نص تواصلي : الرمز الشعري
من متابعة الرموز القديمة التي يستخدمها الشعراء المعاصرون يتبين لنا أن معظم العناصر الرمزية إنما يرتبط بالقديم، بشخوص أسطوريين (أو دخلوا على مر الزمن عالم الأسطورة). وأبرز هذه «الرموز الأسطورية» وأكثرها دورانًا هي شخوص السندباد و سيزيف وتَموز وعشْتَروت و أيوب وهابيل و قابيل وأينياس والخَضر وعنترة وعبلة وشهريار وهرقل والتتار (وإن كان اسما لجماعة) والسيرين وسُقراط وغيرها من الشخوص الأسطوريين الإغريقيين وغير الإغريقيين. و إلى جانب ظهور هؤلاء الشخوص الأسطوريين نجد الشعراء أحيانا يستلهمون الأسطورة القديمة في مجملها من حيث هي تعبير قديم ذو مغزى معين، كاستلهامهم أسطورة أوديب و أبي الهول أو قصة بِنْيلوب وأوليس أو حكاية نوم الإمام علي في فراش الرسول ليلة الهجرة. فالعناصر الرمزية التي يستخدمها الشاعر المعاصر، بعد أن يستكشف لها بعدا نفسيا خاصا في واقع تجربته الشعورية، معظمها مرتبط في الأسطورة أو القصة القديمة بالشخوص أو بالمواقف. وهذه الشخوص أو المواقف إنما تستدعيها التّجربة الشّعورية الراهنة لكي تُضفي عليها أهمية خاصة. فالتجربة إِنّما تتعامل مع هذه الشخوص والمواقف تعاملا شعريا على مستوى الرمز، فتستغل فيها خاصة الامتلاء بالمغزى أو بأكثر من مغزى، تلك الخاصة المميزة للرمز الفني..
لنقف قليلا عند السندباد، وهو شخصية عرفها التراث العربي في حكاياته الأدبية الشعبية، فماذا نجد؟ السندباد نفسه تاجر يجوب بسفينته البلدان بحثا عن الطرائف، و يتعرض في رحلاته لمواقف شاقة لا يخرج منها إلا بعد عناء و مغامرة. هذه الشخصية عادية و غير عادية في الوقت نفسه. هي عادية على المستوى الجمعي للإنسان لأن قصة الإنسانية إجمالا– وفي إيجاز– هي قصة المغامرة في سبيل كشف المجهول. و هي غير عادية على المستوى الفردي، لأننا ألِفْنا الفرد الذي تتلخّص فيه التجربةُ الإنسانية نادرا. وكون السندباد عاديا وغير عادي في الوقت نفسه هو الذي جعله – بغض النظر عن حكاياته القديمة – وكثير ممن يتلقّون الشعر المعاصر بحماسة قد صاروا يتأفّفون من استخدام هذه الشخوص الأسطورية الرمزية القديمة بعامة. و المؤكد أن: هذا التأفف يرجع إلى سوء استخدام بعض الشعراء لهذه الرموز، فبعض الشعراء يتصورون في حشدهم لهذه الرموز في شعرهم دليلا على اتّساع ثقافتهم، وهم لذلك يبحثون وينقّـبون حتى يعثروا في التراث الإنساني على مزيد من الرموز، ولا يُنْكر أحد على الشاعر المعاصر أن يكون مثقفا، بل لعل الشاعر المعاصر مطالب بذلك و لكن الإنكار ينصب على طريقة استخدامه لهذه الرموز.. وكما يتعامل الشاعر المعاصر مع الرموز القديمة فإنه يخلق كذلك رمز الجديد وينشئ الأسطورة الجديدة. وهو في هذا يحتاج إلى قوة ابتكارية فذّة، يستطيع بها أن يرتفع بالواقعة الفردية المعاصرة إلى مستوى الواقعة الإنسانية العامة ذات الطابع الأسطوري، كما أنه يرتفع بالكلمة العادية المألوفة إلى الكلمة الرامزة.. استطاع الشاعر المعاصر أن يجعل من شخصية « جميلة بوحيرد » شخصية أسطورية. ولستُ في حاجة لأن أنُص على القصائد التي تحدثت عن « جميلة »، فنحن نعرف أن معظم شعرائنا المعاصرين قد انفعلوا بهذه الشخصية. أما فيما يختص بالرمز الذي يتبلور في كلمة واحدة فإن الشعراء المعاصرين قد بذلوا في هذا المجال جهدا ملحوظا، حتى كاد كل شاعر يُعرف برمزه المبتكر. ومن ملاحظاتنا لطبيعة هذه الرموز نجد أنها تنقسم إلى نوعين: نوع يرتبط بعناصر طبيعية، كالمطر، و البحر، والنجم، و الناي، و الريح، و فارس النحاس، و نوع يرتبط بالأماكن ذات المدلول الشعوري الخاص، كدنشواي، وجيكور، و بويب، و البصارة وبور سعيد، و أوراس، و ما أشبه.. والشاعر المعاصر في تعامله الشعري مع عناصر الطبيعة إنما يرتفع باللفظة الدالة على العنصر الطبيعي، كلفظ المطر مثلا، من مدلولها المعروف إلى مستوى الرمز، لأنه يحاول من خلال رؤيته الشعورية أن يشحن اللفظ بمدلولات شعورية خاصة و جديدة.. والشعراء المعاصرون بمحاولتهم خلق الرمز العصري إنما يعملون في الوقت نفسه على إثراء المصطلح الشعري. و كل من يتصفح دواوين الشعر الحديثة يستطيع في يسر أن يتمثل الفن التعبيري الذي أفادته لغة الشعر على أيدي هؤلاء الشعراء.
