النص الأدبي الأول : منزلة المثقفين في الأمة للإبراهيمي
المثقّفون في الأمم الحية هم خيارها وسادتها وقادتها وحراس عزها ومجدها. تقوم الأمة نحوهم بواجب الاعتبار والتقدير، ويقومون هم لها بواجب القيادة والتدبير، ومازالت عامة الأمم، من أول التاريخ تابعة لعلمائها وأهل الرأي والبصيرة فيها، تحتاج إليهم في أيام الأمن وفي أيام الخوف. تحتاج إليهم في أيام الأمن لينهجوا لها سبيل السعادة في الحياة ، ويغذّونها من علمهم وآرائهم بما يحملها على الاستقامة والاعتدال، وتحتاج إليهم في أيام الخوف ليحلّوا لها المشكلات المعقّدة ويخرجوها من المضائق محفوظة الشرف والمصلحة. والمثقّفون هم حفظة التوازن في الأمم وهم القَومة على الحدود أن تهدم وعلى الحرمات أن تنتهك وعلى الأخلاق أن تزيغ ، وهم الميزان لمعرفة كل إنسان حد نفسه، يراهم العامي المقصر فوقه فيتقاصر عن التسامي لما فوق منزلته، ويراهم الطاغي المتجبر عيونا حارسة فيتراجع عن العبث والاستبداد.إذا كانوا متبوعين فمن حقّ غيرهم أن يكون تابعا، أو كانوا في المرتبة الأولى فمن حقّ غيرهم أن يكون في الثانية، ولا أضر على الأمم من الفوضى في الأخلاق والفوضى في مراتب النّاس، ولكن هل عندنا مثقّفون بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة؟ وما دام حديثنا في دائرة محدودة وهي الأمة الجزائرية بصفتها الحاضرة، وتفصيلنا للقول إنّما هو على مقدارها فلنقل مخلصين: هل فينا مثقّفون بالمعنى الصحيح الكامل لهذه الكلمة ؟ ولنكن صرحاء إلى أبعد حد. الحقّ أنّه لا يوجد في الأمة الجزائرية اليوم مثقّفون على نسبة حالها، وعلى حسب حظّها من الإقبال على العلم، وعلى مقدار الوسائل التي تهيأت لها في ذلك ـ ولكن المثقّفين منّا قليل جدا لا في الكم والعدد ولا في الكيف والحالة، ولا نطمع في زيادة عدد المثقّفين إلاّ إذا زاد شعور الأمة بضرورة التثقيف، وتهيأت أسبابه أكثر مما هي متهيئة الآن ـ ولا نطمع في زيادة الكيفية إلا إذا توحدت طرائق التثقيف وجرت على ما يوافق روح الأمة في دينها وعقائدها الصحيحة وتاريخها ولغتها وجميع مقوماتها، واتحدت الأهواء المتعاكسة واتفقت المشارب المختلفة في الأمة وصحت نظرتها للحياة وصح اختيارها لطرقها المناسبة لوجودها. إن أول واجب على المثقّفين إصلاح أنفسهم قبل كل شيء، كل واحد في حد ذاته، إذ لا يصلح غيره من لم يصلح نفسه، ثم إكمال نقائصهم العلمية واستكمال مؤهلاتهم التثقيفية حتى يصلحوا لتثقيف غيرهم، إذ ما كل مثقف يكون أهلا لأن يثقف، وإذا كان المثقفون قبل اليوم في حالة إهمال فحالتهم إذا هيأوا أنفسهم لتأدية الواجب تستلزم اهتماما آخر واستعدادا جديدا. وثاني واجب هو إصلاح مجتمعهم كل طائفة مع كل طائفة بالتعارف أولا وبالتقارب في الأفكار ثانيا، ومن طبيعة الاجتماع أنه يحذف الفضول و اللغو، و بالتفاهم في إدراك الحياة وتصحيح وجوه النّظر إليها ثالثا، وبالاتفاق على تصحيح المقياس الذي تقاس به درجة الثقافة رابعا . وهذه النّقطة الأخيرة من ألزم اللوازم فإن التباعد بين المثقّفين وخصوصا بين أهل الثقافة العربية والثقافة الأوروبية، أدى إلى فتح الباب وكثرة المتطفلين، فأنا من جهتي لا أرضى بحال أن أحشر في زمرة المثقّفين كل من يكتب بالعربية الصحيحة مقالة في جريدة ولا كل من يستطيع أن يخطب في المجتمع ، وهو مع ذلك عار من الأخلاق أو لا يحسن الضروريات من المعارف العصرية، وما أكثر هذا الصنف فينا، وهم يعدون في نظر النّاس وفي نظر أنفسهم من المثقّفين، وأنا أشهد الله أن هذا ظلم للثقافة ما بعده ظلم، كما أنه يوجد في قراء الفرنسية عدد كثير من حملة الشهادات يزعمون لأنفسهم أو يزعم لهم النّاس أو يزعم لهم العرف الخاطئ أنهم من المثقّفين، وهذا كذلك ظلم للثقافة لا أرضاه. وإن أمثال هؤلاء من الطرفين لو دخلوا في عمل أفسدوه، لنقص معلوماتهم أو فساد أخلاقهم وقصر أنظارهم وجهلهم بالتطبيق، ولا نستريح من هؤلاء إلا إذا جاء وقت العمل فإن القافلة إذا سارت و شدت الرحال تخلف العاطل وظهر الحقّ من الباطل.
