النص الأدبي : كابوس في الظهيرة لحسين عبد الخضر
(صالة بيت عراقي . صور شخصية لثلاثة رجال معلقة على الجدار. شباك يطل على الحديقة. أريكتان متقابلتان تجلس عليهما امرأتان )أصوات لعب و جري لأطفال تسمع من الحديقة ] الضيفة: كم يكون الأطفال مزعجين عندما يلعبون!. الأم: لا تتصوري مدى سعادتي بصخبهم و جريهم المتواصل. الضيفة : يا لهم من أشقياء لا يملون الركض و الصراخ، أطفالي مثلا، لا أعرف لماذا يركضون و يتصايحون دائما وكأنهم في حرب مستمرة!. الأم : يركضون علهم يبلغون أبواب السنين القادمة. انظري إليهم و هم يطلقون في الهواء طائراتهم الورقية، كأنهم يحلقون معها، إن الأطفال عالمهم الحالم يا عزيزتي، إنهم نعمة رزقنيها االله بعد وحدة طالت بي. الضيفة : (تضحك ببرود ) نعم إنهم يكبرون فجأة ليصبحوا رجالا. الأم: لن أسمح لهذا أن يحدث، إنني أراقبكم كل ليلة وألاحق التّغيرات التي تطرأ على سحنهم. وفي كل ليلة أجد أن هناك تغيرات جديدة، شعيرات ناعمة أخذت تشق طريقها على ذقن علي وترسم ملامح شاب جميل سيقف أمامي بعد سنوات. إن ذلك يثير في شعورا ناعما ويجعلني غير طامعة بشيء غير البقاء في ذروة هذا الشعور الذي يشبه النوم على فراش أو بلا فراش، هكذا كأنما أتأرجح في الهواء. الضيفة : (تنظر إلى الصور) هذه للغائبين؟ الأم: (بألم) نعم إنّها صور الأحباب الراحلين (تشير إلى الصور واحدة بعد الأخرى) هذه صورة زوجي فقدته في الحرب الأولى عندما كنت حاملا بوسام، وهذه لأخي الأكبر فقدته في الحرب الثانية عندما أدرك وسام الكلام، أما هذه فإنها لأخي الأصغر فقدته قبل سنوات ولا أدري أين هو الآن. الضيفة : (تنظر إلى الساعة) أتركك لتنامي فأنا أعرف أنك تحبين نوم الظهيرة رغم أنه لا يمكن لأحد أن ينام اليوم كما أعتقد. الأم: مازال الوقت مبكرا كي تذهبي، فالظهيرة لم تحل بعد. الضيفة : ربما تكون قد حلت الآن. الأم : لا، مازال هناك بعض الوقت، إنني أعرف هدا تلقائيا، و لا يمكن لظهيرة أن تفوتني. الضيفة: أنا لا أنام ظهرا، لا يتسنى لي ذلك غالبا لأنني أكون مشغولة في مثل هذا الوقت من النهار، أما اليوم فلا أعتقد بأنني سأنام. الأم: إنك تفوتين على نفسك فرصة شعور رائع كم أتمنى أن أبقى في هذا الحد إلى ما لا نهاية. المشكلة الوحيدة هي أنني لا أعرف ما الذي سيواجهني في عالم النوم، وذلك أمر يخيفني. الضيفة : الخوف هناك أيضا، إنه لمن الحزن أن نقضي أعمارنا خائفين. أيامنا في توتر دائم، اليوم أيضا هناك توتر والجميع يترقب. لقد خبرونا القصف لن يخطئنا اليوم. الأم: مهما كان الأمر، لقد تعودنا التوترات ولم يعد عندي من الرجال من أخشى عليه منها، لقد دارت بهم رحاها جميعا. الضيفة: ( تنتبه إلى الوقت ) أتركك لتنامي بسلام، لكنها الظهيرة و يجب أن تدخلي الأولاد. الأم: لا خوف عليهم، إنهم يلوذون من حر الشمس بظلال الأشجار ويراوغون أشعتها بمهارة، لنتركهم يلهثون ما تبقى لهم من الوقت. ( تودع الضيفة حتى الباب، تطل على أطفالها من الشباك وتطلب منهم أن يلعبوا بهدوء، تتمدد على الأريكة وتبدأ رحلتها إلى عالم النوم ... بعد قليل، يرتفع صوت مطرقة كبيرة تضرب سندانا تستيقظ الأم وسط الخراب ). الأم: يا إلهي، في أي كابوس أنا؟ هذا البيت كأنّه بيتي و الأثاث أثاثي، أشك بأنني أعرف تلك الكف الطرية وهذه الطائرة إنّها تشبهها تماما... كلّ شيء هنا يشبه ما لدي عدا أنه محطم مثلي تماما الآن أي كابوس كريه هذا الذي تقودني إليه شباك الوسن؟ أي كابوس؟ (تدور بعينيها في المكان فتسمع في الخارج أصوات لطم وبكاء يختلط بصفير سيارات الإسعاف والإطفاء) كأنني في حرب أو في نهاية معركة ، أي مزحة سخيفة تلك التي جلبت الكابوس إلى بيتي وحيي؟ لا، لابد أن أستيقظ من كل هذا سريعا و إلا فإني سأجن.. ( تدور الأم في المدينة مشعثة ممزقة الثياب وهي تبحث عن باب في الهواء تعود منه إلى عالمها، بعض رواد المقهى يلعبون الدومينو، يمر بها الآخرون وهم يحملون موتاهم في عربات غير مبالين بها، تحاول أن تستوقف أحدهم). الأم: أخبرني أيها السيد، من أي باب يمكنني الخروج من عالمكم ؟ فأنا غريبة هنا و أود العودة إلى بيتي و أطفالي. أحدهم: ( إلى صاحبه في المقهى ) أظن أنني أعرف هذه المجنونة. الآخر:نعم، نعم إنها أم علي من الزقاق الآخر، تظن أنها في كابوس، مسكينة، لقد فقدت كذا وكذا من أفراد أسرتها؟ أحدهم : تظن أنها في كابوس؟ . رجل 2 :( ساخرا) أو ليست هذه المجنونة مجنونة؟ دعونا منها. رجل1 : لا، إنّها ليست مجنونة و ما يدريك أنت ما الجنون: إنّها تتفادى جنونها فقط بالبحث عن باب يخرجها مما تظنه كابوسا، العب... رجل 2: حرب ومجانين، حرب ومجانين، لقد انتهيت تماما يا عزيزي اسحب كلّ ما على الطاولة وابدأ العد ... كم كسبت ؟. رجل 1 : حسنا لقد انتهيت كما انتهى كأي غيرك.
كاتب ومسرحي عراقي ولد سنة 1973 من أهم أعماله : مواسم العطش ، أوهام يوم الخلاص ، أما أعماله المسرحية فمنها : رماد أحزان الكوفة ، لعبة الخوف ، كابوس في الظهيرة ، التي منها هذا النص .
1 . استخرج من النّص المعجم اللّغوي الدّال على سعادة الأم قبل الحادثة ، ثم المعجم اللّغوي الدّال عن تعاستها بعد الحادثة .
- المعجم اللّغوي الدّال على سعادة الأمّ قبل الحادثة :سعادتي ، نعمة ، عالمهم الحالم ، شعور ناعم ، أتأرجح في الهواء.
- المعجم اللّغوي الدّال عن تعاستها بعد الحادثة : كابوس ، مجنونة ، مشعثة ، غريبة.
1 . ما الذي أراد الكاتب أن يعبّر عنه من خلال صورة الأطفال وهم يلعبون ؟
2. ما الرّسالة الإنسانيّة التي أراد الكاتب إرسالها من خلال موضوع المسرحيّة؟
3 . فيم تمثّلت مأساة الأمّ ؟ أ هي مأساة فرديّة أم مأساة جماعيّة ؟
4. ماذا مثّل حادث الانفجار الذي سبّبه القصف بالنّسبة لتطوّر الشّخصيّة ؟
5. تتبّع التّطور الدّراميّ للنّصّ وارصد أهمّ أحداثه ومدى تفاعل الشّخصيّة المحوريّة معه .
1 . أراد الكاتب من خلال هذه الصّورة إبراز طبيعة الحياة وجمالها والتي يمكن أن تتحوّل في لحظة إلى مأساة بسبب الحرب المدمّرة.
2. الرّسالة الإنسانيّة التي أراد أن يرسلها الكاتب من خلال الموضوع أن الأطفال الأبرياء هم المتضرّر الأوّل من الحرب وكذلك أمهاتهم.
3 .تمثّلت مأساة الأمّ في فقدانها لزوجها وأخيها في الحرب الأولى وأطفالها وبيتها في الحرب الثّانيّة مما سبب لها كابوسا وجنونا و هذه المأساة جماعيّة عايشتها أغلب الأسر العراقيّة، وما الأمّ إلا نموذجا .
