صدر الأخت العربيه
ما زال يشقّ النّهدين
و أبو تمام الجد حزين لا يتَرنّم
قد قال لنا ما لم نَفْهم
و السيفُ الصادق في الغمد طَويناه
و قَنَعنا بالكتب المرويه
يومك لا يسقينا فرحا
أو يسقيك رضا
التّذكار ثقيلٌ حين حملناه
نَدما
و الحسرةُ في وجهك بعد الأعوام ...الأعوام
صارتْ ألماً
و لقاء الجد أبي تمام
عيد للأحزان الموِرقة الأكمام
عيد تَعلاّت و كَلاَم
عيد دما تَطلُب سقياها ، فتُجاب ظما..
محمد صلاح عبد الصبور شاعر وناقد مصري معاصر ولد بمدينة الزقازيق بمصر عام 1931 l ، تفرغ للأدب والصحافة ،انضم إلى أسرة مجلة " روز اليوسف "الشهيرة و"صباح الخير" ثم أصبح رئيسا للتحرير لمجلة "المسرح" ، كما عمل في السلك الدبلوماسي توفي عام 1981م أول ديوان له" "الناس في بلادي" "الإبحار في الذاكرة "، "أقول لكم "، "أحلام الفارس القديم، "مأساة الحلاج".
ـ في الأعلام :
- أبو تمام: الشاعر العباسي الأشهر، عرف بقصيدته البائية في مدح الخليفة
- المعتصم بالله − المعتصم بالله : الخليفة العباسي الثامن، أنزل بالبيزنطيين هزيمة نكراء، وفتح مدينة عمورية.
- طبرية : مدينة على بحيرة طبرية بفلسطين، جعلها الصليبيون عاصمة إمارة الجليل في 1099م
- عمورية : مدينة بيزنطية في آسيا الصغرى، فتحها العرب أيام المعتصم.
- وهران : مدينة جزائرية أسسها تجار من عرب الأندلس في القرن العاشر.
- بم يذكرنا الشاعر في مستهل القصيدة ؟
- عم تحسر الشاعر حين أشار إلى "طبرية ووهران " ؟
- ما القصيدة التي اقتبس منها موضوعه ومن صاحبها ؟
- وفق الشّاعر في اختيار الرّموز، وفي إعطائها بعدا تراثيّا، يمثّل حلقة وصل بين الماضي والحاضر ، استخرج هده الرّموز ثم صنفها وبين دلالتها .
- في نفس الشّاعر حرقة ومرارة ، فإلام الحنين ؟
- ينطلق الشاعر من التاريخ فيذكرنا في مستهل القصيدة بقصة فتح عمورية (224هـ) على يد المعتصم بالله الخليفة العباسي وهزمه لجيوش الروم بقيادة (توفلس).
- حينما يشير الشاعر إلى طبرية ووهران فهو يتحسر على ما آل إليه حال الأمة من ضعف واستسلام بعد مجد وعز.
- يتقاطع صلاح عبد الصّبور مع الشّاعر أبي تمام في رائعته المشهورة في وصف معركة عمّورية (( فتح الفتوح)) فيتجاوز التّضمين إلى التّناصّ.
- اعتمد الشّاعر على التّراث لاختيار الرّموز الشّعرية المناسبة للموقف الشّعريّ ، ويمكن تصنيف هذه الرّموز إلى صنفين :
- الشّخوص التّاريخيّة : / المعتصم/ الأخت العربيّة/أبو تمّام. ترمز إلى الانتصار و المجد.
- رموز الأمكنة عمّورية: عمورية/ طبرية/ وهران/ تدلّ هذه الرّموز على المفارقة بين المجد في الماضي والاستسلام في الحاضر
5. في نفس الشاعر كثير من الحرقة والألم يظهران عندما يستعرض حاضر الأمة في المقطعين الأول والثاني.
الحنين هو لحظة هروب من الواقع المرّ- و الشّاعر يحنّ إلى" الماضي" زمن القوة الذي كان فيه العربي سيّدا ، معلنا انتماءه القومي ، معبّرا عن حسرته لانتمائه إلى الزمن الرديء المشوب بالهزيمة والاستكانة.
- استند الشاعر إلى خلفية تاريخية عربيّة ، فيما تجلّت ؟
- إلم يهدف بقوله : "التذكار ثقيل حين حملناه " ؟
- لصيغة الأمر في النص أهمية ، فيم تكمن دلالتها النفسية ؟
- جدّد الشّاعر في القصيدة بناء على الاقتباس، وضح مستعينا بأمثلة منها.
- الخلفية التاريخية هي معركة الكرامة بين المسلمين والروم في موقعة عمورية التاريخية التي انتصر فيها الخليفة المعتصم تلبية لاستغاثة امرأة عربية أسيرة بقولها : "وامعتصماه."
- يهدف الشاعر إلى استهجان عقد ملتقى أبي تمام لأنه رمز للفخار والأمة ليست في الوضع اللائق لإحياء ذكراه.
- لصيغة الأمر في نهاية المقطع الأول دلالة نفسية: هي تصاعد التوتر الذي يؤكد عنفوان الثورة ، الحسرة من الواقع وتمني غضب عارم يزيل هذه الحسرة "الثورة".
- التجديد اعتمد على توظيف التراث واقتباس الرموز والأساطير التّاريخية من معالم وشخوص، وهو مذهب المجددين في الشّعر العربي المعاصر.
- ما النمط الغالب على النّصّ ؟ وضّح .
- هل التمست الوحدة العضوية ؟
- النمط الغالب في النص : هو النمط السّردي: سرد أحداث قصصية بمعالمها وشخوصها بالتركيز على الفعل الماضي أو الحاضر في المكان المناسب لكليهما (( لم يذهب ، شق ، حين دعا، لبى)) (( يلقى يتعاطون ، لا يسقينا ، تطلب ....إلخ))
- تتجسد الوحدة العضوية في التلاحم بين المقاطع الثلاثة التي تشكل في مجموعها قصة متسلسلة الأحداث لا يمكن الفصل بينها. ، إذ انتقل بنا – الشاعر- تدريجيا من العصر العباسي إلى العصر الحديث بل ربط بينهما برباط محكم عبر عمورية وطبرية و وهران، كما لا يمكن تقديم وحدة عن الأخرى.
- ما سبب تكرار الشاعر لفظة " لكن" في ثنايا القصيدة ؟
- ماذا أفادت "أو" في قول الشاعر: " أو يسقيك رضا " ؟.
- أعرب " الجدّ " في قول الشّاعر: "أبو تمام الجد حزين "؟
- لكن: تفيد الاستدراك وهو نفسه السبب في استعمالها في ثنايا القصيدة لأنّ موقف المقارنة بين الماضي والحاضر يستوجب الاستدراك في كل مرة أن الزمنين مختلفين .
- معنى "أو" في الجملة هو "التسوية بين ما قبلها وما بعدها.
- الجدّ: عطف بيان أو بدل من «أبو تمام» مرفوع.
ساهم الشّاعر في وضع قواعد الشّعر الحر شعر (التّفعيلة) الذي جسد من خلال معالجته لقضايا العالم العربي حديثا. وقد استطاع صلاح عبد الصبور أن يحول التّاريخ الأدبي والتّاريخ السياسي إلى صور شعرية و رموز، فقد وفّق في اختيار تلك الرموز بل في إعطائها بعداً فكريا وفّنيا يمثّل جسراً رابطا بين الماضي و الحاضر.