الشيخ محمد البشير الإبراهيمي (1889- 1965) رجل أدب وإصلاح وسياسة وأحد رواد النهضة في الجزائر, عمل على استرجاع الجزائر هويتها, وعلى النهوض بالمجتمع الجزائري حتى يلحق بالمجتمعات المتقدمة, كان شغله الشاغل التربية والتعليم, يؤمن بأن العلم والأخلاق دعامة تقدم الشعوب والأمم. ويعرف الإبراهيمي بكتاباته الأدبية الراقية, وقد خلف مجموعة من المقالات جمع معظمها في "عيون البصائر"
القومة: الراعون و الحارسون لمصالح الأمة
الاستبداد: الّتفرد بالحكم
تزيغ: تنحرف
- لم تحتاج الأمة إلى مثقفيها أيام الأمن؟ ولم تحتاج إليهم أيام الخوف ؟
- كيف ينظر كل من العامي والطاغي إلى الفئة المثقفة ؟
- هل كانت الجزائر تحظى بنسبة كبيرة من المثقفين في عصر الكاتب ؟
- ما هو واجب المثقفين ذوي الأولوية ؟
- كيف تتم عملية إصلاح المجتمع ؟
- تحتاج الأمة إلى مثقفيها أيام الأمن لينهجوا لها سبيل السعادة في الحياة ويزودوها بعلمهم وآرائهم ليصلح حالها ويستقيم أمرها, وتحتاج إليهم أيام الخوف لإيجاد الحلول للمشاكل العالقة وقهر المصاعب التي تعترض طريقها .
- يراهم العامي أعلى شأنا منه فلا يطمح في نيل منزلتهم ويراهم الطاغي عيونا حارسة على مصالح الأمة فلا يفكر في فرض سلطانه .
- لم تحظ الجزائر بنسبة كبيرة من المثقّفين بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة ، فالمثقفون الحقيقيون قليلون كما و كيفا ،فالكيف لا يتحقق إلا إذا توحّدت الطرائق و تلاءمت مع عقائدها الصحيحة و مقوّماتها العربية .
- واجب المثقفين هو إصلاح أنفسهم قبل التفكير في إصلاح الغير .
- تتم عملية إصلاح المجتمع بالتعارف والتقارب في الأفكار والتفاهم .
- يرى الكاتب أن المثقفين هم أعمدة المجتمع والأمة , هل توافقه في ذلك ؟ علّل .
- من هو المثقف الحق في نظر الكاتب ؟ وما هي المقاييس التي تجعله كذلك ؟
- ما الهدف الذي يرمي إليه الكاتب في حديثه عن " متطفلي الثقافة " ؟ وضح
- فعلا إن المثقفين هم أعمدة المجتمع والأمة, لأهمية الدور الذي يؤديه هؤلاء في إصلاح أحوال المجتمع والحرص على رقي الأمة وتطورها .
- المثقّف الحق في نظر الكاتب هو الذي يهتم بإصلاح نفسه قبل أن يهتم بإصلاح مجتمعه وهو الحريص على مصالح الأمة والمدافع عن مقوماتها, و من المقاييس التي تجعله كذلك : حسن الخلق والتأهيل العلمي والمعرفي.
- و قد رمى الكاتب من خلال حديثه عن « متطفلي الثقافة » إلى تصحيح ماهية الثّقافة الحقّة والدعوة إلى الجمع بين الأصالة و المعاصرة فحثّ المثقّفين على القيام بواجبهم نحو الأمة، وتعرية الانتهازيين وأشباه المثقّفين .
- برزت أساليب التوكيد في النص, استخرج بعض النماذج وبيّن الغرض منها .
- انتقى الكاتب ألفاظا كثيرة من القاموس القديم, علام يدل ذلك ؟ مثّل .
- وظف الكاتب كثيرا من ألوان البيان والبديع, استخرج بعضها وبيّن أثرها في الكلام .
- ركز الكاتب في نصه على عرض الأحكام, علام يدل ذلك ؟ هات بعضها .