4. مثّل حادث الانفجار الذي سبّبه القصف بالنسبة لتطوّر شخصيّة الأمّ تطوّرا دراميّا بين وضع شخصيّة كانت تغمرها السّعادة بمنظر أطفالها وهم يلعبون إلى شخصيّة تعيش مأساة بسبب جنونها بعد القصف .
5. أهم أحداث الموقف الدّراميّ : زيارة الضّيفة – الحديث الذي دار بين الضيفة والأمّ – نوم الأمّ – استيقاظ الأمّ بعد القصف وفقدانها لعقلها بسبب كارثة القصف .وقد تفاعلت الشّخصية مع الأحداث تفاعلا دراميّا أدّى بها في النّهاية إلى الجنون بفعل عدم تحملها للمأساة : دمار البيت وفقدان الأطفال .
1. ما الدّور الذي لعبته المرأة الضّيفة في الكشف عن شخصيّة الأمّ ؟
2. هل استطاع الكاتب من خلال هذا العمل المسرحيّ لأنّ ينقل لنا المعاناة من جراء الحرب ؟ من خلال أيّة شخصيّة وفق في ذلك ؟
3. علّل النّظرة التّفاؤليّة التي قدّم من خلالها الكاتب شخصيّة الأمّ قبل الحادث ؟
4. هل نجح الكاتب في بناء الموقف الدّرامّي من خلال معجمه اللّغويّ ؟ علّل .
1 . الدّور الذي لعبته المرأة الضّيفة هو الكشف عن أغوار نفسيّة الأمّ سعادتها بأبنائها ، تأقلمها مع مظاهر القصف والحرب.
2 . استطاع الكاتب من خلال هذا العمل أن يترجم معاناة الإنسان من جرّاء الحرب ، وقد وفّق في ذلك من خلال شخصيّة الأمّ التي مات أطفالها وخرب منزلها ففقدت أعصابها .
3. إنّ النّظرة التّفاؤليّة للأمّ قبل الحادثة تكمن في سعادتها بأطفالها وهم يلعبون فعقدت الأمل من أجلهم .
4. نجح الكاتب في بناء الموقف الدّراميّ من خلال معجمه اللّغويّ ، فالكلمات التي وظّفها تبرز المعاناة والدّمار والخراب: بكاء ، صفير سيارات الإسعاف والإطفاء ، ممزقة الثياب ، فقدت كذا وكذا.
1. يعتمد العمل المسرحيّ على النّمط الحواريّ عمودا وهيكلا للمسرحيّة بيّن خصائصه في هذا النّصّ من حيث: ملاءمته للشّخصيّة ، قدرته على رسم ملامحها ، مساهمته في التّطور الدّراميّ للمسرحيّة .
2. تخلّلت المسرحيّة بعض المقاطع الوصفيّة والسّرديّة .هل تراها جزءا من العمل المسرحيّ ؟ ولماذا ؟
1. نمط النّص هو النّمط الحواريّ الذي هو عمود المسرحيّة ، ومن خصائصه :
- ملاءمته للشخصيّة: حيث أن كل شخصيّة تتكلّم اللّغة التي تناسبها، من ذلك مثلا كلام الأم عن الأطفال.
- قدرته على رسم ملامحه: أي أن الحوار يجسّد ملامح الشّخصيّة نفسيّا وجسمانيّا ، من ذلك مثلا الحوار الذي دار بين الرّجلين وقد صوّر به الكاتب مأساة الأمّ من جرّاء القصف.
2. تخلّل الحوار بعض المقاطع الوصفيّة والسّرديّة والتي ساهمت في بنائه، وهي جزء من العمل المسرحيّ لأنّها يتبرز الشّخصيات والبيئة المكانيّة والزّمانيّة وتسرد الأحداث.
1. لقد حافظ الكاتب على النّسق المسرحيّ ممّا جعل الأحداث منسجمة . أ بناء الشخصية المحورية اعتمد؟ أم بناء الأحداث ؟علل بشواهد من النّصّ .
2. كيف ساهم حادث الانفجار في البناء الدّراميّ ؟
1. لقد اعتمد الكاتب في تقديم الأحداث على الشّخصية المحوريّة "الأم" بناء تطوريّا متناميّا مع بناء الأحداث، إذ أن شخصيّة الأمّ هي المسيطرة من البداية إلى النّهاية كما أنّ الأحداث جاءت مرتّبة ترتيبا محكما.
2. ساهم حادث الانفجار في الوصول بالموقف الدرامي إلى الذّروة فقد جسّد لنا الخراب والفناء والعدم وكذلك مأساة الإنسان جرّاء الحروب.