1) بم ترتبط العناصر الرّمزية لدى الشّعراء المعاصرين؟
2) اذكر بعض الرّموز الأسطوريّة المتداولة بكثرة.
3)تجمع طبيعة الرمز بين أمرين: ما هما؟
4) إِلام يعزى نفور بعض القراء من استخدام الشّخوص الأسطوريّة الرّمزية القديمة في الشّعر؟
5) كيف يستطيع الشّاعر الارتفاع بالواقعة الفرديّة المعاصرة إلى الواقعة الإنسانيّة العامّة ذات الطّابع الأسطوريّ؟
6)كيف يمكن إثراء المصطلح الشّعري في رأي الكاتب؟
1) ترتبط العناصر الرمزية بالقديم و بأشخاص أسطوريين خياليين أو حقيقيين دخلوا عالم الأسطورة بإنجازاتهم الخارقة.
2) من هذه الرموز نجد السندباد و سيزيف و تموز وعشتروت و أيوب و أبو الهول و قابيل و هابيل.
3) هذان الأمران اللذان يجتمعان في الرمز هما: 1 ـ الحقيقي و العادي. 2 ـ غير الحقيقي و فوق العادي.
4) يعزى ذلك إلى سوء استخدام هذه الرّموز لدى بعض الشعراء فيعمدون إلى حشد نصوصهم بالعديد من الرّموز غير المعروفة اعتقادا منهم أن ذلك مؤشر على سعة الثقافة الأدبية.
5) يستطيع ذلك من خلال تعامله مع الرّموز القديمة أو خلق رمز جديد باستغلال ما وهب من قوة ابتكارية خلاّقة، و الذّكاء الفنيّ الذي يتقن الغرور في أبعاد الرّمز وربط علاقات عضويّة بينه وبين الواقع الإنسانيّ العام.
6) يتم إثراء المصطلح الشّعريّ من خلال الارتفاع بالألفاظ الدّالة على المعجم الطبيعيّ إلى مدلولات ذات أبعاد أخرى تنبع من الشّعور فتبتكر شكلا جديدا من الرّموز الشّعريّة.
س1) هل كلّ " الرّموز الأسطوريّة " شخوص أسطوريّة؟ علّل
س2)حدد أسباب اهتمام الشّعراء و النّقاد بالرّمز.
ج1) ليست كل الرّموز الأسطوريّة شخوصا أسطوريّة و مثال على ذلك "جميلة بوحيرد" التي تحوّلت من بطلة عادية إلى رمز أسطوريّ لشجاعتها و صمودها و تحدّيها.
ج2) ظاهرة الرّمز من الظّواهر الحديثة في الشّعر العربيّ، وهذه الرّموز متعدّدة منها الديني والتّاريخي والسياسي والأدبي ومنها الحقيقي والأسطوري، اهتم بها الشّعراء تأثّراً بالتيارات الأدبية الغربية، ووعياً بقدرة هذه الرّموز على استيعاب التّجارب الثريّة في مجال الإبداع، فتوظيف الرّمز في الشّعر العربيّ الحديث والمعاصر صار من المقتضيات التي يفرضها الواقع الاجتماعي والسياسي والنفسي للشعراء.