- في أيّ نوع من أنواع النثر يمكنك تصنيف النص ؟
- من أساليب التوكيد الواردة في النص : إنّ أول واجب على المثقّفين، المثقفون في الأمم الحية هم سادتها ، الحقّ أنّه يوجد في الأمة اليوم ، وغرضها ترسيخ المعنى ، و تأكيده و تثبيته في ذهن المتلقي بغرض المحاجاة ، فالتوكيد أحد أدوات الحجاج .
- يدل ذلك على تأثره الشّديد بالثقافة العربية الإسلامية واغترافه من نبع التراث الأدبي القديم و اهتمامه بانتقاء الألفاظ لانتمائه إلى مدرسة الصنعة اللفظية و الاتجاه المحافظ الذي يرى أن الفكرة النّبيلة لابد لها من لغة أنيقة ترضي العقل و تثير العاطفة و نلمس ذلك في : تزيغ - القومة - زمرة - الرحال - الحرمات - المشارب.
- من ألوان البيان : الاستعارة ( يغذوها من علمهم )-التشبيه البليغ ( هم الميزان) وأثر هذه الصور هو تقريب المعنى من ذهن القارئ وتشخيصه بنقله إلى صورة محسوسة من جهة ، ومن جهة ثانية زيادة الأسلوب رونقا لإثارة القارئ و جعله يستجيب للفكرة ليحدث عنده الرضا والقبول .
ومن ألوان البديع : ( تخلّف العاطل ، وظهر الحق من الباطل ) . جناس و بتوافق مبنى اللّفظتين ( العاطل ، الباطل ) . ( التقدير.. التّدبير.. ) ، فيحدث ذلك موسيقى داخلية تطرب لها الأذن ويتأثّر لها الفؤاد ،و الطباق: ( الحقّ # الباطل) ( الأمن # الخوف) ( كانوا متبوعين# غيرهم تابعا ) . لتوضيح المعنى إذ بأضدادها تعرفُ الأشياء
- يدل ذلك على منطقه وموضوعيته في الطرح التي يستوجبها الدور الإصلاحي الذي يقوم به الكاتب في سبيل الارتقاء بالأمة , ومن هذه الأحكام :" المثقفون هم خيار الأمة ", "المثقفون هم حفظة التوازن"
- يصنف النص ضمن فن المقال ( المقالة الاجتماعية ) . عمد الكاتب إلى النّمط التفسيري لأنه الأنسب لتوضيح القضية المطروحة وشرحها ، فالكاتب في موقف تصحيح مفهوم الثقافة الحقّة وبيان دور المثقّف الحقيقي في نهضة الأمة إيمانا منه بالتّصور التالي : علم صحيح + خلق رفيع = ثقافة حقّة = مجتمع ناهض .
- بنى الكاتب نصه على الموازنة, بين أيّ العناصر كان ذلك, وما الحكمة من هذه الموازنة ؟
- هل يحقق النص الوحدة الموضوعية المطلوبة في فن المقال ؟ وضّح ذلك بالوقوف عند ترابط الفقرات .
- تعددت الموازنة في النّص فقد وازن الكاتب بين :
- نظرة العامي ونظرة الطّاغي إلى المثقّف .
- المثقّف أيام الأمن وأيام الخوف .
- بين المثقفين والمتطفلين على الثقافة .
- المثقفون ثقافة عربية والمثقفون ثقافة أوربية .
- وبين واجب المثقف نحو نفسه و نحو مجتمعه.
أما وظيفة هذه الموازنة فهي توضيح الفكرة وإقناع المتلقي بصحة قضيته بالوقوف على أوجه الشّبه والاختلاف لتحديد مواصفات المثقفين المؤهلين للنهوض بالأمة .
- نعم ، تحقّقت الوحدة الموضوعية المطلوبة في فن المقال لأن النّص عالج موضوعا واحدا هو منزلة المثقّفين ، فجاءت فقراته مترابطة خضوعا للبناء الفني للمقال ( مقدمة ، عرض ، خاتمة ) .
- يعد الإبراهيمي من كتاب المقال المرموقين الذين يتأنقون في أسلوبهم معجما وبلاغة. اذكر خصائص أسلوبه .
- خصائص و مميزات أسلوب محمد البشير الإبراهيمي :
- جزالة الأسلوب وقدرته على التعبير الجميل .
- عبارات قوية واضحة لا غموض فيها .
- الألفاظ موحية منتقاة ملائمة لمعانيها .
- أسلوبه مليء بالصور البيانية والمحسنات البديعية إذ يعتبر امتدادا لمدرسة الصنعة اللّفظية المعروفة منذ العصر العباسي عند أبي تمام.
- الميل إلى استعمال التوكيد و الاقتباس من القرآن الكريم و الحديث الشريف .
- تضمين الشّعر العربي .
- النّزعة الإصلاحية .